الصين تقود العالم إلى نموذج اقتصاد المستقبل

الصين

يجمع الخبراء على أن الصين أصبحت محور أحدث الابتكارات في مختلف القطاعات الاقتصادية، وترجّح التوقعات أن يصبح اقتصاد الصين أكبر اقتصاد في العالم ويتجاوز الاقتصاد الأميركي بحلول عام 2028.

تزايدت التقارير العالمية التي تشير إلى سرعة تقدّم الصين إلى صدارة مختلف القطاعات التكنولوجية والاقتصادية، من الذكاء الاصطناعي إلى الطاقة المتجددة والبنية التحتية والقطاعات الطبية، صولا إلى التكنولوجيا الزراعية وأحدث وسائل النقل في العالم.

ويبلغ حجم الناتج المحلي الإجمالي الصيني حاليا نحو 13 تريليون دولار مقابل نحو 20 تريليون دولار للولايات المتحدة. وترجّح وتائر النموّ الحالية أن يتعادل حجم اقتصاد البلدين بحلول عام 2028 عند نحو 24 تريليون دولار.

ومن المتوقع أن يواصل الاقتصاد الصيني ابتعاده في الصدارة ليصل حجمه إلى 51 تريليون دولار بحلول عام 2040 مقابل 36 تريليون دولار للاقتصاد الأميركي.

اقرأ أيضاً: المؤامرة الأميركية الكبرى!

بل تشير تقديرات إلى أن الاقتصاد الصيني يفوق حجم الاقتصاد الأميركي بالفعل حاليا إذا نظرنا إلى القيمة الحقيقية أي مقارنة الأصول وإنتاجية العامل وأجوره في البلدين حين يصل دخل العامل الأميركي إلى أضعاف مثيله الصيني.

وتتفوق الصين بالفعل كأكبر طرف تجاري في العالم، حيث بلغت تبادلاتها التجارية العام الماضي نحو 4.233 تريليون دولار مقابل 3.843 تريليون دولار بحسب دراسة نشرتها وكالة بلومبيرغ.

وتتسارع في الصين اليوم وتيرة إنشاء المصانع المؤتمتة بالكامل والتي تخلو من العمال. وتشير البيانات إلى أنها ضاعفت الإنتاجية 3 مرات وحسنت نوعية الإنتاج بنسبة 20 بالمئة.

وتنفرد الصين حاليا في صدارة دول العالم في بناء أحدث وأسرع شبكات القطارات، حيث أكملت بناء أكبر شبكة عالمية للقطارات فائقة السرعة والتي يطلق عليها “القطار الرصاصة”.

وفي جبهة غير مسبوقة، سبقت الصين دول العالم على صعيد الدراسات البيولوجية والجينية، بالسماح بالتعديل الوراثي والجيني لبويضات الأجنة. كما سمحت بتجارب التعديل الجيني على البشر.

ويقول العلماء أن ذلك سيسمح بإحداث ثورة شاملة في صناعة الأدوية ويضع الصين في صدارة السباق العالمي في هذا الميدان.

كما تقود الصين التحول العالمي لاستخدام الذكاء الاصطناعي في الرعاية الصحية والذي يزيد دقة وسرعة تشخيص الحالات المرضية، وهي تملك اليوم 40 مستشفى تستخدم المنظومة المتطورة آي.بي.أم واتسون.

وتشير البيانات إلى أن الصين أصبحت أكبر منتج للطاقة الشمسية في العالم من خلال المزارع البحرية. وقد رصدت ميزانية هائلة تبلغ 364 مليار دولار للاستثمار في مختلف مصادر الطاقة المتجددة.

وقد تمكنت من تحقيق أهداف إنتاج الطاقة المتجددة لعام 2020 في العام الماضي أي قبل ذلك الموعد بثلاثة أعوام.

وإذا تواصلت وتيرة نمو التحول إلى الطاقة النظيفة في الصين فإنها ستحقق التزاماتها بخفض انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري بموجب اتفاق باريس للمناخ بحلول عام 2020 أي قبل أعوام من الموعد المستهدف.

