فك شفرة الإنفاق العسكري الإيرانيّ: الثغرات والمؤشّرات الجديدة

اميركا

تحتوي شفرة الإنفاق العسكري الإيرانيّ على ثلاثة تعقيدات تربك الغافلين. وقد أجرى المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في هذا الشأن تحليلًا دقيقًا لأحدث المعلومات المتاحة عن النفقات الدفاعية لإيران، مِمَّا يطرح بعض التوجهات اللافتة للنظر (المتناقضة بعض الشيء) وبعض الدلائل الهامة في ما يتعلق بالتوازن المتغير في الهياكل العسكرية الإيرانيَّة.

الثغرات
أولًا: تُعتبر الميزانية التي يتم وضعها وإعلانها في الغالب صورة مصغرة عن الأموال التي تنفقها إيران رسميًّا، كما يمكن لعديد من المؤسَّسات، لا سيما تلك التي في مجال الدفاع، الوصول إلى الأموال من مصادر خارج الميزانية الرسميَّة، وهي قادرة على الاستفادة من مثل هذه الأموال، كإيرادات مبيعات النِّفْط المحلية على سبيل المثال. أضف إلى ذلك أن الحرس الثوري يشارك في أنشطة زيادة الإيرادات بقوة من خلال إنشاء شركات خاصَّة، واستخدام نفوذه السياسي القوي لتأمين عقود البنية التحتية والمناقصات الخاصَّة التي تبلغ قيمتها أكثر من 2.5 مليون دولار في قطاعات متنوعة، بما في ذلك تنمية قطاع الإسكان والطاقة وإنشاء الطرق والطعام والنقل.
ثانيًا: من أجل الإحاطة بجميع بنود الميزانية التي يمكن أن تُسهِم في الإنفاق العسكري لإيران، ينبغي أن يتجاوز تحليل الميزانية الإيرانيَّة دراسة نفقات القوات النِّظامية الإيرانيَّة (أرتيش) والحرس الثوري الإيرانيّ وميليشيا الباسيج. إن أي حساب للإنفاق الدفاعي الإيرانيّ يجب أن يأخذ في الحسبان قوة الشرطة الإيرانيَّة (قوة إنفاذ القانون أو LEF)، ورفاهية القوات المسلَّحة وعديدًا من مرافق التدريب الآيديولوجية والدراسات والبحوث الدفاعية والجامعات التي تركز على تنشئة أفراد “إسلاميين” مناسبين للخدمة في القوات العسكرية الإيرانيَّة ووضع استراتيجية لذلك، كما أن أخذ هذه البنود بعين الاعتبار يجعل أي تقييم يتماشى مع المنهجية المستخدمة عند مقارنة الميزانيات في بلدان مختلفة، مثلما عرّفها الناتو بأنها تشمل “القوى الأخرى” التي قد تعمل كقوة عسكرية بين فئاتها.
ثالثًا: إن عملية وضع الميزانية في إيران غامضة بشكل متعمد، لأن زيادة الشفافية قد تأتي بمزيد من المساءلة. إن تخطيط الميزانية الإيرانيَّة هو في الحقيقة نتيجة لتداول السُّلْطة والمساومات بين الفصائل أكثر من كونها استجابة للناخبين الذين تدّعي أنها تمثلهم. وينبغي النظر إلى القدرة على الاستيلاء على حصة من ميزانية الدفاع كمقياس لمستوى تأثير أو انعدام تأثير هيئات ومؤسَّسات مختلفة. مِن ثَمَّ فهو مقياس جليّ لشبكات المحسوبية الإيرانيَّة غير الرسميَّة والنضال من أجل سلطة مؤسَّسية داخل النِّظام السياسي الإيرانيّ.

خمسة امتيازات رئيسية في مشروع قانون الميزانية الجديد في إيران
وعلى الرغم من هذه التحديات، تكشف الدراسة المتعمقة التي أعدها المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية عن مشروع ميزانية إيران لعام 2018/2019 والقانون المعتمد، عن خمسة امتيازات رئيسية:
أولًا: أن حصة الدفاع من الإنفاق الرسميّ أعلى حتى مِمَّا كان اللوبي الأكثر تشدُّدًا في إيران يطلب. ودعت وسائل الإعلام التابعة للحرس الثوري الإيرانيّ وكبار الشخصيات العسكرية والدفاعية مثل رئيس أركان القوات المسلَّحة اللواء محمد باقري والرئيس السابق للجنة السياسة والأمن في المجلس التشريعي علاء الدين بروجردي، بالإضافة إلى مجموعة متنوعة من الصقور داخل البرلمان الإيرانيّ مثل النائب البرلماني الأصولي سيد أمير حسين قاضي زاده هاشمي، دعوا جميعًا مرارًا وتكرارًا إلى تخصيص 5% من كامل الميزانية الإيرانية للإنفاق على الدفاع، وقد نفذ البرلمان مشروع قانون يضمن ذلك في عام 2016. ولكن عند الجمع بين جميع جوانب الإنفاق الدفاعي على النحو المذكور أعلاه، فإن إجمالي الإنفاق العسكري لإيران يقدر بنحو 921 تريليون ريال إيرانيّ (19.6 مليار دولار أمريكيّ). وبما أن إيران تضع ميزانية كاملة في 2018/2019 تقدَّر بأكثر من 12 كدريليون ريال إيرانيّ (260 مليار دولار أمريكيّ)، فإن ذلك سيضع إنفاق الدفاع الإيرانيّ عند 7.5% من إجمالي الميزانية الموضوعة.
لكن ثانيًا: كان انخفاض قيمة الريال مقابل الدولار الأمريكيّ من أبريل 2018 حتى أكتوبر 2018 يعني أن الإنفاق الدفاعي بالدولار انخفض من 21.4 مليار دولار إلى 19.6 مليار دولار في ستة أشهر فقط، وهذا يؤكّد حقيقة أن الزيادات الكبيرة في العملة المحلية، كما تبدو، لا تعكس بالضرورة الإفراط في تحديد أولويات نظام الإنفاق على الدفاع. وحتى مع ذلك، فعند قياسه بالقيمة الحقيقية، فإن الإنفاق العسكري لإيران لا يزال أعلى بنسبة 53% في عام 2018 عما كان عليه قبل خمس سنوات (انظر الرسم البياني).

