يحيى جابر في عمله المسرحي الجديد: «شو ها» أو «نحني» بكامل عريها

شو ها مسرحية
"نحنيي" ... هكذا يصرخ الممثل حسين قاووق، ويكرر مرات ومرات هذه النحن المكسورة، فخلال أدائه دوره المنفرد والمتفرد في عمل يحي جابر "شو ها"، تبدو "نحني" مدخلا لمزيد من اكتشاف البيئة الاجتماعية الشيعية ونظام علاقاتها الاجتماعي والسياسي في الضاحية الجنوبية.

نحنيي” وليس “أنيي”، فالفرد ليس موجودًا، ليس حاضرًا، لا متسع له حتى في اللغة، هذه الفردانية التي يبدأ برعمها بالتكون لدى أيّ من الفتيان أو الشباب والشابات في مقتبل العمر. تلك الفردانية التي تعبر عن نفسها بمغامرة الخروج على ال”نحن”، بما تحمله من تعبير عن إطار اجتماعي تقليدي، قد يكون العائلة، أو المنطقة، أو الطائفة، أو ما إلى ذلك من أطر تقليدية تشكل في وجودها نوعًا من القيد الذي يكبل الفرد بقيد الجماعة.

اقرأ أيضاً: بيروت فوق الشجرة: يحيى جابر وزياد عيتاني في 1969 بين القذافي وفرنجية

الممثل حسين قاووق يروي سيرته، بل سيرة الـ”نحني” وهي ربما سيرته الفعلية، في عائلة جنوبية، انتقلت إلى الضاحية الجنوبية، كمعظم العائلات المقيمة في هذا الحيّز الجغرافي المشرع على الأسئلة القلقة. فالعنف الذي يسيطر على حيّز من وجوه السرديات التي يمتعنا حسين قاووق بأدائها قبل حروفها وكلماتها، نراه في طريقة التعبير، وفي هذا الشعور بالقدرة على جعل الدراجة النارية مجالا لإظهار القوة، من باب الاستعراض أو البراعة في استفزاز الخطر، والخوف هنا، ليس نتاج خطر خارجي ولا شعور بقوة وبأس القانون، الذي يغيب لصالح سلطة تتداخل مصادر قوتها وتتنافر، لكنها تبدو نابعة من هذا الاجتماع المسكون بالقلق والريبة والانفعال.

شو ها

يحيى جابر الذي يتلصص كرجل ينظر من خلف ستار على غرف البيت أو على زقاق خلفه، يستعين بقالب كوميدي ليكشف عن الخوف والارتياب، اللذان يتحولان إلى ما يشبه المرض العضال، فوالد حسين الذي يبدو وكأنه مصاب بالرهاب من كل ما يمكن أن يطال عائلته من خطر، يجد نفسه مكبلا ومرتابًا من كل نظرة أو حركة، ليبرع في الربط بينها وبين ما سيليها من أحداث وتطورات ستنال من ولده أو من عائلته، ووالد حسين ليس إلا واحد من آباء كثيرين حوله.

اقرأ أيضاً: عرض مسرحي لدعم «صندوق الطالب المقاصدي» في جمعية المقاصد – صيدا

أما والدة حسين، أو المرأة الجنوبية التقليدية، الباحثة عن تميز وارتقاء في محيط يبرع في التهشيم وفي التقاط الفشل لدى الآخر ورفعه كراية نصر أو دفاع عن فشل مقيم في النفس، فهي تحب، وتكره، وتحسد وتغار، هي امرأة بلا قناع مقدس: لا شهيدة هي ولا أم شهيد،إنها بنت ال”نحني” العارية، أو هذه البيئة الاجتماعية اللبنانية.

ويحيى جابر الذي كتب وأخرج هذا العمل المسرحي، وعلى الرغم من الحكمة التي تتسلل إلى روحه وقلمه، فلا يزال ثمة شغب ممتنع في عينيه وفي فلتات لسانه. هذا النص هو فعل اختبار ذاتي لمحاولة الفهم، وإن بدت الأداة كوميدية تتلذذ باللكنة الجنوبية وانكسارها الذي لم يوفر الحيّز المديني فرصة لسكونها، فال”نحني” صارت سؤالاً لم تزل إجابته “شو ها” تعبيرًا عن دهشة أو غضب وربما ردّ فعل ذاتي وفردي، وفي الحالتين محاولة تلمس طوق نجاة الأنا من ال”نحني”.

السابق
تبييض المشاريع الأقلوية في بيروت: افتتاح مؤتمر المدنية والحداثة في «الشرق الأوسط»
التالي
فضيحة طوفان بيروت: المحافظ المسؤول يستقيل