وفي المجال الزراعي نجح العلماء الصينيون في تطوير نوع من الأرز الذي يمكن زراعته باستخدام مياه البحر المالحة والذي سيوفر الطعام لنحو مئتي مليون نسمة.

كما تمكنوا من ابتكار أساليب لتحويل الأراضي الرملية إلى أراض خصبة صالحة للزراعة. وقد نجحت بكين بالفعل من تحويل الصحاري إلى واحات خضراء تنتج مختلف المحاصيل الزراعية.

كما تقود الصين العالم على جبهة إنتاج اللحوم في المختبرات في إطار سعيها لخفض آثار إنتاج اللحوم بالطرق التقليدية على البيئة.

وتتسارع في الصين وتيرة بناء المباني الخضراء، التي تضم مساحات مزروعة بالأشجار والتي يطلق عليها “الغابات العمودية” وأصبحت تنتشر بشكل متسارع في المدن الكبرى بهدف تنقية الهواء والحد من التلوث.

وتبني الصين حاليا أكبر مسرع للذرّات في العالم “سوبر كولايدر” لتجارب الاندماج النووي البارد، لفتح أبواب ثورة جديدة وغير مسبوقة في أبحاث طاقة المستقبل. ويصل حجم مسرع الذرّات إلى ضعف حجم أكبر مسرع خال لاندماج الذرّات.

وتمتد وتيرة اندفاع الصين للتغلب على جميع القوى العالمية إلى الفضاء حيث تخطط بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي لبناء أول محطة على سطح القمر. كما بنت الصين أكبر تلسكوب في العالم لدراسة لرصد الكون وهي تعمل حاليا على إرسال مسبار غير مأهول إلى المريخ بحلول عام 2020.

وفي ميدان الاتصالات المتطورة تحقق الصين تقدما سريعا نحو بلوغ هدف استخدام مليار صيني لشبكة الاتصالات المتطورة من الجيل الخامس “جي.5” والتي ستحدث ثورة في عالم الاتصالات وتنعكس على جميع الأنشطة الاقتصادية والحياتية الأخرى.

كما أن معظم سكان الصين تحولوا لاستخدام الهواتف في عمليات الدفع لتقترب الصين من توديع نظام الدفع باستخدام العملات الورقية والمعدنية، وهو ما يجنّبها الكثير من المشاكل المالية.

ولم تقف الصين عند إنتاج معظم الهواتف العالمية ومكوناتها لكبرى الشركات مثل أبل وسامسونغ، بل اقتحمت صدارة المصنّعين بعد أن انتزعت شركة هواوي المرتبة الثانية في المبيعات العالمية متفوقة على أبل.

وتقود الصين العالم في تطبيقات تكنولوجيا الطباعة ثلاثية الأبعاد، حيث بدأت تستخدمها على نطاق واسع في مختلف القطاعات وبينها بناء الوحدات السكنية.

وتقترب من كسر هيمنة شركتي بوينغ الأميركية وإيرباص الأوروبية على صناعة الطائرات التجارية، وهي تستعد لتسويق أول طائراتها كوماك سي 919 بعد إكمال تجارب التحليق.

وتتضح سرعة اندفاع الصين إلى صدارة جميع تلك المجالات في الإجراءات التي اتخذتها دول غربية كثيرة لمنح حصولها على أحدث حلقات التكنولوجيا، وهو أحد محاور الحرب التجارية مع الولايات المتحدة.

وتتركز مناوشات الرئيس الأميركي دونالد ترامب على أن الصين تقوم بجهد منظم لانتزاع الأسرار التكنولوجية، وأنها تجبر شركات التكنولوجيا المستثمرة في الصين على الكشف عن أسرارها التكنولوجية.

كما تصاعدت في ألمانيا نداءات لمواجهة اندفاع الشركات الصينية لشراء حصص غي أكبر الشركات الألمانية. وحذرت من إمكانية التسلل إلى الأسرار التكنولوجية لتلك الشركات.

