استمرار الاستعصاء السياسي يدفع لبنان إلى هاوية الإفلاس

الاقتصاد اللبناني
غالب أبو مصلح: اذا كان هناك قرار سياسي خارجي لإفلاس لبنان فإنه سيفلس مباشرة، أما اذا توفر الدعم للبنان في الفترة المقبلة، فإن الانهيار سيتأخر، إلا أنه قادم لا محالة، ولكننا لايمكننا معرفة توقيته. البروفيسور جاسم عجاقة: عدم وجود حكومة يعني عدم وجود قرار اقتصادي ولا قرار مالي، وعلى الصعيد الاقتصادي يؤدي ذلك إلى عدم إقرار إصلاحات اقتصادية، وعدم أخذ قرار بالاستثمار، وليس هناك أي عمل يحفز النمو.

يستفيق اللبنانيون يومياً على أخبار تنذر بانهيار اقتصادي وشيك، وبإفلاس الدولة. لم تعد تأكيدات حاكم مصرف لبنان رياض سلامة بشأن استقرار الليرة، كافية للاطمئنان على المستقبل القريب للبلاد.إذا ألقينا نظرة على الأسواق، نستنتج تراجع الوضع المعيشي الحالي لبعض المواطنين والتجار أيضاً، إضافة إلى ارتفاع معدل البطالة.

منذ شهرين، شكّل التقرير الصادر عن مجلة “ذا إيكونوميست” البريطانية الإنذار الدولي الأول للبنان، حيث أبرز المصاعب الاقتصادية التي تعيشها البلاد، وسط تخوف من أن يشهد الوضع مزيدا من الانهيار خلال الفترة المقبلة.

اقرأ أيضاً: الاقتصاد اللبناني يهتزّ تحت وطأة تعثّر تأليف الحكومة

انطلق التقرير من دراسة وضع الأعمدة الأساسية للنمو في لبنان التي تتركز في قطاعات السياحة والعقارات والقطاع المالي، إضافة إلى نظرة على الوضعين الاجتماعي والسياسي في لبنان الذين يشهدان تخبطاً حاداً انطلاقاً من أزمة اللاجئين السوريين وعددهم، مروراً بالجمود السياسي المتمثل بعدم تشكيل الحكومة الجديدة، وكانت النتائج تؤكد على تراجع واضح على مستوى كل القطاعات الأساسية المذكورة.

بعد التقرير، تسابق المسؤولون للتحذير من مغبة تردي الوضع الاقتصادي مراراً وتكراراً، وما زالوا إلى يومنا هذا يكتفون بالتحذير، من دون أي تحرك فعلي للانقاذ، لا سيما في تسهيل تشكيل الحكومة العالقة على عقدة توزير أحد النواب السنة التابعين لقوى الثامن من آذار، فبماذا يؤثر غياب الحكومة؟

في هذا الإطار أكد الباحث الاقتصادي البروفيسور جاسم عجاقة في حديث لجنوبية، أن اتفاق الطائف وضع القرار الاقتصادي بيد السلطة السياسية، وبالتالي عدم وجود حكومة يعني عدم وجود قرار اقتصادي ولا قرار مالي، وعلى الصعيد الاقتصادي يؤدي ذلك إلى عدم إقرار إصلاحات اقتصادية، وعدم أخذ قرار بالاستثمار، وليس هناك أي عمل يحفز النمو.

جاسم عجاقة

وعلى الصعيد المالي، قال عجاقة إن الجميع يعلم أن ديون الدولة تزيد، وعليها أخذ قرارات معينة لمعالجة هذا الازدياد، وهذه القرارات لا يمكن أخذها إلا بوجود قرار اقتصادي، وأن كل يوم تأخير في تشكيل الحكومة، يكلف بحدود ال25 مليون دولار.

بديل الحكومة.. ميثاق شرف!

في إطار البحث عن حل سريع ينقذ الوضع الراهن، شدّد عجاقة على أن الحل المثالي هو تشكيل الحكومة الجديدة، لتستطيع البدء بتنفيذ مقررات مؤتمر سيدر، والخروج من الأزمات الراهنة شيئاً فشيئاً، ولكن في ظل تعطيل التشكيل لأسباب سياسية، فالحل يكمن في أن يكون هناك “ميثاق شرف” بين المواطنين والشركات اللبنانية، وذلك بتعهد المواطنين بعدم شراء البضائع غير اللبنانية، وتعهد الشركات بعدم توظيف غير اللبنانيين، ما سيؤدي لتحسن الأوضاع بشكل شبه ملموس.

