«الشرق الأوسط» كمطلب إسرائيلي-إيراني-تركي.

ثمة تقاطع في نظام المصالح الإقليمي يجعل من مصطلح الشرق الأوسط، مصطلحاً متداولا في الحسابات الاستراتيجية لثلاث دول إقليمية على الأقل أي تركيا وإيران وإسرائيل.

يبدو أن مصطلح “الشرق الأوسط” بات مصطلحا مستخدما لدى معظم الدول الإقليمية ومن بينها حكومات عربية، وعلى الرغم من الاعتراضات والحملات الإعلامية التي تصدت لمشروع “الشرق الأوسط الجديد” الذي نظّر له رئيس حكومة إسرائيل الراحل شمعون بيريز قبل أكثر من ربع قرن، في سياق مشروع إدماج إسرائيل في محيطها العربي، وتزامنا مع معاهدات السلام التي وقعتها بعض الدول العربية مع إسرائيل.

هذا المصطلح والمشروع لقي بطبيعة الحال ردود فعل مقابلة، تمثلت بشعارات تنطوي على رفض له، وسال حبر كثير في هجاء الشرق الأوسط، بوصفه مشروعا استعمارياً جديداً للمنطقة العربية كما وصفه الكثيرون من المنتمين للتيارات القومية آنذاك، فيما كانت التيارات الأصولية الإسلامية على اختلافها تعتبره مشروعا مقابلا لخيارها الأممي الإسلامي، كونها كانت تتبنى وتسعى في ذلك الحين إلى إقامة الحكم الإسلامي في مواجهة الفكرة العربية أو مشروع الأممية الشيوعية التي كانت قد تلاشت مع سقوط الاتحاد السوفياتي، بعد انسحاب الجيش السوفياتي من أفغانستان على أيدي الجهاديين الإسلاميين.

الشرق الأوسط مصطلح يفرض وجوده اليوم، ليس عبر السياسات الدولية والدبلوماسية الغربية على وجه العموم، ولا بطبيعة الحال بسبب الإلحاح الإسرائيلي على استخدامه، بل ثمة تقاطع في نظام المصالح الإقليمي يجعل من مصطلح الشرق الأوسط، مصطلحاً متداولا في الحسابات الاستراتيجية لثلاث دول إقليمية على الأقل أي تركيا وإيران وإسرائيل، فترسيخ هذا المفهوم في وعي شعوب المنطقة، هو المدخل لتشريع نفوذ هذه الدول في المنطقة العربية.

اقرأ أيضا: بين بلفور وترامب… الوعود زائلة والحق الفلسطيني باق!

ليس من الغريب، أن نلاحظ أن الصعود المضطرد لمفهوم الشرق الأوسط يتزامن مع تراجع مضطرد للنظام الإقليمي العربي ولمصطلح الوحدة العربية. الوحدة العربية أو النظام الإقليمي العربي يستفز تلك الدول الثلاث، لأنه وأيّاً يكن محور هذا النظام ومركز القيادة فيه، أكان قوميا او إسلاميا او اشتراكيا، أو ليبراليا، فإنه يهدد تمدد هذه الدول، التي ساهمت كلّ منها في استثمار انكفاء النظام الإقليمي العربي، وحاولت اقتطاع نفوذ لها إما تحت عباءة مذهبية أو دينية، أو من خلال الهيبة العسكرية والقوة.

من هنا فإن الشرق الأوسط الذي يضم إيران لا يستثني تركيا العائدة من خيبة الحلم الأوروبي إلى فضاء تاريخها السلطاني، ولا إسرائيل التي طالما سعت إلى بلورة مضمون سياسي واقتصادي وأمني “الشرق الأوسط الجديد” ، هو بالضرورة يطوي في صعوده نظاماً إقليمياً عربياً، كان إلى حدّ بعيد يشكل حاجزاً في مواجهة الأطماع الإقليمية والدولية في المنطقة العربية.

نظام المصالح العربي اليوم تحول إلى هدف تتقاطع هذه الدول الثلاث على تحقيقه، فبعد سقوط الأممية الإسلامية كمشروع نهوض حاولت إيران التبشير به، ها هي تنكفئ نحو الدائرة القومية مستخدمة هويتها المذهبية من أجل ترسيخ نفوذها في المنطقة العربية، فيما تركيا العلمانية لم تتخل عن طورانيتها بل تعيد الاعتبار لأدواتها الإسلامية في امتدادها العربي من أجل حماية المركز السلطاني أو الطوراني وتعزيز دوره في الشرق الأوسط، وتتلاقى هاتين السياستين الإيرانية والتركية مع طموح إسرائيلي يرسم الجغرافيا السياسية على أساس يتصل بمحاور تنهي النظام الإقليمي العربي الذي لا يستقيم وجود إسرائيل في ظله، بخلاف الشرق الأوسط الذي يتيح لإسرائيل فرصا لأن تكون دولة فاعلة في صلبه.

السابق
العقوبات الأوروبية على طهران تنهي مرحلة التقارب الأوروبي الإيراني.
التالي
مخازن سلاح حزب الله…أمام مجلس الأمن اليوم