لبنان وسط الأنفاق

لم يكن ينقص الوضع في لبنان سوى ما سمي " أنفاق حزب الله" في الجنوب حتى تكتمل صورة الأزمة الخطيرة التي تضرب البلد.بعد النفق الاقتصادي الذي يعيش فيه لبنان، والنفق السياسي المتمثل بالفشل في تشكيل حكومة بعد سبعة أشهر على انتهاء الانتخابات النيابية، كذلك النفق الأمني بعد حادثة الجاهلية والتهديدات الصريحة التي تطاول رئيس الحكومة المكلف ومدير عام قوى الأمن الداخلي، بات لبنان يعيش بين الأنفاق المتصلة ببعضها البعض والتي يكفي نفق واحد منها كي يهدد أمن وسلامة اللبنانيين.

في هذه الأثناء نرى الشلل الحاصل في آلية الخروج من هذا الوضع بما يمثل فشلا غير مستغرب من طبقة سياسية لا هم لها إلا مصالحها الضيقة ومصالح مشغليها في الخارج. كل هذه المخاطر التي تضرب البلد وتهدد مستقبله لم تشكل حافزا لأهل الحل والربط كي تحاول الوصول إلى حل للنفق السياسي الذي دخل به البلد عبر عراقيل اللحظة الأخيرة التي وضعت في درب تشكيل الحكومة التي هي المفتاح لبداية الخروج ومعالجة مشاكل بقية الأنفاق وما هذا إلا لأننا لا نتبع الأساليب السليمة في معالجة مشاكلنا عبر الاحتكام للدستور كبقية الدول التي تحترم نفسها ومؤسساتها.

اقرأ أيضاً: الدخول من نفق الجاهلية الى مستشفى الرسول

في هذا الملف طلع علينا البعض مؤخرا ببدع دستورية عبر التهديد باللجوء إلى مجلس النواب بغية سحب التكليف من الرئيس المكلف، صحيح أن الدستور يعطي الحق لرئيس الجمهورية بتوجيه رسائل إلى مجلس النواب ولكن الطريقة التي يطرح فيها هذا الأمر يمثل تهديدا واستفزازا غير مبرر لمقام رئاسة الحكومة مع أن هناك وسائل دستورية أسلم وأكثر منطقية، كمثل أن يقدم الرئيس المكلف حكومته كما يراها ويذهب بها إلى مجلس النواب، فإما أن تحوز الثقة وإما تفشل وتعود الأمور إلى المربع الأول من استشارات نيابية جديدة.

ما يجري اليوم يتبع منطق من لا يريد أن يأكل العنب ولكنه يريد “قتل” الناطور الذي هو هنا رئيس الحكومة الذي يريدونه ضعيفا ومدجنا خاضعا لإملاءاتهم السياسية.

بدا الأمر واضحًا من الحملات الإعلامية والسياسية والأمنية التي يتعرض لها منذ ما قبل حادثة الجاهلية، وآخرها الفيديو المنتشر اليوم والذي يتضمن تهديدا صريحا بالقتل، والأدهى من كل هذه التهديدات هو هذا التجاهل من بعض أطراف السلطة خصوصا من الرئاستين الأولى والثانية والجسم السياسي بالبلد وحتى من أقرب حلفائه لهذه التهديدات وكأنها تحصل في بلد آخر.

هذا التجاهل يترك رئيس الحكومة عاريًا أمام التهديدات من دون أي غطاء سياسي إلا من تياره وشارعه وهو ما يمثل ضربا لما تبقى من “هيبة” للدولة ومؤسساتها خصوصًا بعد جرعة الدعم التي تلقاها وهاب صراحة من حزب الله وأتباعه والتي جعلته يتمادى في التطاول والتصعيد أمام الوفود التي أمت الجاهلية من أطراف في السلطة والذي بدا وكأنه تغطية ودعم لمفهوم الميليشيا على حساب مفهوم الدولة ومؤسساتها.

اقرأ أيضاً: «ثقافة» الحرب والمفارقة اللبنانية

من هنا فإن ما نشهده حاليًا يمثل تأسيسًا لبداية انهيار كامل وعودة إلى منطق الفوضى في الوقت الذي يعمل العدو الصهيوني على شن حملة دبلوماسية على لبنان ويظهر نفسه بمظهر المعتدى عليه دون أي ردة فعل لبنانية جدية للمواجهة.

يبقى السؤال إذا كانت كل هذه الأنفاق التي نعيش وسطها لم تحرك هذه السلطة برؤوسها الثلاثة ووزراءها ونوابها وطبقتها السياسية، فما الذي سيحركها؟ وهل خلا لبنان من العقلاء من أهل السياسة والفكر والدين ليقولوا كلمة حق في وجه طبقة سياسية جائرة ترمي سياساتها البلد إلى المجهول فالتهلكة؟

السابق
عن الدوائر الأمنية الحاكمة في سورية الأسد
التالي
بين ادوار فيليب وفجور حكام المحاصصة الطائفيين