سميح سلامة: تنظيف الليطاني من دون ردع الجهات الملوِّثة استعراض سياسي!

نهر الليطاني
أربعون عاماً قضاها المهندس سميح سلامة في العمل بالقطاع الزراعي وهي فترة كافية لتجعله خبيراً في شؤون وشجون الزراعة وخصوصاً في الجنوب. يبادر سلامة "شؤون جنوبية" قائلاً: "إن القطاع الزراعي مأزوم شأنه شأن القطاعات الاقتصادية الأخرى. ولكن لهذا القطاع خصوصياته" وعنها يتحدث سلامة لـ"شؤون جنوبية":

بداية يشير سلامة إلى ملاحظة أن أصحاب العقارات الزراعية لا يعملون في القطاع الزراعي، بل من يعمل هم مستأجرون أو مستثمرون أو ضامنون، أي أن الاستثمار غير مباشر.

ويضيف: إيجار الأراضي أو استثمارها غالٍ جداً ولا يمكن مقارنته بما يحصل في البلدان المحيطة وهذا ما يزيد من كلفة الإنتاج وأعطي مثلاً إذا كان إيجار الدونم المعد لزراعة الموز مليون ليرة لبنانية وأقصى ما يمكن أن ينتجه الدونم لا يتجاوز مبلغ الأربعة ملايين ليرة لبنانية، إذا منذ البداية خمس وعشرين بالماية تدفع بدل استخدام الأرض وهذا مبلغ مرتفع مقارنة مع البلدان الأخرى.

اقرأ ايضاً: جادّ أبو عرّاج: خطورة وضعنا البيئي وصلت إلى الخط الأحمر!

حول مشقة الريّ

ويعود سلامة ليشير إلى مشكلة أخرى تتعلق بالري، فيقول: حتماً يواجه المزارع مشكلة مياه الري، مياه الليطاني ملوثة بنسبة عالية من النبع إلى المصب، بالإضافة لعدم انتظام بالري وخضوع ساعات الري ودوريته للعلاقات السياسية و”الواسطة”. كذلك لا بد من الإشارة إلى ارتفاع كلفة الري واضطرار المزارع لإقامة مصاف كي لا يتسرب الطين والوحل إلى الأراضي المزروعة. كذلك فإن كلفة الري تختلف بين مزارع يستخدم شبكات الري الحديثة وآخر ما زال يستخدم مياه الجر.

يضحك سلامة ويعلق: الآن يتحدثون عن مبلغ 800 مليون دولار لتنظيف مجرى الليطاني من دون اتخاذ قرارات رادعة للجهات الملوثة وهي جهات معروفة، لكنها مدعومة. على كل حال أن الأراضي المزروعة في الجنوب تعتمد على المطر أيضاً. كما أن كلفة اليد العاملة مرتفعة جداً وإذا كانت الزراعة تعتمد على اليد العاملة السورية فإنها تغيرت شروط عملها وخصوصاً بعد الحرب في سورية إذ معظم هؤلاء باتوا يتقاضون مساعدات دولية، وهذا ما ساعدهم على تغيير سلوكهم المهني.

أسوأ ما يواجهه المُزارع

ويوضح سلامة حول موضوع الأدوية والأسمدة الزراعية قائلاً: يكثر الحديث عن ارتفاع كلفة الأسمدة ولكن أعتقد ان كلفتها لا تتجاوز 10% من الكلفة العامة. وأضيف أيضاً إلى موضع الحسبة التي يتقاضى تجارها نسبة 10% من قيمة البضاعة بالإضافة إلى “العتالة”. كل هذه العناصر تجعل المزارع في موقع الضعيف غير القادر على الاستمرار بهذه الطريقة. ويمكن ملاحظة ذلك من خلال الفارق الشاسع ما بين السّعر الذي يبيع به المزارع إنتاجه وبين السعر المعلن بالمحلات المفرق.

شؤون جنوبية 169

يصمت سلامة برهة، ليضيف: أسوأ شيء يواجهه المزارع هو التسويق، فإنتاجنا الزراعي وخصوصاً الحمضيات والموز أكبر بكثير من الاحتياج الداخلي، أسواقنا الخارجية مقطوعة الصلة بسبب الحرب في سورية، واستخدام وسائل نقل أخرى تزيد من كلفة الإنتاج فكيف يمكن لإنتاجنا أن ينافس الآخرين؟ وأشير هنا إلى مسألة عشوائية هي استخدام الأسمدة الزراعية وغياب أي رقابة على ذلك، وهذا ما يجعل إنتاجنا غير مطابق للمواصفات الصحية المفروضة في الخارج، وهنا مسؤولية وزارة الزراعة، ولا أنكر ان البعض فيها حاول معالجة هذا الموضوع لكنه لم يكمل بسبب المناكفات السياسية.

في العام الماضي جرت اتصالات مع الجانب السوري الذي وضع أسعاراً لا تناسب المزارعين، الذي اضطر بعضهم إلى اللجوء لتهريب الإنتاج وأنتم أعلم كيف تتم هذه العمليات وبأي غطاء.

اقرأ أيضاً: معضاد رحال: 80% من التعاونيات الزراعية في الجنوب وهميّة!

وماذا عن مستقبل القطاع الزراعي؟

يتردد سلامة بالإجابة، لكنه يحسم موقفه قائلاً: المساحات الزراعية تتقلص، خصوصاً على الساحل، والزراعات البديلة ما زالت في بداية طريقها، ولكن لا بد من الإشارة إلى منطقة الوزاني التي باتت تضم مساحات واسعة من الزراعات البديلة، خصوصاً اللوزيات والعنب المعد للمائدة، وكل ذلك بجهد فردي ومن دون تخطيط ورعاية من المؤسسات الرسمية.

نعود ونسأله عن اليد العاملة وارتفاع كلفتها، فيجيب: يجب الاعتراف أن نسبة اليد العاملة السورية تصل إلى 95% وكان العامل يتقاضى سابقاً ما بين 15 – 20 ألف ل.ل. لكنه اليوم يصل أجره اليومي، ومن خلال العمل أكثر من نوبة عمل، إلى نحو 40 ألف ل.ل.

ويختم سلامة اللقاء بكلمات قليلة: لا لسنا بخير.

(هذه المادة نشرت نشرت في مجلة “شؤون جنوبية” العدد 169 خريف 2018)

السابق
مدن الأشباح الإسمنتية من بيروت إلى بغداد
التالي
لقاء سيجمع الرئيس الحريري‬⁩ و⁧‫باسيل‬⁩ في لندن للبحث في موضوع الحكومة