هل هناك إفلاس وشيك للدولة؟

اعتبر عجاقة أن “الافلاس” هو مصطلح تستخدمه الدولة عند عدم قدرتها لدفع مستحاقتها، ولكن لا يوجد أي إفلاس اقتصادي، ولا انهيار اقتصادي، ولكن هناك صعوبات على صعيد المالية العامة. وبالتالي ما يؤكد عدم ذهابنا للإفلاس هو وجود قطاع مصرفي حجمه 234 مليار دولار، فهناك استحالة للافلاس، لأن القدرة على الاستدانة مازالت قائمة ، ولكن الإشكالية الأساسية تكمن في زيادة الضرائب على المواطنين.

هل استقرار الليرة بخطر؟

يجدد مصرف لبنان تأكيده على استقرار الليرة، وفي هذا السياق يشدد عجاقة على أنه لا شيئ يمكن أن يؤثر على الليرة سوى زيادة المضاربات عليها، إلا أنها محمية بشكل كبير ولا يمكن أن تنكسر، وأكبر دليل على ذلك يكمن في ارتفاع سعر الفوائد في الأسواق.

يضيف “نملك احتياطا هائلاً عبارة عن 69 مليار دولار بإمكان مصرف لبنان تحريكهم من دون أي إشكالية، إضافة إلى45 مليار دولار احتياطي، و12 مليار دولار ذهب، و12 مليار دولار آخرين تملكهم المصارف الأجنبية، وأيضاً فإن الليرة تحظى بنوع من حماية قانونية تمنع أي محاولة للمضاربة عليها بأي عملة أخرى.

وتوجه بالسؤال لمن كان يقول منذ سنوات عديدة إن الليرة ستنهار بقوله: أين هذا الانهيار اليوم؟

ظاهرة “اليويو” طبيعية

تناول عجاقة في تقريره، موضوع إقفال عدد من المؤسسات اللبنانية، وذلك بعد تصريح لرئيس غرفة التجارة محمد شقير يقول فيه إن 2200 شركة قد أقفلت أبوابها، حيث أكد أن هذه الظاهرة طبيعية اقتصادياً، وتسمى ظاهرة “اليويو”، بحيث عندما يكون الاقتصاد جيدا يزيد عدد الشركات الجديدة ، وعندما يكون سيئا يتقلص عددها.

وأضاف، عدد الشركات في لبنان يقارب ال80 ألف شركة، وبالتالي فإن إقفال ألفي شركة ليس مسألة خطيرة، ولكن اذا استمر هذا العدد بالتزايد، سنصل إلى وضع أخطر، ولكن لا يجب شيطنة الوضع الحالي، لأنه مقبول، وحالما تتشكل الحكومة وتبدأ بتنفيذ مشاريع مؤتمر سيدر، سنرى أن الأمور ستتغير إلى الأفضل، وسيرتفع تاليا عدد الشركات ويصل إلى نسبة تفوق ما كان عليه.

اقرأ أيضاً: تقارير تشكك بالاقتصاد اللبناني…فهل الليرة الللبنانية في خطر؟ ‎

الانهيار قادم

في العودة لموضوع الافلاس وتأثير الضرائب المرتقبة، رفض الباحث السياسي والاقتصادي غالب أبو مصلح في حديث لجنوبية، الجزم بحدوث هذا الأمر، وقال “إن القرارفي هذا الشأن ينطوي على جزئين أحدهما اقتصادي والآخر سياسي، فاذا كان هناك قرار سياسي خارجي يقضي بإفلاس لبنان فإنه سيفلس مباشرة، أما اذا توفر الدعم للبنان في الفترة المقبلة، فإن الانهيار سيتأخر، إلا أنه قادم لا محالة، ولكن لايمكن تحديد توقيته”.

غالب ابو مصلح

وأضاف: “أموال مؤتمر سيدر أيضاً تنضوي تحت قرار سياسي، فنحن في منطقة مليئة بالصراعات، وهذه الصراعات تشمل أطرافا دولية متعددة، وخصوصاً أميركا وأوروبا، فاذا بات إفلاس لبنان يتناسب مع مصالح أحد الأطراف فإن انهيار لبنان سيحدث فعلاً”.

وعن سياسات مصرف لبنان، أكد أبو مصلح “أنها ليست إيجابية، نظراً لارتباط هذه السياسات بسياسات النظام الحاكم، والمصرف لا يتمتع بالاستقلالية المطلوبة، ومن الأخطاء التي قام بها رفع قيمة الفوائد بحجة دعم ربحية المصارف، إضافة إلى ربط سعر صرف الليرة بالدولار، وهذا لا يعد تثبيتاً لسعر صرفها، لأن التثبيت يتم عبر تثبيت القدرة الشرائية لليرة بالمستوردات وربطها بأسعار العملات التي نستورد بها من دول عدة، ولكن ما حدث هو إلحاق السياسة النقدية اللبنانية بالسياسة النقدية الأميركية”.

السابق
«الخارجية الروسية» توجّه دعوة رسمية لرئيس المكتب السياسي لحركة حماس لزيارة موسكو
التالي
لاجئون سوريون يعانون في إيطاليا ولكن… «نعيش بكرامة»