عمران فخري: لا دور لوزارة الزراعة في رعاية القطاع

عمران فخري
لمزيد من تسليط الضوء على وضع الزراعة في لبنان بشكل عام وفي الجنوب بشكل خاص، التقت "شؤون جنوبية" عضو المجلس الاقتصادي الاجتماعي في الجمهورية اللبنانية عمران فخري، وهو من أبرز المزارعين في الجنوب، ويشغل موقع أمين العلاقات الدولية في تجمع مزارعي الجنوب.

وصف عضو المجلس الاقتصادي الاجتماعي الاستاذ عمران فخري واقع الزراعة في لبنان بـ” مشكلة المزمنة”، فمنذ تأسيس الكيان كانت الزراعات بدائية بشكل عام، مع العلم أن 70 إلى 80% من مناطقه أراض زراعية. لكن بعد الحرب العالمية الثانية والحصول على الاستقلال، شهد لبنان نمواً في المجالات الصناعية والتجارية وتحول لبنان إلى مركز للاستيراد والتصدير مما خفف من اعتماد الناس على القطاع الزراعي، لكن من جهة أخرى شهد البلد هجرات كثيفة، خصوصاً من العاملين في القطاع الزراعي”.

نظرة غائبة تاريخياً

وأضاف فخري: “منذ حصولنا على الاستقلال الوطني، لم يشهد القطاع الزراعي أية نظرة جدية من قبل الحكومات المتعاقبة، كان المزارع يزرع، يفلح، ويقطف ويسعى لتسويق إنتاجه من دون أية رعاية من الدولة، وهي السياسة الدائمة المتبعة منذ إنشاء الكيان. لأن سياسة السلطات كانت تنظر إلى لبنان بأنه بلد خدمات سياحية ومصرفية، ولم يكن القطاع الزراعي على جدول أعمال السلطات”.

يصمت فخري لحظات قبل أن يستطرد: “أعتقد أن نسبة الذين يعتمدون على القطاع الزراعي قد تبلغ نحو 45% من السكان بشكل مباشر وغير مباشر، وذلك من خلال عمل زراعي دائم أو عمل جزئي، ومن خلال مجالات عمل ترتبط بالزراعة بشكل ما. إن القطاع الزراعي يؤمن نسبة عالية من مدخول عدد كبير من الجنوبيين من بينهم معلمين – متقاعدين وعمل جزئي”.

اقرأ أيضاً: محمد يونس: التلوّث يمنع مصلحة للّيطاني من ممارسة دورها

وعن المشكلة الدائمة التي تواجه الزراعة في الجنوب، قال فخري: “هناك غياب وزارة الزراعة عن لعب أي دور في رعاية القطاع الزراعي، وهذا ناتج عن إهمال حكومي متعمد لدور هذا القطاع، ويمكن ملاحظة ذلك من خلال النظر إلى موازنة وزارة الزراعة التي تبلغ 0.067% من الموازنة العامة أي نحو 30 مليون دولار وضمنهم رواتب الموظفين”.

هوية زراعية

وأضاف فخري: “قبل عام 1964، كانت الزراعات الشائعة في الجنوب هي البقول، القمح، الشعير، والحبوب المعدة للعلف. بعد ذلك أنشأ المشروع الأخضر والمصلحة الوطنية لنهر الليطاني، ما أنعش هذا السهل الزراعي الممتد من صيدا إلى الناقورة، وتحولت الزراعات إلى زراعات ذات منحى تصديري أهمها زراعة الحمضيات (برتقال، أفندي، حامض) واتسعت المساحات المزروعة، وتحولت هذه الزراعة إلى هوية المنطقة، وخصوصاً أن الساحل اللبناني انفرد طيلة عقود وتميز بزراعة الحمضيات وتصديرها وغياب هذا الإنتاج عن أراضي المحيط (سورية، مصر، وقليلاً من تركية) وتحول الإنتاج الزراعي اللبناني من الحمضيات إلى المصدر رقم واحد إلى السوق العربي، خصوصاً إلى سورية، مصر والخليج العربي، في تلك الفترة بلغ إنتاج الحمضيات نحو 250 ألف طن من الحمضيات سنوياً في حين بلغت حاجة السوق الداخلي نحو 50 ألف طن والباقي للتصدير”.

وزاد فخري: “مع بداية التسعينيات تحولت مصر وسورية إلى بلدين لديهما اكتفاء ذاتي من الحمضيات، وتصدير كميات من إنتاجهما إلى السوق الخليجي، وبكلفة أقل بـ70% من كلفة الإنتاج اللبناني. ويعود ذلك لارتفاع الكلفة في الإنتاج اللبناني وغياب الدعم الحكومي على عكس سياسات البلدان المحيطة بنا. وهذا ما شكل بداية الأزمة في قطاع الحمضيات”.

