لبنان في الكوما الإيرانية

علي الأمين
هل دخل لبنان في الكوما أو الغيبوبة؟ الاستسلام للأزمات وغياب رد فعل الجسد اللبناني أو معظم أعضائه على الجروح والضربات التي يتلقاها توحي وكأن لبنان يدخل في مايشبه الكوما.

الغيبوبة، حسب التعريف العلمي هي حالة مرضية تصيب الأفراد، فالواقع تحت تأثير الغيبوبة هو شخص على قيد الحياة، لكنه ليس نائماً،إذ يمكنك إيقاظ شخص من النوم، لكن لا يمكنك إيقاظ شخص من حالة غيبوبة.

كل المؤشرات المتصلة بتشكيل الحكومة تدل على أنها مؤجلة، فيما الاستحقاقات المالية والاقتصادية التي تضغط على الدولة، تتزايد وتتفاقم، وتزيد من استنزاف لبنان واستسلامه على الصعد كافة.

رفع الفائدة على الليرة لم يعد يغري البنوك لمنح الديون للدولة طالما أن الانهيار حتمي في ظل سلوك سلطة لا تعير اهتماما لوقف الانهيار، وطالما أن معظم أقطابها باتوا أسرى معادلة ضمان ولاء طوائفهم طوعا أو بالقوة، وما عدا ذلك لا قداسة له بنظر هذا الزعيم أو ذاك حتى إذا كنا نتحدث عن الدستور والقانون والجمهورية والكيان الوطني.

اقرأ أيضاً: سيناريو سحب التكليف من سعد الحريري بين الواقع والتهويل

الدخول في الغيبوبة ليس نتيجة حدث طارئ ومباغت أصاب لبنان، بل هو حصيلة سلوك غير صحي جرى ترسيخه على مستوى السلطة طيلة السنوات الماضية، فكان أن أفضى إلى ما نحن عليه اليوم.

وعلى الرغم من الدعوات وصرخات الألم والاحتجاج التي عبر عنها الجسد اللبناني كرد فعل طبيعي على ما يصيبه من أضرار، إلا أنه أمكن كتمها وتحويلها إلى استسلام، من دون أن تفتح أيّ نافذة للأمل، فالمسار الانحداري للدولة وصل بها إلى الهاوية، لناحية حجم الدين الكارثي، وسوء الإدارة والفساد المتحكم بالمؤسسات العامة، والتراجع المريع لفرص العمل، وغياب الاستثمارات.

نافذة الأمل مغلقة على مزيد من حلقات الكارثة المتتالية على البلد، واذا ماكان من مسؤولية لا جدال فيها على السلطة بكامل فروعها الحكومية والبرلمانية والقضائية، فذلك لا يعني تغييب الفاعل وحجم مساهمته في ما وصل إليه لبنان.

يجدر بنا القول إن الصمت والاستسلام هو فعل إجرامي بحق الدولة والوطن، وهذه سمة باتت غالبة على سلوك المجتمع بنقاباته وأحزابه وهيئات المدنية والاجتماعية، فعدم قيام الاتحاد العمالي العام بأي تحرك جدي وضاغط على السلطة للدفاع عن مصالح الفئات العمالية التي يمثلها يظهر أن هذا الاتحاد إما أنه عاجز، أو تحول إلى أداة طيعة في يد أطراف السلطة وهذا الأرجح، كما أن بقية القوى التي كانت تسمى قوى حيّة دخلت في الغيبوبة.

ثمة استسلام آخر تجدر الإشارة اليه، هو استسلام القوى التي تسمي نفسها سيادية إلى سلطة حزب الله، وقد كشفت الأشهر التي تلت الانتخابات النيابية والمستمرة إلى يومنا هذا، أن هذه القوى التي تتحمل مسؤولية في ما وصل اليه لبنان اليوم من خلال مشاركتها في السلطة، تتحمل مسؤولية إضافية تتمثل في دورها الذي بات يوفر تغطية لدور حزب الله الذي يأسر الدولة.

إدخال لبنان ودخوله في الكوما هو ورقة القوة الإيرانية التي تجتهد ايران بمحاولة مقايضتها مع واشنطن، ونحن كلبنانيين ننتظر مستسلمين لما نسميه قدرنا، هل ستتم مقايضتنا أو أننا لم نعد سلعة مغرية؟

يبدو الرئيس سعد الحريري في رفضه لابتزازه من قبل حزب الله بأرنبه الأخير، أي توزير ممثل عما يسمى سنة 8 آذار، يحاول أن يحافظ على ما تبقى من وجود سياسي مؤثر ولو في الزاوية الاقتصادية، بعدما حصد حزب الله وحليفه رئيس الجمهورية الأكثرية في تشكيلة الحكومة المفترضة.

اقرأ أيضاً: الحريري لن يتنازل وتسوية باسيل الإنتهازية تنتهي بالفشل

الرئيس الحريري قدم التنازلات لحزب الله مكرهاً أو بإرادته منذ التسوية الرئاسية، ربما يكتشف الآن أن المطلوب أن يكون مجرد موظف في دولة حزب الله، ذلك أن الشراكة لم تعد موجودة أصلا في حكم لبنان.

نعم الشراكة المسموحة هي في الفساد، أما المسألة السيادية فهذا شأن حزب الله، هو من ينوب عن المرجع الإيراني في تنفيذ متطلباته على هذا الصعيد.

الكوما الإيرانية في لبنان، تعبر عنها اليوم وداعة وليد جنبلاط وصمت سمير جعجع، فيما الرئيس الحريري الذي رفض تسليم آخر أوراقه لأمين عام حزب الله، أمام سؤال مصيري، لا سيما أنه أمام قوى ليست في وارد إبقائه زعيما على قيد الحياة السياسة اللبنانية، ولا حتى شريكاً في القرار، وبالتالي فهو أمام الانصياع لتوجيهات حزب الله أو الانكفاء والاعتذار من مهمته الحكومية، ولكل خيار أثمانه لكنها ستبقى أقل كلفة عليه وعلى لبنان من الانتظار الذي لن ينقذ لبنان من أعراض الكوما الإيرانية.

السابق
ما حقيقة الممر الإيراني السري بين لبنان وسوريا؟
التالي
4 قتلى في حادث سير مروع في البقاع