وأعلنت الحكومة البريطانية أنها ستوسع سلطات التدقيق ومنع الاستحواذ الأجنبي لأسباب تتعلق بالأمن القومي على نحو يجعلها أقرب إلى نهج الولايات المتحدة وبلدان أخرى، بما في ذلك ألمانيا وأستراليا.

ويبدو قلق الحكومات الغربية مبررا ليس فقط بسبب إمكانية ضياع حقوق الملكية الفكرية وفقدان زمام المبادرة التكنولوجية والاقتصادية، بل يمتد إلى مخاوف أمنية وعسكرية واسعة إضافة إلى عوامل التبعية التي يمكن أن تؤدي إليها.

وتبلغ المخاوف ذروتها بعد أن تبين أن معظم الهجمات الإلكترونية المدمرة في السنوات الأخيرة كانت تتم بشكل متزايد من خلال سلسلة توريد مكوّنها الأجهزة الإلكترونية، حيث يجري دفن ثغرات عميقة فيها.

وحتى في الحالات التي يمكن فيها التدقيق في الأجهزة والبرمجيات، فإن تحديد الفرق بين الخطأ الهندسي وبين “الباب الخلفي” المتعمد هو في كثير من الأحيان قضية خلافية يصعب الحكم فيها.

كما أن المهارات والموارد اللازمة لفحص سلسلة التوريد العالمية للأجهزة الإلكترونية ومكوّناتها على نطاق واسع هي ببساطة غير متاحة ولا يمكن توفيرها.

وتشير التقديرات إلى أن الصين تصنع ما يصل إلى 90 بالمئة من أجهزة تكنولوجيا المعلومات في العالم وبضمنها ثلاثة أرباع جميع الهواتف الذكية. ما يعني أن الاقتصاد العالمي يعتمد بشكل متزايد على الصين في تصنيع البنية التحتية العالمية لتكنولوجيا المعلومات.

لكن شركات الاتصالات ليست سوى البداية. إذ من المتوقع أن تشهد السنوات العشرون المقبلة بروز التفوق الصيني في عدد لا يحصى من مجالات التكنولوجيا.

وقد حدد الرئيس تشي جين بينغ صراحة هدف أن تكون الصين هي الرائدة العالمية في مجال الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيات المتقدمة الأخرى بحلول عام 2030. وترجم دعم بكين لذلك الهدف من خلال خطة تنمية مثيرة للإعجاب وممولة بشكل جيد.

وشهدت الصين في العام الماضي أول بحوث حول الذكاء الاصطناعي أكثر من الولايات المتحدة.

وتواجه الدول الغربية خيارات صعبة وربما مستحيلة، فإيجاد بدائل تكنولوجية محلية أمر غير واقعي. أما الخيارات الأخرى فتتراوح بين حرمان نفسها من التكنولوجيا والاستثمار الصيني بحجة التهديد المحتمل، أو العثور على طرق لإدارة المخاطر الأمنية.

ويقرّ الخبراء بعجزهم عن تقدير حجم المخاطر التي تنطوي عليها هذه التبعية وهو ما يجعل صنّاع السياسة التقليديين أمام تحديات جديدة تختلف عن التحديات التي واجهتها دول العالم في الماضي.

ويرى محللون أن المؤسسات السياسية معتادة على المواجهات المتعلقة بالنفوذ في الأراضي وأعالي البحار وتجارة السلع والخدمات التقليدية، لكنها غير مهيأة للصراع في فضاءات وحروب إلكترونية وهي بحاجة إلى إعادة تعريف صناعة القرارات السياسية.

ولا يكمن التحدي الحقيقي الذي يواجهه الغرب في أن التكنولوجيا الصينية أصبحت موجودة في كل مكان، بل في أن النفوذ الصيني يبتعد في الصدارة بسرعة فلكية لا يمكن اللحاق بها.

ولا تستطيع الحكومات الغربية التوقف لالتقاط الأنفاس، وهي تخضع لضغوط شعوبها المتعطشة للبيانات والتي تطالب بتقديم خدمة أسرع في إنترنت النطاق العريض وتكنولوجيا الجيل الخامس، التي تضم الصين جميع مورديها الكبار.

