جادّ أبو عرّاج: خطورة وضعنا البيئي وصلت إلى الخط الأحمر!

ما هي العلاقة ما بين الوعي الأكاديمي والواقع المعيش لمشكلات الزراعة في لبنان، هذا ما نحاول تسليط الضوء عليه في مقابلة مع الدكتور جاد أبو عراج وهو أستاذ في الجامعة اللبنانية واختصاصه تنمية ريفية واقتصاد بيئي.

حول موضوع الزراعة، قال أبو عراج: هذا موضوع اقتصادي اجتماعي بيئي. يمكن الحديث عن الزراعة ما بعد عام 1990، إذ شهد لبنان غياب سياسة طويلة الأمد للقطاع الزراعي. لا يُوجد تحديد للمناطق الزراعية ولا تحديد للإضافة التي يجب التركيز عليها. وما هي الجدوى الاقتصادية لهذا النوع من الزراعة أو ذاك؟ عندنا، ماذا يوجد من زراعات تزرع وتستبدل وتغير بالموجود. ولا يوجد تعريف للمزارع وللفلاح. لم يعد في العالم ما يمكن إطلاق صفة الفلاح عليه ذلك الإنسان الذي يزرع ويأكل مما يزرعه ويكتفي. في حين أن المزارع لا ينتج كي يعيش من إنتاجه الزراعي. والسياسات تبنى على معايير دقيقة من المزارع، ما هو دوره وهذه نقطة أساسية. سابقاً كان 60 – 70% من الناس يعيشون في الريف. الآن 89% من الناس يعيشون في المدن، و11% في الريف وقسم من أهالي المدن يزورون الريف في نهاية الأسبوع. إنها مشكلة بنوية.

اقرأ أيضاً: إبراهيم الحريري: المزارع يرزح تحت الديون والمطلوب سياسة وطنية مستدامة

الطابع الريفي للزراعة… مات!

وأضاف: لم يعد للزراعة الطابع الريفي وفي لبنان لا مرجعية تبحث في وضع الزراعة وإمكانية تطويرها. في وزارة الزراعة إحصاءات مع “الفاو” حتى عام 2010. الإحصاءات هي مجرد أرقام ولكن هناك غياب لآلية تحليل هذه الأرقام وكيف يمكن استخدامها لوضع سياسة زراعية، كل وزير له استراتيجية تبنى على أهداف عامة مثل “بدنا نشجع” التصدير، أهداف لا علاقة لها بالمعايير، لماذا قررنا ذلك؟ لا جواب، كل وزير يحدد من خمسة إلى ثمانية أهداف من دون أن يجيب على سؤال كيف؟ وأكثر شيء يشار إليه: تحسين النوعية والتسويق. لا نقاش لمسائل مثل: الانتهاء من زراعة ما وزراعة بديلة ولماذا؟ نريد تشجيع الموجود مثل بدنا ليمون، موز، تفاح من دون نقاش التغير المناخي، التنافس مع إنتاج الآخرين.

وحاول د. أبو عراج نقاش آرائه قائلاً الأهداف التي يطرحونها جيدة، ولكن لا أحد يناقش: عندما نريد تصدير فاكهة ما، ما علاقتها بالمياه ونوعيتها كيف يمكن استعمال الأراضي. لا أحد يناقش علاقة القطاع الزراعي بالقطاعات الأخرى، لا أحد ينظر إلى التشابك مع القطاعات الأخرى، هناك انقطاع مابينها. يقولون، نريد تثبيت المزارع في أرضه؟ هل هذا ممكن، أم تثبيتهم في المواسم ونهايات الأسبوع.

شؤون جنوبية 169

وأضاف: نرى في الجنوب أراضٍ مجللة ومتروكة تحولت إلى أراضي بور كانت كروم عنب، زيتون وغيره، هل لدينا دراسات عنها لا جواب. قبل استصلاح أراضٍ جديدة دعنا نناقش الموجود لكننا نذهب إلى مشاريع أخرى غير موجودة في أية خطة.

