طهران واشنطن:فرص التفاوض

حسن فحص

خلال استقباله لضيوف مؤتمر “الوحدة الاسلامية” الذي عقد في العاصمة الايرانية طهران تحت شعار “القدس محور وحدة الامة” رفع مرشد النظام الايراني آية الله علي خامنئي “الاوراق الحمراء” بوجه الضغوط الامريكية من خلال التأكيد على الصمود بوجه القوى العالمية بناء على العون الالهي ودعم الشعوب.

المرشد الايراني حدد في خطابه امام ضيوف من العالم الاسلامي وسفراء الدول الاسلامية، شن هجوما عنيفا على الدول التي تدعم الاعمال التي تشهدها كل من اليمن وفلسطين، معيدا التأكيد على حتمية النصر في هذين البلدين بناء على السنن الالهية، فاتحا في الوقت نفسه الطريق امام المساحات التي يمكن ان تشكل منطلقا لاي حوار مع الادارة الامريكية في المرحلة المقبلة، انطلاقا من كون هاتين الساحتين من اكثر الساحات التي تشكل حرجا للادارة الامريكية وحلفائها وتسعى للتوصل الى حلول لها في المدى المنظور.

تأكيد خامنئي على حتمية الانتصار في اليمن وقطعيته للشعب الفلسطيني، يشكل ردا مباشرا على التصريحات الصادرة عن الادارة الامريكية، عندما اشار ترامب ان الايرانيين سيأتون تحت تأثير العقوبات الى طاولة المفاوضات، وعندما اكد وزير خارجيته مارك بومبيو بان الهدف هو تغيير سلوك النظام الايراني.

خامنئي اعتبر ان الوحدة والتضامن والخطاب الموحد هي الطريق الوحيد للتغلب على المؤامرات، واضعا بذلك هدف الخطوة الامريكية بالانسحاب من الاتفاق النووي هو الدور الاقليمي لبلده (ايران) والتركيز على البرنامج الصاروخي يصب في اطار القضاء على اي مصدر قد يهدد حلفاء واشنطن في المنطقة خصوصا اسرائيل والسعودية، وان المطلوب امريكيا عودة ايران الى لعب الدور السابق ما قبل الثورة.

من هنا يمكن القول انه في مقابل الاهداف الكبرى التي رفعتها ادارة الرئيس ترامب هو الوصول الى “اتفاق كبير” مع طهران، يسمح لواشنطن بتحقيق اكبر نسبة من مصالحها الاقتصادية والاستراتيجية في اقل وقت ممكن، مستفيدة من سلاح التهديد والترغيب على غرار ما حصل مع كوريا الشمالية.

وعلى الرغم من تأكيد وزير الخارجية الايرانية محمد جواد ظريف انه وبلاده “اهل الحوار” الا ان التوقعات بامكانية حصول حوار مباشر بين طهران وواشنطن في هذه المرحلة يبدو غير متوقع انطلاقا من:

  1. ان طهران اجرت مفاوضات مباشرة مع واشنطن حول الملف النووي كانت نتيجته انسحاب امريكا من الاتفاق. اي ان ما قامت به ادارة ترامب يوحي بعدم امكانية الثقة باي ادارة جديدة قد تلجأ الى الاتفاقيات السابقة.

  2. بعد مفاوضات معقدة ومتشعبة، توصلت طهران وواشنطن الى تفاهم على استبعاد استراتيجية تغيير النظام الايراني عن جدول الاهداف الامريكية، في حين ان ادارة ترامب اعادت وضع هذا الخيار على الطاولة.

  3. عودة حالة عدم الثقة وانعدام الامن الاستراتيجي الايراني بناء على الاهداف الامريكية التي اعلنتها ادارة ترامب كأهداف من وراء الانسحاب من الاتفاق النووي واعادة فرض العقوبات.

  4. قاومت طهران بشدة كل المحاولات الدولية وخاصة الامريكية لادراج البرنامج الصاروخي على طاولة المفاوضات حول الملف النووي ورفضت ان يكون ضمن الاتفاق النووي الموقع مع مجموعة 5+1، وبالتالي فان العودة الى طرح هذا الملف، اضافة الى السياسات الاقليمية يعني استهدافا للمصالح والامن القومي الايراني. وهو ما يجعل اي مفاوضات حول هاتين النقطتين يعني ان طهران ستكون في موضع الخاسر امام الرابح الامريكي وحلفائه، وهو ما يصعب تصوره لدى القيادة الايرانية او القبول به.

