الدولة التي تتهاوى أمام حادثة الجاهلية

الجاهلية

“سنتقدم بشكوى شخصية بتهمة القتل العمد ضدّ عماد عثمان، الذي أعتقد أن رصاصته التي قتلت بو دياب كانت تستهدفني، ومفاجأتنا القضائية من العيار الثقيل تتمثل في مطالبة محامينا بتنحية سمير حمود عن القضية. وسأتشرف بأن أكون تحت سقف القانون والدولة ودخول مكتب أي قاضٍ في الجمهورية اللبنانية”… هكذا، ومن دون ألقاب، خاطب الوزير السابق وئام وهاب أعلى شخصيتين قضائية وأمنية في لبنان، لتتظهَّر أمام أعين اللبنانيين الغافلين من جديد صورة النمر صاحب المخلبين التي نجحوا في إلباسها دولة لبنان المزرعة، المخلب الحقيقي الذي يمزق به فريسته، والمخلب المقطوع الذي مهما حاول استعماله يعود بخُفّي حنين.
حادثة “الجاهلية” ستخلِّف لزمن مديد كثيراً من الأسئلة الصعبة التي ربما لن تجد –أو بعضُها- أجوبة، حول مقتل محمد بو دياب، ونزاهة تقرير الطبيب الشرعي حسين شحرور في مستشفى الرسول الأعظم الذي نُقل إليه بو دياب، وخصوصاً أنه موضع شبهة فساد نقلتها وسيلة إعلامية كان صحافي استقصائي فيها قد أثبتها عليه وبث تقريراً في الموضوع، كما حول سرعة وسبب نقل الجثة الى هذا المستشفى الأبعد بكثير عن الجاهلية من مستشفيات كثيرة أقرب، ما قد يكون تسبب بموت بو دياب من شدة النزيف، وكذلك حول سرعة دفنها حتى قبل أن تقوم الدولة (وإن يكن الطبيب شحرور يدبج تقريره باسمها) بفحصها الشرعي الخاص للجثة (برغم التحقيقات الميدانية التي قامت بها مباحث الأدلة الجنائية ومخفر بعقلين وشعبة المعلومات في مكان وقوع الجريمة)، ربما للاستفراد بصوغ سيناريو لما حدث يأتي وفق مزاج المايسترو زعيم جوقة “الممانعجية”، ما قد يتطلب لتحقيق متكامل وشفاف وعادل إعادة نبش الجثة، وهو ما يقرب من الاستحالة في هذه الظروف، وأسئلة حول مطلق النار، وهو حتى الآن، وبشهادة الشهود، ليس القوى الأمنية، التي جزم من كان الأقربَ إليها منهم وقت وقوع الجريمة، مختار البلدة، إنْ خلال مرافقتها إلى منزل وهاب لتبليغه بمذكرة الإحضار بعد أن كان أقفل هواتفه باعترافه الصريح أمام شاشات التلفزة فلم يتلق اتصالات شعبة المعلومات المتكررة، أو بعد انسحابها ومباشرة مناصري وهاب إطلاق النار بغزارة وربما تسببهم بإصابة بو دياب، بأنه (المختار) لم يشاهد أياً من عناصرها يطلق النار، وحول سلاح الجريمة، الذي جزم وهاب بأنه M4 (برغم أن الطبيب الشرعي لم يشر في تقريره إلى نوعية السلاح المستخدم وعيار الرصاصة القاتلة، فهذا ليس من اختصاصه، بل انحصر عمله في استخراج الرصاصة وتسليمها للأجهزة الأمنية)، مدّعياً أن عناصره لا يملكون مثله، في حين نشر الإعلام صوراً لعناصره (ومن بينهم مرافقه سماح حسام الدين) وهم يستخدمون السلاح ذاته.

اقرأ أيضاً: المشنوق يزور الحريري ويردّ على اتهامات وهاب

وبرغم ذلك، فقد جاء تقرير “الرسول الأعظم” مبرِّئاً القوى الأمنية في شكل شبه كامل، إذ أفاد بأن “الوفاة ناتجة عن الإصابة بعيار ناري دخل من يسار الصدر ومن مسافة غير قريبة واستقر في الخاصرة اليمنى”، وأنّ “الرصاصة أطلقت من الأعلى إلى الأسفل”، فيما كانت القوى الأمنية في مستواه وربما أدنى منه، إذ أظهرت محطة تلفزيونية شهيرة توجهت إلى فيلا وئام وهاب ووقفت حيث كانت تقف القوى الأمنية مع المختار للتبليغ، المكان الذي كان بو دياب يقف فيه، وهو ما يشبه “السطيحة” المسقوفة في مستوى أعلى من مدخل الفيلا.
وفي وقتٍ يلتزم الرئيس ميشال عون وفريقه السياسي الصمت عن التعليق على ما يحدث سلباً أو إيجاباً، وإن يكن صدر موقف يشي بالانحياز عن وزير العدل المقرب منه سليم جريصاتي، الذي تمنى في حديث تلفزيوني ان “يكون القضاء اللبناني في عهد رئيس الجمهورية ميشال عون سلطةً وليس قضاءَ سلطة”، وبعث رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل إلى وهاب رسالة سلمها إليه وزير البيئة طارق الخطيب خلال التعازي قيل إنها تعمل على خط التهدئة الدرزية– الدرزية التي لا مظاهر على الأرض تدل على خلافها، حيث دعا رئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط مناصريه إلى التهدئة حتى قبل أحداث الجاهلية واستمر في هذه الدعوة بعدها، وكذلك دعوة “اللقاء الديموقراطي” برئاسة النائب تيمور جنبلاط “كل القوى السياسية إلى مراجعة مواقفها والتعقل من أجل مصلحة لبنان والسلم الأهلي، واحتكام الجميع الى الدولة والقانون وحدهما وسيلةً وحيدة لحفظ الحقوق”، معتبراً الدعوة إلى تشكيل جبهة معارضة درزية “كلاماً سياسياً لا يقلقنا، فهناك خلاف ليس خافياً على أحد منذ العام 2004، ونحن باقون على ثوابتنا”، ومحذراً من المساس “بأي من المقومات الأساسية الثلاثة في البلد: القضاء والأجهزة الأمنية والنظام المالي، الذي قد يؤدي إلى انهيار البنيان”، في وقتٍ لم يُنقل عن رئيس مجلس النواب نبيه بري سوى عبارة وحيدة هي أنه في قمة الانزعاج والاستياء مما حصل، وفضلت رئاسة الحكومة، برغم أنها طرف أساسي في ما حصل، النأي بنفسها عن المواقف الرسمية… شبَّه المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان، وهاب (كما نقل عنه مدير الأخبار في “المستقبل” حسين الوجه على “تويتر”) بالطبل، الذي يصدر صوتاً عظيماً لكنه فارغ من داخله، مستشهداً بقصة من كتاب “كليلة ودمنة”، وقال: “هو مثل يضرب لمن يملك صوتاً لا يتناسب مع قدراته وهدفه التعمية وإثارة الغبار”، فكيف سيتحرك القضاء في ملف الجاهلية بعد أن تبرد المشاعر؟ سؤال برسم الأيام المقبلة، وإن غداً لناظره قريب.

السابق
اسرائيل تنشر صورة نفق تقول انه يخرق السياج الأمني جنوب كفركلا
التالي
«التجمع من أجل السيادة»: لتطبيق القرارات الدولية لحماية لبنان من حرب إسرائيلية جديدة