وحول حصة الإنتاج الزراعي من الناتج الوطني العام، أوضح أبو عراج: أن حصة الإنتاج الزراعي بلغت من الإنتاج العام 5 – 6% ما بين 1990 – 2011 والآن لا يتجاوز 5%. كذلك نلاحظ أن 20 – 25% من غذائنا من إنتاجنا لكن 80% من احتياجاتنا من الدجاج منتج محلياً لكن القمح صفر بالماية. أي أننا نستورد ما بين 75 – 80% من الغذاء وفي حال إقفال الحدود البرية والبحرية لا نصمد أكثر من 4 أشهر.

وأعطي مثلاً عام 2006 صمدنا شهراً واحداً واتجه الوضع نحو الخطر، لذلك مؤشر الصمود هو إنتاج القمح. الحليب، الذرة والعلت (الهندباء).

أسئلة بحاجة إلى نقاش مستفيض

وحول تقلص المساحات المعدة للزراعة، علّق قائلاً: أصلاً يعاني لبنان من محدودية المساحة الزراعية، والآن تتحول المساحات إلى عقارات بسبب أن اقتصادنا اقتصاد ريعي استهلاكي. وهذا ما يعطي أزمات بعض الزراعات بعداً اجتماعياً مثل أزمة التفاح، بالمقابل نجد أن زراعة العنب وتصنيع النبيذ متماسك من خلال الدورة الاقتصادية المتكاملة: مزارعون، مصنعون وسوق استهلاكي واسع وتصدير ممكن، وهذا ما دفع بهذه الزراعة لهذه الأنواع من العنب للتمدد من البقاع إلى الشوف والبترون.

اقرأ أيضاً: معضاد رحال: 80% من التعاونيات الزراعية في الجنوب وهميّة!

لكن بالمقابل هناك نموذج لزراعة مدعومة هي زراعة التبغ، وعلى الرغم من الدعم فإن المزارعين تركوا الأرض وهاجروا، كيف يمكن تطوير هذا القطاع؟

صمت برهة وأضاف: المشكلات واضحة، الحلول التقنية معروفة ولكن لا إرادة سياسية اقتصادية، والمتداول هي لخدمة السياسة الموجودة.

التمويل الأجنبي لدعم مشاريع زراعية أكبر من موازنة الزراعة. وهنا يطرح سؤال هل نعتمد على ذلك؟ هل يعني ذلك الارتهان لأهداف التمويل؟ هل نناقش وضع وزارة الزراعة وعلاقتها بالبلديات وانتشار التعاونيات؟ أسئلة بحاجة إلى مزيد من النقاش.

وماذا حول الوضع البيئي الذي على علاقة خاصة له بالزراعة؟ أجاب أبو عراج: البيئة أكبر من الزراعة إنها حاضن لكل شيء، للمياه والتربة، إننا نواجه مخاطر بيئية، لكننا نعالج النتائج أحياناً، ولا نتطرق إلى الأسباب أبداً. البيئة تؤمن كل شيء للزراعة: التربة، المياه، وهناك قضايا بحاجة إلى نقاش أوسع: ماذا عن نهر الليطاني، الأبار الارتوازية؟ تحويل المناطق الساحلية إلى منتجعات، ملوحة مياه الساحل؟ لقد تم منع زراعة الخضرة الورقية بسبب التلوث في البقاع، لا نعالج الأسباب، إننا نخرب في عقد من الزمن ما هو بحاجة إلى عقود للتصحيح مع كلفة عالية والآن مطروح صرف مبلغ 900 مليون لمعالجة القرعون هل هذا مجدٍ؟ أعتقد أن هناك خللاً في السلسلة البيئية، وصلنا إلى الخط الأحمر بالخطورة.

(هذه المادة نشرت في مجلة “شؤون جنوبية” العدد 169 خريف 2018)

السابق
من إيطاليا الى ألمانيا… «حاميش» لن يعود الى الحكم الاستبدادي
التالي
حزب الله وعقيدة التعطيل