هل تريد إيران إنهاء أزمة اليمن؟

حسن فحص

قبل ثلاثة أشهر وثلاثة أيام من الإعلان عن بدء عملية «عاصفة الحزم» التي قادتها المملكة العربية السعودية بتحالف طمح في البداية ليكون عربيا ـ إسلاميا ـ دوليا ضد جماعة «أنصار الله» الحوثيين، أي في تاريخ الثاني والعشرين من ديسمبر/كانون أول 2014، وفي لقاء جمعني مع أحد كبار المسؤولين الإيرانيين في العاصمة اللبنانية بيروت، التي وصلها في إطار زيارة رسمية مع الوفد المرافق لرئيس البرلمان علي لاريجاني، سألته وبكل ما للمباشرة من معنى، ماذا تريدون من اليمن؟ إنكم ومن خلال الدعم الذي تقدمونه لـ»أنصار الله» وزعميها عبد الملك الحوثي، تثيرون حساسية المملكة العربية السعودية، التي لن تسمح بأن تشكل هذه الجماعة مصدر قلق لها، وتكون خنجرا في خاصرتها؟ وأن استيلاء جماعة الحوثي على السلطة وسيطرتهم على صنعاء يشكل انقلابا في تركيبة الموازين الدقيقة التي تقوم عليها السلطة اليمنية؟
لم يحاول هذا المسؤول الإيراني أن يكون مواربا في الرد على هذا السؤال، بل قال وبشكل كبير من الوضوح، نحن لا نريد شيئا في اليمن، بل ندعم المطالب التي ينادي بها زعيم «أنصار الله» والاعتراضات التي سجلها على طريقة تقسيم الأقاليم، الذي أعلن بناء على اتفاق بين الرئيس علي عبدالله صالح والقيادة السعودية، والذي وضع محافظات صعدة وصولا إلى صنعاء ضمن إقليم واحد اطلق عليه اسم «إقليم ازال» الذي يعتبر الأكثر كثافة سكانية، من دون أن يكون له «منفذ بحري» أو حصة مباشرة في الثروات الطبيعية (النفط).

إقرأ أيضا: نتنياهو.. العين على طهران

وأضاف المسؤول الإيراني الرفيع، أنه وبناء على ما يملكه من معطيات، فإن «أنصار الله» وعبد الملك الحوثي يمثلون كتلة بشرية مذهبية هي «الزيدية»، التي تشكل ما نسبته 23% من سكان اليمن، وأن أقصى ما تطالب به هذه الجماعة هو الشراكة في كل مؤسسات الدولة والقرار السياسي والإداري والأمني والعسكري، بما يتناسب مع هذا الحجم، وذلك من أجل رفع الغبن والحرمان عنهم، ومصادرة قرارهم وقطع الطريق على القيادة السياسية في التفكير بشن حرب جديدة ضد مناطق وجودهم وسيطرتهم بعد تصديهم لست حروب شنها علي عبدالله صالح ضدهم. ومن هذا المنطلق فإن إيران أعلنت موقفها الداعم لجماعة «أنصار الله» ومطالب عبدالملك الحوثي، وهي على استعداد للمساعدة من أجل التوصل إلى حل سياسي لأزمة السلطة في اليمن، بناء على هذه الرؤية التي أعلنها الحوثي. مضيفا أن على السعودية إذا كانت جادة، وطهران ابلغتهم هذا الموقف، فإن هناك إمكانية للوصول إلى تفاهم سياسي يساعد على حل الأزمة اليمنية ومنع تفجير الاوضاع في هذا البلد، بما يضمن حقوق جميع المكونات اليمنية، خصوصا الحوثيين وما يمثلون، إلى جانب تطمين القيادة السعودية والتخفيف من هواجسها وقلقها.
استعدت هذا الكلام وهذه المواقف منتصف ليل 25 مارس/ آذار 2015 وفجر اليوم التالي، وأنا أتابع الإعلان عن انطلاق عملية «عاصفة الحزم»، وأيقنت حينها أن الجهود التي بذلتها طهران في دعم جماعة «أنصار الله» منذ عهد علي عبدالله صالح وبعلمه، وصولا إلى الجسر الجوي الذي أقامته بعد استيلاء هذه الجماعة على العاصمة صنعاء، تحت غطاء التعاون في مجال الطيران المدني والسياحي ستشكل «عش الدبابير» الذي أٌجبرت السعودية على دخوله، وأن الخروج منه لن يكون بالأمر اليسير، مع الأخذ بالاعتبار التجارب التاريخية القريبة والبعيدة للشعب اليمني مع كل القوات العسكرية التي دخلت إلى أراضيه وليس آخرها التجربة الناصرية.
أستعيد هذا الكلام اليوم، أمام المشهد الذي تحتضنه العاصمة السويدية استوكهولم من مفاوضات بين ممثلين عن جماعة «أنصار الله» وجماعة الرئيس عبدربه منصور هادي برعاية من الأمم المتحدة. وأن المعطيات الأولية التي تقوم عليها هذه المفاوضات لم تخرج عن الإطار الذي رسمه المسؤول الإيراني الرفيع قبل أربع سنوات في إحدى غرف فندق «فينسيا» المطل على ساحل البحر الأبيض المتوسط، التي باتت طهران تؤكد وبكل ثقة أنها تملك موطئ قدم عليه. وبين الصورة التي رسمها هذا المسؤول والصورة التي ترسمها طهران هذه الأيام عن الضرورات التي ساهمت في انعقاد طاولة المفاوضات اليمنية، يمكن القول إن الطرف الإيراني يرى في ما يجري في استوكهولم مؤشرات على إمكانية فتح نافذة للحوار مع الإدارة الأمريكية، من خلال مسارعة وزارة الخارجية الإيرانية إلى الترحيب بهذه المفاوضات، داعية جماعة «أنصار الله» لتلقف هذه الفرصة والمشاركة في التفاوض لوضع خريطة طريق لحل سياسي للأزمة في هذا البلد.