في هذه المعضلة المستحيلة لجأت الحكومات بطرق متنوعة. فقد حظرت واشنطن جزئيا بعض الشركات الصينية، ويبدو أن أستراليا ستفعل ذلك أيضا. ورحب بها آخرون عبر آسيا وأفريقيا وأوروبا بحماس.

واتخذت بريطانيا طريقا وسطا، في محاولة لطمأنة نفسها بشأن المخاطر من خلال التدقيق في البرامج والأجهزة التي تولت هواوي تركيبها في شبكات المملكة المتحدة.

لكن تلك الجهود تبدو عاجزة عن إبطاء التقدم الصيني في ظل معارضة شركات التكنولوجيا الغربية لمواقف حكومات بلدانها وتأكيدها أن فرض قيود على الصين يمكن أن يضرها أكثر مما ينفعها.

وأشعلت شركات وادي السيليكون صفارات الإنذار للتحذير من تأثير خطط إدارة ترامب لفرض قيود على نقل التكنولوجيا إلى الصين وبضمنها الذكاء الاصطناعي وصناعة الروبوتات.

وتقول كبرى شركات التكنولوجيا الأميركية إن الإجراءات المستندة إلى حماية الأمن الوطني ستقوّض الهدف الذي تسعى إليه، وهو حماية التفوق الأميركي في بعض حلقات التكنولوجيا.

ويرى كريستيان ترونكوسو مدير التخطيط في رابطة شركات البرمجيات الأميركية أن القيود أحادية الجانب ستدمر مستقبل البحوث العلمية الأميركية والأمن القومي من خلال إرباك تلك البحوث والابتكارات الضرورية لاستمرار الانتعاش الاقتصادي.

ويقول بول تريولو مدير الممارسات التكنولوجية في معهد يوراسيا في واشنطن إن الحروب التجارية كانت على الدوام حروبا تكنولوجية في جذورها العميقة. ويضيف أن القضية الأساسية هي أن 30 عاما من حركة التكنولوجيا مع الصين تحولت فجأة إلى مشكلة أمن قومي.

ويبقى الذكاء الاصطناعي العنوان الأكبر لمعركة الحكومة الصينية لتحقيق التفوق التكنولوجي. وأشارت سلسلة مقالات في صحيفة فايننشال تايمز أن الصين تضخ أموالا هائلة لتحقيق ذلك الهدف وأنها انتزعت الريادة في كثير من المجالات.

وتشير إلى أن الصين أصبحت مثلا الرائدة عالميا في استخدام الذكاء الاصطناعي في التعرف على الصوت والوجه، التي تنذر بتداعيات مزعجة تمس الخصوصية في بعض الأحيان.

ويزحف التفوق الصيني إلى الصناعات العسكرية وهو ما دفع “مركز الأمن الأميركي الجديد” في واشنطن للتحذير من مرحلة مقبلة من “العجز الأميركي عن الابتكار” في وقت يستخدم فيه الجيش الصيني الذكاء الاصطناعي للسيطرة على ميدان المعركة.

ويقول جون ثورنهيل في تحليل في صحيفة فايننشال تايمز إننا “كنا نعتقد أن الديمقراطية الليبرالية الغربية هي مفتاح الإبداع في التكنولوجيا، لكن تبيّن أن الاقتصاد المركزي يمكن أن يحقق الابتكار بشكل جيد”.

ويضيف أن الغرب يحتاج إلى استجابة سياسية متأصلة في فهم التكنولوجيا والسياسة الخارجية. وهو أمر اعترف به رئيس مايكروسوفت، براد سميث، في وقت سابق من العام الحالي حين قال “ينبغي ألا ننقطع عن تألق التكنولوجيا الصينية، لكننا بحاجة إلى تقييم أكثر نضجا للمخاطر”.

السابق
لقاء سري «إسرائيلي – سوداني» في اسطنبول لبحث سبل تفعيل العلاقات بين البلدين
التالي
خامنئي يدعو الفنانين إلى الدفاع عن حركة الأمة الإيرانية المجيدة