شؤون جنوبية 169
منذ 5 سنوات

ماذا كانت سياسة المزارعين تجاه ذلك، وهم متروكون من قبل السلطات؟

أوضح فخري: “بدأ المزارعون باستبدال زراعة الحمضيات بزراعة الموز في الشريط الساحلي. ويعود ذلك لكون زراعة الموز ناشطة، خصوصاً وجود أسواق لتسويق، الإنتاج في سورية والأردن حصراً، حيث أن المناخ في سورية لا يساعد على إنتاج الموز ومشكلة المياه المالحة في الأردن تمنع نمو هذه الزراعة، وقد وجد المزارع أن زراعة الموز حل، إذا كان لا يحقق ربحاً فهو لا يخسر، هل هذا هو الحل الوحيد الذي اختاره المزارعون؟ أجاب فخري: أبداً، منذ خمس سنوات بدأ المزارعون بزراعة الأفوكادو، وهي زراعة تناسب المناخ اللبناني ولا ينتج منها إلا في لبنان وفلسطين المحتلة، وقد تعلمنا أن الإنتاج الذي لا تنتجه سورية يمكن تصديره، كذلك يمكن زراعة الرمان الذي يمكن تصديره. نحن الحلقة الأضعف في العلاقة مع الأسواق الزراعية العربية. وكلنا أمل أن تلعب وزارات الزراعة دورها وتبحث عن أسواق حقيقية للإنتاج اللبناني”.

إلى جانب المشكلة الأساسية التي تتمثل بغياب السياسة الوطنية العامة، أشار فخري إلى “مشكلات أخرى قائلاً: يعيش المزارعون مشكلة أخرى أساسية هي مشكلة الري بسبب تلوث مياه نهر الليطاني الذي انعكس سلباً على المشتركين، كما أن المياه لا تصل إلى كل أراضي المشتركين، كذلك تشهد الأراضي الزراعية الممتدة من القاسمية إلى الناقورة شحاً في مياه الري ويعود ذلك لعدم تنظيم آلية الري للمزارعين ووجود فساد بتوزيع المياه وخضوع الدور إلى “واسطات” سياسية وحزبية. هناك مشتركون لا تصلهم المياه، وغير مشتركين تصلهم المياه بانتظام. كذلك فإن مياه برك رأس العين التي تتبع مصلحة الليطاني تواجه مشكلة مستجدة من 7 – 8 سنوات وهي مشكلة هدر المياه في البحر. كما أن مصلحة مياه لبنان الجنوبي وضعت 12 مضخة لسحب المياه إلى السكان، وبعضهم يستخدمها للري من دون اشتراك رسمي، اعتماداً على علاقات سياسية، وقد جرى تركيب المضخات تحت شعار البشر قبل الشجر. وقد راجعنا المدير العام لمصلحة الليطاني سامي علوية ومدير عام مصلحة مياه لبنان الجنوبي وسيم ضاهر وقد وعدا بالمعالجة وما زلنا نتابع الأمر معهما.

وزاد فخري: هناك مشكلة أخرى هي سياسة التهريب عبر الحدود المشرعة غير الخاضعة لأي رقيب أو حسيب. المزارع بحاجة إلى موقف حازم وحاسم من قبل السلطات، لأن التهريب إلى داخل لبنان بشكل مقتلاً للمزارع ويأساً له من المستقبل. يعمل خلال العام وعندما يحاول التسويق يجد السوق ممتلئاً بالإنتاج المهرب عبر الحدود المفتوحة مما يصيب منه مقتلاً.

كما ان سوق التصدير للحمضيات قد أقفل عند إقفال “معبر نصيب” خلال ثلاثة أعوام الذي يشكل الشريان الرئيس لتصدير حمضيات لبنان، لذلك يصير إعادة فتح هذا المعبر مدخلاً لتقديم حلول جزئية لمشكلة القطاع الزراعي في لبنان”.

مطالب مهمّة

وعن أهم المطالب التي يراها فخري محقة لتحسين أوضاع المزارعين، أجاب: “أعتقد أنه من الضروري تجميد الاتفاقيات العربية (اتفاقية التسيير العربية) حتى يتسنى لنا القدرة على المنافسة، وإجراء اتفاقيات جانبية مع مصر، سورية والأردن ووضع روزنامة زراعية جدية.

اقرأ أيضاً: إبراهيم الحريري: المزارع يرزح تحت الديون والمطلوب سياسة وطنية مستدامة

إلى جانب ذلك العمل على تخفيض كلفة الإنتاج من خلال إعادة النظر بأسعار المحروقات للزراعة وإعفاء المزارعين من ثمن المياه والكهرباء خصوصاً أن المياه تذهب هدراً إلى البحر. كما من الضروري معالجة تلوث مياه الليطاني خصوصاً موضوع المرامل المنتشرة بدون رقابة جدية”.

وأشار فخري إلى “مشكلة أخرى تتمثل بإقفال معامل تصدير الإنتاج بسبب غياب السياسات وغياب الدعم الزراعي. كما ركز فخري على أهمية وجود حرية للاستثمار مما يفسح في المجال أمام المستخدمين في الجنوب وخصوصاً في مجال تصنيع الإنتاج الزراعي، وأكد على ضرورة المطالبة بتحويل وزارة الزراعة إلى وزارة سيادية تعنى بشؤون قطاع أساسي من قطاعات الإنتاج”.

وحول المجلس الاقتصادي الاجتماعي، أجاب فخري: “إننا في لجنة الزراعة نعمل كخلية نحل وننشط في تحديد المطالب ونتواصل مع جميع المعنيين في مجلس الوزراء ووزارة الزراعة، واللجنة الزراعية النيابية كي ننجز شيئاً من هذه المطالب المحقة”.

(هذه المادة نشرت في مجلة “شؤون جنوبية” العدد 169 خريف 2018)

السابق
حفل توقيع كتاب «التوحّد الكوني» لـ الراحل محمد عقل
التالي
حزب الله «الحبيب العسل» بين كرامي والسيد