من طهران تحرير القدس بالمالكي وكرزاي

ماجد عزام

عقد في طهران الأسبوع الماضي مؤتمر الوحدة الإسلامية، دورة هذا العام كانت تحت عنوان “القدس محور الوحدة الإسلامية”. أما الحضور الأبرز بين الضيوف الأجانب المشاركين فكان للرئيس الأفغاني السابق حامد كرزاي، ورئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي الذين ارتبط اسماهما بمساعدة أمريكا على غزو بلديهما واحتلالها، بينما تكفل المالكي بعد ذلك بتحويل بغداد إلى عاصمة لامبراطورية الدم والوهم الفارسية بوصاية أمريكية كاملة، وربما لم يكن مفاجئاً أو بالأحرى كان مفاجئاً نسبياً حضور قادة حماس وفصائل فلسطينية صغيرة أخرى إلى جانب من اتهمتهم دوماً بأنهم عملاء لأمريكا وبالتبعية لـ”إسرائيل”، إضافة طبعاً إلى مسألة تواجد “المقاومين” في طهران عاصمة الحشد الشعبي المركزية التي يتباهى مسؤولوها علناً باحتلال أربع عواصم عربية، والتي كانت قد ساعدت أمريكا على احتلال أفغانستان والعراق، واستنجدت بروسيا لاحتلال سوريا، ثم عملت كوكيل للاحتلالين بشكل مستتر، وحتى غير مستتر أحياناً.

بداية بدى العنوان نفسه منافق مراوغ، فأي حديث عن الوحدة الإسلامية والقدس في طهران المحتلة لأربع عواصم عربية وأي حديث عن “الوحدة الإسلامية” مع مَن قدّم المساعدة لأمريكا من أجل احتلال بلد مسلم، قال السفير الأمريكي رايان كروكر– نيويوركر أيلول 2013 – إن مبعوثي قاسم سليماني سلموه في جنيف خرائط لمواقع أهداف حيوية لطالبان لقصفها قبل الغزو الأمريكي لأفغانستان، كما أن طهران تعاونت علناً، بل حرضت عبر عملائها – أحمد جلبى وآخرين – أمريكا على غزو العراق، ثم أمرت رجالها أدواتها بالتنسيق والتعاون مع قوات الاحتلال لتحقيق أهدافها الاستعمارية القديمة والانتقام من بغداد تحديداً عبر تحويلها إلى عاصمة لامبراطوريتها، كما قال على يونسى مستشار الرئيس حسن روحاني.

اقرأ أيضاً: أنفاق ونفاق

كان مستهجناً وحتى مثيراً للسخرية أن يكون الضيفان الرئيسان لمؤتمر يتمحور حول “الوحدة الإسلامية وتحرير القدس” سياسيين ساعدا أمريكا على غزو بلديهما واحتلالها

من هنا، فقد كان مستهجناً وحتى مثيراً للسخرية أن يكون الضيفان الرئيسان لمؤتمر يتمحور “حول الوحدة الإسلامية وتحرير القدس” سياسيين ساعدا أمريكا على غزو بلديهما واحتلالها.

بينما تجسد شر البلية المضحك في حديث كرزاي تحديداً عن “المقاومة” باعتبارها الطريق الوحيد لتحرير القدس، وهي نفس اللغة التي اعتمدها نوري المالكي أيضاً.

هنا لا بأس من التذكير أن كرزاي تلقى مباشرة ونقداً أموالاً إيرانية لتحسين موقعه السياسي وشراء ولاء الزعماء والقادة المحليين، غير أن التأثير الضار لطهران في أفغانستان ظل محدوداً كونها لا تملك بيئة طائفية مذهبية مساندة، كما هو الحال في العراق، لبنان، واليمن، بينما تحاول جاهدة اصطناع بيئة كهذه في سوريا.

أما المالكي أداة أمريكا وإيران معاً في العراق فقد قام بعملية تطهير طائفي لخصومه السياسيين نكّل بهم جميعاً – قيل لأحدهم من إيران عبر وكلائها أن عليه الاختيار بين التصفية السياسية أو الجسدية – سلّم مدينة الموصل بأوامر إيرانية، أيضاً على طبق من ذهب لتنظيم داعش عبر أمر عسكرى مباشر لقواته بالانسحاب العاجل وتمكين التنظيم من مخازن هائلة للسلاح الأمريكي الجديد، وغير المستخدم ومئات ملايين الدولارات في بنوك المدينة، كي يقيم دولته ويتم بالتالي تحويل الأنظار عن سياساته الطائفية الإقصائية الفاسدة والفاشلة وتنكيله بالتظاهرات السلمية التي طالبت باستقالته ومحاسبته، كما عن حليفه نظام بشار الأسد وصولاً إلى معادلة الأسد أو داعش، علماً أن المالكي نفسه كان هدد – 2009 – بتقديم شكوى للأمم المتحدة ضد بشار ونظامه بتهمة تصدير “التكفيريين الإرهابيين” للعراق.

