مارون عطالله.. شاهد يشبه الشهداء

بداية، أعبّر عن فرحي الشديد، لأني مقبول ومحظوظ من ربي، إذ وفّقني لأن أكون محبوباً لدى الذين يحسنون الحب، أو لا يحسنون إلا الحب، من أمثال الأب مارون ورعيله ورهطه، الذي أتمنى أن أكون جزءاً منه، وأن يكون جزءاً مني.. ولعله كذلك، ولعله عنوان على استجابتي لانتظارات الشباب التي فجرها ونظمها أبونا مارون.. وأعتقد أن الحب شأن تبادلي، فإن لم يكن متبادلاً تعرّض إلى الزوال السريع، صار ذكرى.. والحب الحب هو الحلم، موصولاً بالذاكرة. ولأن حبي لأبينا أخينا أو أخينا أبينا مارون، عتيق وعميق ويذهب في وجداني طولاً وعرضاً، هكذا، ومن دون سقاية، لأنه “بعلي”، يعتمد على الإله بعل.. فهذا يعني أننا نتبادل الحب فعلاً.. ولا نكفّ عن تبادله ولن نكفّ، وكل منا يسكر على طريقته، ولكن النشوة بالله وأهل الله واحدة.. لا يعكرها اختلاف في مواعيد الصوم والصلاة أو معنى القيامة التي نحن متفقان عليها وإن اختلفنا على جزئياتها، كما نتفق على الحب ونختلف على التعبير اليومي عنه، ونجعل من الاختلاف عامل تقوية وترسيخ وحيوية.

اقرأ أيضاً: عبدو قاعي يعالج الجوع بالصوم

أنا والأب مارون.. تبادلنا الحب مع أول نسمة أتتني من عينيه الباحثتين عن الحق والحقيقة، وعن الله في الإنسان، وعن الإنسان في الله، وعن الله والإنسان في لبنان، من أجل لبنان، وطناً ومواطناً لا من أجل الله، لأن الله غني عن العباد.. فلنكفّ.. فليكفوا عن ارتكاباتهم من أجل الله ! لأن الله الذي لا يأتيه شيء من خيراتنا، لا يمكن ولا يجوز أن نحيل إليه شرورنا.. تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.

من أين يأتي هذا الحب المتبادل ؟ والذي ينمو بالتبادل، كالعلم والمعرفة والخير تماماً؟ لا أدري، وإذ أقول : لا أدري، فإني أدري تماماً، ولكن ” كلما اتسعت الرؤية ضاقت العبارة ” كما تفضل أحد المحبين المحبوبين في الله “النّـفّري” في مخاطباته..والحب.. مثل الشعر ميلاد بلا حسبان.. كما يقول صلاح عبد الصبور.
أريد أن أقول إن مارون عطالله قد يكون يحبني، أكثر مما أحبه، وإن كنت أحبه كثيراً كثيراً، ذلك أن تجربته مع الحب أقدم وأطول وأوجع وألذ، أما أنا فقد تأخرت قليلاً عن عملي في ورشة الحب، لأني كنت مسكوناً بهواجس إيديولوجية، دينية وسياسية، تشبه الدين والوطن، ولكنها تفصل حاملها عن الديان وعن لبنان.
أما الآن، فأنا نظيف وفي عافية ومشغول بخلاصي اليومي، حتى لا يقتلني غرور الخلاص.. علاقتي بالأب مارون وأمثاله، وعلاقتهم بي، شهادة لي بأني صحيح وفي حالة روحية تبعث على الرضا. وإني لأرجو أن يعلم الأب الأخ، أو الأخ الأب، مارون عطالله، وكوكبة المحبين المحيطين به، أنه وأنهم، يشهدون لي عندما يطلبون شهادتي بالزميل الراهب، وليعلم اللبنانيون، أني أشعر أن مطالبتي ومبادرتي إلى الشهادة، كأنها واجب أو طقس من طقوس إيماني الشخصي.. وهذا يعني أني مواطن لبناني عن “حق وحقيق” لأن المواطنة اللبنانية هي التي تجعل كلاً منا متمماً للآخر ومتحققاً فيه.
بلى.. وأنا أيضاً أتيت إلى هذا الفضاء الرحب من الحوار والحياة، من الفاتيكان الثاني الذي أتى منه مارون عطالله كما تقول سيرته الذاتية، وقرأت محمولاتي وتراثي الإسلامي والشيعي، قراءة حوارية، فأسعفتني، ولم تغرني باستغلال الحوار، إلا في الحوار.. وهكذا كانت حركة مارون عطالله ومكرم قزح وحليم ريشا (المرحوم المظلوم) وعادل تيودور خوري والمرحوم سليم غزال وأمثالهم، مصدر طمأنينة لي بأني اخترت الصواب، واخترت الخلاص دنيا وآخرة.

اقرأ أيضاً: صرة مثالات: العلامة السيد هاني فحص: عن البطريرك صفير

أما دور أبينا مارون في تأسيس الحركة الثقافية في إنطلياس، فإنها تعني لجيلنا الذي انخرط في الحرب بالفعل الكريه أو القول الدميم أو الرضا المريض وحتى الصمت السقيم، حافزاً على نقد الحرب والتفكير بالحب.. والتوبة. كثيرون منا.. ومن بعد انكشافات الحروب اللبنانية قبل الطائف وبعده، انكشفت لهم الأمور، وكانوا من الشجاعة، بحيث جاهروا ببذاءة الحرب وشهامة السلم، واشتغلوا على السلام.. غير أن ثلّة إنطلياس كانت أكثر شجاعة، لأنها بكرت فبادرت إلى لبنانها الواحد في لحظة الإنقسام، وذهبت إلى السلام مع احتدام الحرب. إني لأغبط مارون، أو أغار منه، أو أحسده، على كونه في كل الأمكنة التي استعصت على الرذائل.
هذا الرجل علامة من علامات القيم، التي تجعل حاملها والعامل بها، شاهداّ للآخرين وعليهم… ولا يحتاج إلى شهادتنا إلا بمقدار حاجتنانحن إلى الشهادة له. هذا شاهد يشبه الشهداء.. شاهد حرّ أبارك له نجاحه في تحصيل حريته التي تساعدني على التحرر مما تحرر منه.

(من كتاب في “وصف الحب والحرب”)

السابق
إسمع يا دولة الرئيس(41): وقفة مع المشرعين الشيعة!
التالي
«Lamma Tgheebi»: A ray of Light in the cities night