هذه المفاوضات التي تحاول طهران استغلالها لفتح كوة في جدار التصعيد الأمريكي، تنطلق من قراءة إيرانية تعتقد بأن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بحاجة إلى تحقيق إنجاز على صعيد الأزمة اليمنية، والخروج من هذا النفق الذي طال، خاصة حسب اعتقاد طهران، إذا ما نجحت في ذلك، فإنه يساعد في التقليل من حجم الهجوم الذي تتعرض له هذه الإدارة، بسبب ضبابية موقفها من الاتهامات التي يواجهها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان من قبل نواب الكونغرس وشيوخه، على خلفية مقتل الصحافي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في إسطنبول. وبالتالي فإن وضع نهاية لهذه الحرب قد يساهم في إقفال ملف بات الاستمرار فيه غير مجد، بل يضاعف من الخسائر أمام رأي عام دولي بات يرفع الصوت عاليا لإدانة استمرار الأعمال الحربية في اليمن، وما فيها من انتهاكات لحقوق الإنسان خاصة الأطفال. على الرغم من أهمية هذه الخطوة الإيجابية في الجلوس إلى طاولة المفاوضات، وإمكانية أن يحصل حلفاء إيران على الجزء الأكبر من المطالب التي رفعوها منذ البداية، إلا أن تيارا داخل إيران يرى في هذه الخطوة الدبلوماسية مدخلا لتعزيز دور التيار المعتدل بقيادة روحاني، ورئيس دبلوماسيته محمد جواد ظريف في المعادلة الداخلية والإقليمية، وأن أي إنجاز في الأزمة اليمنية قد ينعكس سلبا على دور وموقع هذا التيار، لذلك لم يتردد في الدفع لإعادة الأمور إلى المربع الأول من خلال الكشف عن معلومات عسكرية تتعلق بالقدرات الصاروخية التي تمتلكها جماعة «أنصار الله» الحوثية، التي يمكن لها أن تهدد العمق السعودي وصولا إلى الإمارات العربية المتحدة بدقة متناهية، قد لا تتعدى نسبة الخطأ فيها الأمتار العشرة في محيط الهدف.
ولم يتردد نائب قائد فيلق القدس في حرس الثورة الإيراني، وفي ما يشبه الرد غير المباشر على الإيجابية التي أظهرتها الخارجية الإيرانية، بالكشف عن:
سيطرة قوات «أنصار الله» على أجزاء واسعة من اليمن.
قدرة هذه الجماعة على امتلاك تكنولوجيا صناعة الصواريخ الدقيقة يتراوح مداها بين 400 إلى 500 كيلومتر.
إفشال مخطط القوى التي كانت تطمح للسيطرة على اليمن.

إلا أن الأخطر في كلام العقيد إسماعيل قاآني المتعلق بموضوع السيطرة على البحر الأحمر، عندما أكد على أن جماعة أنصار الله أصبحت قوة إقليمية، وبالتالي فإنهم يقومون بالدور المطلوب بالنيابة عن إيران التي تتهم بأنها تسعى للتدخل في مياه البحر الأحمر، وهم يتحكمون بالاوضاع ويديرون المعركة في هذه المنطقة. هذا الموقف الصادر عن المسؤول الثاني في جهاز العمليات الخارجية في حرس الثورة، الذي يتسق مع نشاط وفعالية مسؤوله الأرفع العميد قاسم سليماني في المنطقة، قد يساهم في عرقلة المساعي الدبلوماسية التي تبذلها حكومة روحاني في فكفكة الألغام التي تستغلها واشنطن لتشديد الخناق على إيران، وبالتالي قد تتحول إلى مادة جديدة ستوظفها الإدارة الأمريكية ومندوبها في الملف الإيراني براين هوك، الذي لن يكون بحاجة إلى عرض مزيد من بقايا صواريخ وعتاد يقول إنها ايرانية الصنع تقوم طهران بإرسالها إلى الحوثيين في اليمن وطالبان في أفغانستان.

السابق
موجز مسيرة استيلاء «حزب الله» على لبنان
التالي
بري يستغرب عدم دعوة لبنان لسوريا لحضور القمة الاقتصادية