أي حديث عن الوحدة الإسلامية يمكن قوله بعد المسؤولية المباشرة عن تدمير حلب الموصل تمكين الاحتلال الأجنبي من بغداد ودمشق

نزع حضور كرزاي والمالكي ولا شك أي مصداقية للمؤتمر، وأكد من جهة أخرى على أنه مناسبة للدعاية للنفاق وذر الرماد في العيون، ونسف فعلياً أي نية أو مصداقية فعلية لإيران في تحرير القدس وفلسطين، أو تكريس الوحدة الإسلامية التي لا يمكن تحقيقها مع سياسيين من طينة كرزاي والمالكي، علماً أن مجرد عقده في طهران هو بحد ذاته سبب كاف أيضاً لعدم تصديق كل ما يقال، شكلاًّ ومضموناً فأي حديث عن الوحدة الإسلامية يمكن قوله بعد المسؤولية المباشرة عن تدمير حلب الموصل تمكين الاحتلال الأجنبي من بغداد ودمشق، أي حديث عن الوحدة وفلسطين مع قيام طهران بدعم ومساندة نظام الأسد في جرائمه ضد الشعب السوري، بل قيامها بعد وهم النجاح بحماية النظام من السقوط – المحتم على أي حال – بالانسحاب من المناطق الحدودية مع فلسطين المحتلة الأقرب للقدس خضوعاً لأوامر موسكو وللحفاظ على تواجدها احتلالها لمناطق أخرى من سوريا.

أما مشهد مسؤولي حماس وبقية الفصائل إلى جانب كرزاي والمالكي فقد كان بائساً محزناً مثيراً للشفقة الغضب والأسف، وطوال سنوات كان اسم كرزاي في فلسطين مرادفاً للتعاون مع الاحتلال الأجنبي وخدمة أجندته، وللمفارقة فإن محمود عباس الذي بات الآن خصماً لمعظم الفصائل وهدفاً لهجماتها الإعلامية اتُّهم مراراً منها، وحتى من مؤيدي الرئيس ياسر عرفات بأنه كرزاي فلسطين تم فرضه من قوى خارجية على القيادة الفلسطينية لتمرير مخططات ومصالح الاحتلال.

المالكي الذي مارس التغيير الديمغرافي التطهير الطائفي وأمعن في قتل اللاجئين الفلسطينيين في العراق والتنكيل بهم وتهجيرهم في الصحارى والمنافي تعرض هو الآخر مراراً وتكراراً للانتقادات والرفض من الفصائل الفلسطينية لسياسته الطائفية الدموية ضد اللاجئين، والنيل من حقوقهم المكتسبة في العراق طوال عقود على تعاقب الأنظمة واختلافها.

الفصائل الفلسطينية وللأسف لم تجد حرجاً في التواجد في عاصمة الحشد الشعبي المركزية، التي تتباهى على مسمع منهم باحتلال تدمير الحواضر العربية

قبل ذلك وبعده، فإن الفصائل الفلسطينية وللأسف لم تجد حرجاً في التواجد في عاصمة الحشد الشعبي المركزية، التي تتباهى على مسمع منهم باحتلال تدمير الحواضر العربية – “مقاتلونا يجوسوا في خيام معاوية” كما قال الحرس لوزير الخارجية جواد ظريف أثناء مجزرة حلب – وهى أي الفصائل لم تمانع استغلال طهران لإسم فلسطين لتبييض صفحتها وتمرير سياستها الشوفينية المذهبية الإجرامية، علماً أن تلفزيون العربي بث وقت عقد المؤتمر تقريباً تقريراً صادماً عن التطهير الطائفي والتغيير الديمغرافي في مدينة القصير من قبل “حزب الله” أداة إيران المركزية في المنطقة، وهو ما يتكرر في مناطق أخرى من سوريا المحتلة.

أخلاقياً وسياسياً لا يمكن الحديث عن “الوحدة الإسلامية وتحرير القدس وفلسطين” مع من احتلوا أو سهّلوا احتلال الدول والحواضر العربية والإسلامية وواقعياً لا يمكن مجرد الأمل في تحرير فلسطين، بينما حلب والموصل مدمرتان ودمشق وبغداد محتلتان، وهي المدن والحواضر التي مثلت تاريخياً الخزان البشري لطرد الغزاة وتحرير فلسطين من التتار إلى الصليبيين.

القضية الفلسطينية على ألقها ومركزيتها وقدسيتها لم تعدد مبرراً كافياً وناجعاً لتبييض صفحة طهران أو للتغطية على ممارساتها الطائفية الدموية المدمرة في سوريا والمنطقة بشكل عام

في كل الأحوال كان مؤتمر طهران كاشفاً فاضحاً للسذح الأغبياء والمنافقين، ولكنه أكد من جهة أخرى عزلة إيران عجزها عن استقطاب خداع قيادات وتيارات فاعلة في الشارع العربي والإسلامي، والقضية الفلسطينية على ألقها ومركزيتها وقدسيتها لم تعدد مبرراً كافياً وناجعاً لتبييض صفحة طهران أو للتغطية على ممارساتها الطائفية الدموية المدمرة في سوريا والمنطقة بشكل عام.

السابق
سيناريو سحب التكليف: العهد يواجه الحريري
التالي
أسرار الصحف الصادرة في بيروت صباح اليوم السبت 8 كانون الأول 2018