ثالثًا: من المثير للاهتمام أن إنفاق الميزانية الجديد في 2018/2019 المخصص لمقر خاتم الأنبياء المركزي هو الإشارة الأحدث لبروز شخصيَّة الجنرال في الحرس الثوري غلام علي رشيد ودلالة على النفوذ المتزايد لهذه الجهة. كان مقر خاتم الأنبياء المركزي (وهو جهة مختلفة عن شركة خاتم الأنبياء للإنشاءات أو قاعدة خاتم الأنبياء للدفاع الجوي)، كان الجهاز المنسق للحرس الثوري الإيرانيّ وأرتيش خلال الحرب الإيرانيَّة-العراقية، على الرغم من أن الأركان العامَّة للقوات المسلَّحة (AFGS) تم تأسيسها للتعويض عن إخفاقاته، ومن المفترض أنه لم يكُن لديه هيكل قيادة مخصص منذ الثمانينيات. ومع ذلك، وفي أعقاب انبعاثها في عام 2016، أعلن أنه في حال وضع إيران في حالة حرب، فسيكون مقر خاتم الأنبياء مسؤولًا عن العمليات العسكرية وجهود التنسيق لا الأركان العامَّة AFGS، كما ألمحت وسائل الإعلام الإيرانيَّة إلى أن “خاتم الأنبياء” هو المسؤول عن “التنسيق المهمّ والحساس في الشرق الأوسط”. جدير بالذكر أن رشيد شخصيَّة رئيسية في الحرس الثوري الإيرانيّ تربطه علاقات وثيقة مع قاسم سليماني قائد فيلق القدس، ذراع الحرس الثوري الإيرانيّ المسؤولة عن العمليات خارج الحدود الإقليمية.
رابعًا: تشهد ميزانية الدفاع الإيرانيَّة في الفترة 2018/2019 زيادة بنسبة 84% في المخصصات لقوى الأمن من العام السابق، وهذا أعلى معدَّل نمو ضمن جميع المنظَّمات المشمولة في الإنفاق العسكري الإيرانيّ. ويتخطى تمويل القوى الأمنية ميزانية قوى أرتيش إذ تحصل على 16% من ميزانية الدفاع الكاملة في حين يحصل أرتيش (الجيش النِّظامي) على 12.1% فقط. وبما أن القوى الأمنية مسؤولة عن الأمن الداخلي الإيرانيّ، فإن هذا الارتفاع الحادّ في تمويل القوى الأمنية يأتي على الأرجح نتيجة لعدة حوادث معارضة داخلية حدثت في إيران، كان أهمها في الفترة من 28 ديسمبر 2017 إلى 7 يناير 2018. تتضمن ميزانية 2018/2019 أيضًا حصة للحرس الثوري الإيرانيّ بنسبة 33% من ميزانية الدفاع بأكملها، باستثناء منشآتها الآيديولوجية والتربوية المختلفة، التي تُخصَّص ميزانيتها بموجب لوائح منفصلة. على هذا النحو فإن ميزانية الحرس الثوري الإيرانيّ الرسميَّة تصل تقريبًا إلى 303 تريليونات ريال إيرانيّ (6.4 مليار دولار أمريكيّ).
وأخيرًا، في يوليو 2017، وضع مشروع قانون برلماني تمويلًا لقوة القدس وبرنامج الصواريخ يصل إلى 10 تريليونات ريال إيرانيّ (213 مليون دولار أمريكيّ) لكل منهما، ومع ذلك لم تُضَمَّن هذه المبالغ في مشروع قانون ميزانية الدفاع 2018/2019، وهذا يؤكّد وجود تمويل خارج عن الميزانية للمؤسَّسات العسكرية وخارج ميزانية الدفاع الرسميَّة، لا سيما لأغراض الدفاع والمنظَّمات التي تُعتبر أولوية للسلطات الإيرانيَّة.
تدعم هذه النتائج الأولية مزاعم وجود تغييرات مهمَّة جارية في مستوى الموارد التي تخصصها إيران للجهات العسكرية، وكيفية تخصيص هذه الموارد، ومِن ثَمَّ كيفية تحقيق طهران طموحاتها الأمنية والدفاعية.

السابق
عملية «درع الشمال»: تفكيك مواقع قوّة «حزب الله» قبل «الضربة الكبرى»!
التالي
ضباب التشاؤم والفساد وصوت الحق المكتوم