تغريبة وطن: من عين التوت فبيروت إلى ديترويت

تغريبة وطن

باكورة اعمال صديقي محمد العزير الروائية الذي التقيته على صفحات “الفايس” وشعرت منذ اول نص قرأته له بتلك الشرقطة التي تتكىء على مخزون معرفي وثقافي متميز.

هو مشاكس من الطراز الاول آل على نفسه تحطيم الايقونات “من فيروز الى محمود درويش ناهيك بمارسيل خليفة وتشي غيفارا وياسر عرفات”. التي شكلت ذائقتنا الجمالية التي استعنا ونستعين بها على قادم الايام.

يذهب بنا محمد في تغريبته الى منتصف القرن التاسع عشر الذي شهد حروب وصراعات وفوضى مسلحة نتج عنها فرز طائفي وتغيير ديمغرافي اصابت شظاياها عائلة شيعية تحظى بالكثير من الحب والاحترام من قبل السكان الموارنة في منطقة كسروان جبيل و التي تعرضت لمجزرة لم ينجو منها سوى منصور ابن الشيخ نجيب الذي شاء القدر ان يكون غائبا عن البيت وتمكن بتدبير وعناية وحماية الرهبان ان يصل الى قرية بقاعية اختار لها الروائي بعناية اسما وديعا ومسالما الا وهو عين التوت … واختار ان يروي سيرة حفيدته هدى من عين التوت الى بيروت وصولا الى ديترويت.

اقرأ أيضاً: قصة التغريبة الطفيلية

تتكثف الاشارات والدلالات والرموز في تغريبة محمد العزير ليطوف بين الاماكن والمراحل والانفجارات الاهلية والازمات الاجتماعية والخيبات التي خلفتها الحروب والثورات راسما صورة وطن علق على خشبة …
وكأن قدره ان يظل على الصليب…
لم يتركنا الكاتب لمصيرنا البائس فهو ودون ان “يرف له جفن” يرسم لنا خارطة طريق خلاصنا الفردي.
انه الحلم الاميركي.
في اول ايام نزول هدى على البر الاميركي تصرخ اين اميركا؟
لم تجد تلك الصورة النمطية التي غذّتها ورسمتها الايديولوجيا الثورية عن اميركا.
فهي سرعان ما وجدت نفسها وسط مجموعة من العلاقات والمعارف وكونت صداقات حقيقية ووجدت فرص عمل واكملت تعليمها العالي وكذلك حاتم زوجها.
الهام جارة هدى التي عانت من زنى المحارم في الوطن… تزوجت وانجبت شفيق ذو المثلية الجنسية يعيش حياة طبيعية بعدما ضاقت به سبل العيش في وطنه.
هيثم المتمرد الهارب من قيود العائلة الفرنكوفونية نجح وبرع في اختصاص برمجة وعلوم الكومبيوتر ونال وظيفة ممتازة.

هدى بطلة الرواية وشخصيتها المحورية التي يدللها الكاتب ويسبغ عليها الكثير من صفات الجمال والانوثة والعقل الرشيد وينحاز اليها بشكل كبير حتى اذا ما استبد بها العشق وتفتح البنفسج في روحها وطابت نفسها لرغبات الجسد سارع محمد في هواها واسعفها بسيرة نساء متمردات من قريتها خرجن على تقاليد العشيرة واستسلمن لشهوات الجسد فوهبت نفسها للحبيب الذي رفعها فوق سطوح الغيم وشهقت من ارتعاشتها للمرة الاولى سماء ديترويت، لكن صاحبنا المشاكس تيقظ بسرعة “لفعلته” فعاد يعقلها من جديد “حرام عليه” حفاظا على تقاليد القبيلة والعائلة.

يتماوج بنا محمد بين الفصول باسلوب متميز ومشوق لسرد تفاصيل الحياة في عين التوت والحياة في اميركا ويسهب في شرح وضع الجالية اللبنانية والعربية في ديترويت ميشيغن وتبيان المتغيرات التي احدثتها التحولات السياسية وتنامي العصبيات المذهبية في الوطن لينعكس تراجعا في دور المؤسسات التي كانت تدعو للحوار والتسامح بعدما اكتسحتها مؤسسات اصولية سنية وشيعية مدعومة بشكل كبير تبث التعصب والكراهية
في هذا السياق يأتي موت ابراهيم الذي يفتح على كثير من الاسئلة.

يطلّ علينا محمد العزير في رواية /شرق غرب/ متخففا من نظريات مسبقة في اقامة المتاريس… ينزل عن المتراس ويتسلل الى عقلك وتفكيرك برشاقة العارف بمكنونات نفسك التواقة الى السلام والاندماج في العصر والعالم.

 

السابق
لا ضمّ وفرز من دون بديل عن «تخطيط ايكوشار» في صيدا
التالي
المؤتمر الرابع لمنظمة العمل الشيوعي في لبنان من أجل حزب يساري ديمقراطي علماني