المجموعة الشعرية «أوهام صغيرة» لغسان الخُنَيْزي، وقراءته لها

كتاب اوهام صغيرة
إذاً، فقد كنت أعتقد حتى وقت قريب بأني قد قبضت على وعي خاص حول الأوهام التي كانت تسيِّر حيواتنا وتمنحها شيئاً من المعقولية والرضا. وعلى الأرجح فإن هذا الوعي، هو، في عين ذاته، كان الوهم الذي كتبت تحت سطوته معظم النصوص الباكرة في هذا الكتاب.

“أنا صندوق يكتظ بالأوهام. وحيد كمَعْبَرٍ بين أشجار ذاوية.”. على هذا النحو، يُعرّف الشاعر والمترجم السعودي غسان الخنيزي، عن نفسه شعراً، في هذا السطر الشعريّ الذي يختزل، ويختزن، في الوقت نفسه، أجواء مجموعته الشعرية “أوهام صغيرة” الصادرة، مؤخراً، وفي طبعة ثانية في الـ2018، (الطبعة الأولى كانت في 1995) عن “دار الجديد” في حارة حريك – بيروت. وهذه المجموعة، بطبعتها الثانية هذه، قد جاءت في كتاب، يضم إليها قراءة لها من قبل مؤلِّفها، فحمل الكتاب العنوان التالي: “أوهام صغيرة” أو “التي تراود الموهوم في الحمى”، تليها “قراءة ذاتية في أوهام صغيرة”.

اقرأ أيضاً: ريم الجندي بمعرضها الجديد: الضحيّةُ دوماً أجملُ من جلاَّدها

وقسمت هذه المجموعة، على عشرة أقسام، حملت العناوين التالية: “زراعة في الوقت”؛ “أرض تنعم بعشب عال”؛ “مُراودات”؛ “عودة إلى المنابع”؛ “مديح الشقائق”؛ “أماكن توزّع غِواياتها”؛ “أوهام صغيرة”؛ “مقهى، حيث القاهرة بالقرب”؛ “الآخر في سُباته”؛ و”روح شاردة”.

أما ما قد جاء في القراءة الذاتية لهذه المجموعة فنقتطف منه المقاطع الآتية:

…وإنما هي صغيرة لأن الكبيرة منها ودّعناها في مساءات صيفية من عام 1982 حين رأينا بملء العين انهياراتنا الباذخة تنقل إلينا مع غموس الخبز والإدام… حين كان مشهد الأجساد، أو ما تبقى منها، يُكحّل أعيُننا الأكثر بلادة وتواطؤاً مع شروط الراهن.

أقولها: في تلك المساءات لم يعد لي، ولمن جايلني، إلا أن يجرد حساباته ببطء، وبأقل قدر من التأفف والانفعال ماضياً في قطيعة لا تحتمل الفخر ولا المذمة، مع أوهام حملناها كما تحمل الصورة الزائفة للعالم وهم المعايشة والمعرفة اليقينية بالواقع.

بعد ذلك يكون هنالك انشغال بالذات وهي تتعثّر في ثوب منحتنا إياه حرية مكتسبة… حرية أكبر من أن نُحسن التعاطي معها أو الاستقرار إليها: حرية لا طمأنينة فيها، ولا هاجس أو وسواس إلا الحنين إلى القيود الضائعة… إلى الكنوز الضائعة… حرية مقلقة تتراوح في تمظهرها بين حنين لما تتعذّر استعادته مما مضى وبين عصاب الانصياع لفكرة تسلطية لا ملاذ منها.

إذاً، فقد كنت أعتقد حتى وقت قريب بأني قد قبضت على وعي خاص حول الأوهام التي كانت تسيِّر حيواتنا وتمنحها شيئاً من المعقولية والرضا. وعلى الأرجح فإن هذا الوعي، هو، في عين ذاته، كان الوهم الذي كتبت تحت سطوته معظم النصوص الباكرة في هذا الكتاب.

كانت المصالحة مع الحياة، بالنسبة لي، تتمثل في تدوين سيرة سنوات “النضج”… تدوين حكمة الأشياء الزائلة التي لا تُلمس ولا تُقاس بمكيال، وربما لا يحس بها غير من يتوهمها فتكون الأكثر خطراً وثقلاً في تشكيل المصير.

والآن لا أراني قادراً على أن أحدد بصورة جازمة ما إذا كان ما أدّعيته هو حكمة باكرة أم هو مناورة أو حيلة نفسية ابتدعتها كي أجابه حالات الفقد والخسران للأشياء الحبيبة: (أ) أحلام النزوة الأولى، (ب) الأماكن الأولى التي ربيت فيها، (ج) الأوقات التي لا تُعاد، (د) الأحبة الذين فقدت.

اقرأ أيضاً: أنا ابنُ هاجَرَ…

ومن “أوهام صغيرة” نورد هذه القصائد الثلاث:

“منزل مفعم بالبخور”

وهمي الأكثر حدة/ عطاياه مثله تُنبئ عن وسائد/ عليها نُحصي النجوم.

تراني، يا صديقي ساحباً موكب الأيام إلى منتدح الأماسي/ هذا الضارب في العمق، مهد الحكايات/

تراني مرحلاً الاثنين منا نحو الأمهات، العاطفات/ نحو البخور.

وهم السوسن

السوسن يلتف على سلاسل الأيدي/ ودهر من الأطفال،/ تتلقفه الأمهات.

في لحظة الوقوف،/ كانوا منضودين على الأهداب/ كأعواد ثقاب هينة/.

بين أولهم وحُلم المحارب/ وهج الحرائق/، وضمت سخِيّ.

وهم غرناطة

الوقت،/ يا زهو المتكلمين،/ الموثوقة معاصمهم/ إلى عقاربك الرزينة.

آتنا، يا رعانا الله،/ الوسيلة/ إلى المدينة التي/ شرّعت الأبواب دونما وجل.

الفُرسان… أبناؤها/ منحة الوهم… خيولها،/ والمناكب العريضة، والمجد…./ ذلك المجد.

السابق
«الجديد» تخسر الدّعوى التي رفعتها ضدّ موقع «جنوبية» أمام قاضي العجلة
التالي
جميل جبق طبيب نصر الله وزيراً للصحة