  5. استطاعت ايران من خلال الاتفاق النووي والمفاوضات المؤدية له، اسقاط الذرائع التي تتهمها وتتهم برنامجها النووي بانه يشكل عاملا مساعدا على تهديد الامن والاستقرار العالمي، واستطاعت  الحصول على اعتراف دولي برعاية (5+1) والوكالة الدولية للطاقة الذرية بسلمية برنامجها واخضاعه للرقابة الدولية.

  6. تضرر المصالح الاقتصادية لايران وعودة التهديدات السياسية والامنية بعد الانسحاب الامريكي من الاتفاق النووي دفع ايران للتأكيد بانها متمسكة بالاتفاق حتى الانسحاب الامريكي، وذلك من اجل قطع الطريق على تشكيل تحالف دولي جديد ضدها، وقد برز ذلك في مساعي الالتفاف على العقوبات الامريكية من خلال تعزيز علاقتها مع روسيا والصين وتركيا والدول الاوروبية التي تعارض سياسات ترامب  الدولية.

  7. التركيز على الداخل من اجل مواجهة تداعيات العقوبات الامريكية، وذلك من خلال اعتماد سياسة “النظر للداخل” وهي الاستراتيجية التي اطلقها عليها مرشد النظام “الاقتصاد المقاوم” التي تقوم على تعزيز الاقتصاد الداخلي والقوة الذاتية، لقطع الطريق على اي اضطرابات داخلية قد تعمل واشنطن او تساعد على اشعالها لضرب النظام من الداخل.

  8. الاستفادة من الموقع الجيوسياسي لايران والاستفادة منه في ادارة الازمات الاقليمية الذي يسمح لها بلعب دورها السياسي، وهو ما اشار له الرئيس حسن روحاني بعدم امكانية الانصياع الايراني للارادة الامريكية بالسكوت امام ما تفعله هذه الادارة وحلفاؤها في العراق وسوريا واليمن وفلسطين وشمال افريقيا ودعم الارهاب وداعش في المنطقة.

ولعل الرد الابرز والمباشر على المطالب الامريكية جاء على لسان جواد ظريف عندما طرح مجموعة من الاسئلة على الادارة الامريكية والمجتمع الدولي خاصة الاوروبي، وذلك خلال زيارته الى العاصمة الايطالية روما مؤخرا “لماذا على ايران تغيير سياساتها الاقليمية؟ هل نحن من دعمنا صدام؟ هل نحن من دعم داعش وطالبان وجبهة النصرة؟ هل نحن من تسبب في حادث 11 سبتمبر؟ هل نحن من حاصر قطر؟ هل نحن من يقوم بقصف الشعب اليمني؟ هل نحن من سجن رئيس وزراء دولة اخرى على ارضه؟ هل نحن من أخطأ ام الاخرون؟ هم من عليهم تغيير سياساتهم وسلوكياتهم الاقليمية.”

إقرأ أيضا: نتنياهو.. العين على طهران

على الرغم من كل هذه المخاوف والمحاذير والتصعيد الايراني برفض الحوار مع واشنطن، الا ان طهران لا تبدو انها قد سدت كل المنافذ امام امكانية التوصل الى حل وسط بينها وبين واشنطن، ويبدو انها حافظت على بعض القنوات لمثل هذا الحوار غير المباشر، ان كان عبر الوسيط العماني التاريخي، او عبر الروسي مع كثير من الحذر، او من خلال تعزيز التفاهمات مع دول الترويكا الاوروبية (الالمانية الفرنسية البريطانية)، وقد تكون الازمة اليمنية هي المدخل لاختبار النوايا بين الطرفين.

ويبقى ان طهران وان كانت تسعى لاحكام وترسيخ وجودها في الورقة الفلسطينية، فانها لن تسمح للادارة الامريكية ومعها السعودية والامارات من تمرير الفصول الاخيرة من صفقة القرن في القضية الفلسطينية من دون ان تكون شريكة في رسم معالمها بما يضمن لها الدور الفاعل فيها، وان استلزم الامر تقديم بعض التنازلات غير الاستراتيجية، والا فما معنى وجود قواتها وقوات حلفائها على مقربة من حدود الجولان السوري المحتل وصولا الى الناقورة في اقصى الجنوب اللبناني!

السابق
قطع الطريق عند الجيّة إحتجاجاً على كلام وهاب المهين ضدّ الحريري
التالي
إستحالة الحكم من دون تغيير