سنة 8 آذار وملامح انكفاء المشروع الإيراني الخارجي

شادي علاء الدين

كان غريبا أن يعمد حزب الله إلى إقفال أبواب تشكيل الحكومة اللبنانية مع أن الجميع كانوا ينظرون إليها بوصفها حكومته، إذ أنها كانت تظهر غلبة واضحة له ولحلفائه على قرارها وتحكماً بأغلبيتها.

بعد أن حلت عقدة تمثيل القوات اللبنانية وكانت الحكومة على وشك أن ترى النور خرجت عقدة تمثيل نواب 8 آذار حلفاء المقاومة، وفق تعبير حسن نصر الله الذي ذهب بعيدا في إصراره على توزير واحد منهم، لدرجة أن الرسائل الحادة التي أطلقها في هذا الصدد أصابت حليفه رئيس الجمهورية، ودفعت برئيس الحكومة المكلف سعد الحريري إلى التصعيد رفضا لهذا الابتزاز الواضح.

تتجاوز دلالات تفجير الوضع الحكومي في لبنان حدود الاشتباك الداخلي، وتظهر أن إيران تحاول ترسيم معالم نفوذها وحضورها في المنطقة بطرق تعبّر عن رغبة في تطويع الداخل اللبناني، عبر أدوات بالغة الهشاشة، وتعكس حجم المأزق الذي تعاني منه إيران في الإقليم.

اقرأ أيضاً: إذا كانت إيران حريصة على السنّة…

في ظل مناخ دولي يراكم في كل يوم عقوبات جديدة عليها وعلى أذرعتها في المنطقة لم تجد سوى أن ترد عبر السعي إلى توزير شخصية سنية لبنانية تدور في فلكها لإضعاف سعد الحريري، أو لمنع التيار الوطني الحر من امتلاك الثلث المعطل في الحكومة، وهو تقليد كان الحزب قد ابتدعه وأسس، له فإذا به الآن ينفجر في وجهه.

يقول هذا المناخ إن بقاء إيران في سوريا لن يطول كثيرا، وإنها تستعد لتوكيل أتباعها بالانقضاض على الداخل، ولكن ما أظهره استعمال لغم توزير واحد من النواب السنة الستة الذين يدورون في فلك الحزب، وردود الأفعال الذي تسبب بها، بيّن أن الداخل اللبناني لم يفقد بعد كل مناعته ضد محاولات السيطرة التامة عليه.

عمليا بدا الوضع وكأن الحزب يخوض معركة في وجه رئيس الجمهورية ووجه رئيس الحكومة المكلف، الذي استعمل في الرد على حزب الله السلاح نفسه الذي يستخدمه، فهتف صارخا في وجهه “أنا بي السنة وأعرف أين تكمن مصلحتهم”.

دخلت المؤسسة الدينية المارونية والمؤسسة الدينية السنية على خط الاشتباك مع نصر الله، بعد أن كان قد اعتاد أن تمر تصريحاته في حقها مرور الكرام، كما أن الرسائل المنذرة التي كان قد وجهها إلى جنبلاط جوبهت بردود كثيرة، وأكثر من ذلك خرج رئيس المجلس النيابي نبيه بري في هيئة من يقول “اللهم إني بلغت”، محذرا من عواقب التردي الاقتصادي الكبير الذي سينتج عن الاستمرار في تعطيل الحكومة.

ظهر حزب الله عاريا من الحلفاء ما عدا النواب السنة الستة، وبدا الكباش الذي تسعى إيران إلى فتحه مع المجتمع الدولي انطلاقا من لبنان خاليا من القيمة، لأنه لا يمكن من خلاله التأسيس لمكاسب يمكن أن تحققها في أماكن أخرى، بل تجلت ردود الفعل الدولية على هذا المناخ في تحذيرات وإنذارات، وليس في وساطات كما جرت العادة.

دخلت روسيا على خط الدفع في اتجاه الإفراج عن الملف الحكومي ولكن ليس بوصفها حليفة لإيران، بل بوصفها راعية للانتظام في المنطقة التي تشكل عنوانا لنفوذها الذي بات استكماله يتناقض بشكل واضع مع العنوان الإيراني، ما أنتج تأييدا واضحا للعقوبات ضد إيران، وسحب الشركات الروسية لاستثماراتها فيها، وخلقها لواقع ميداني يضغط في اتجاه فرض خروجها من الساحة السورية.

هكذا تظهر إيران في المنطقة بلا حلفاء، وحتى أن علاقتها بالطرف التي استقتلت في سبيل منع سقوطه ،أي بشار الأسد، باتت معقدة، فهو يرى في حضورها وحضور أذرعتها تهديدا للمناخ الذي قد يتيح له البقاء لفترة في سدة الحكم، ولكن في إطار تحكمه موافقته على مشروع ضرب نفوذها.

وهكذا بعد أن أجبرت العقوبات إيران على إعادة تقييم بنية نظامها وردتها إلى لحظات التأسيس الأولى لمعالم نظام الولي الفقيه، لناحية طبيعة الأداء السياسي والشعارات، ونوع التجييش الذي عاد إلى نغمة العداء للغرب بعد أن كان قد فتح باب الغربنة كسياق إنقاذي،بعد كل ذلك تبدو الكباشات التي تركبها أذرعتها في داخل بلدانها، وبشكل خاص حزب الله، مفتقدة للجدوى والمعنى.

كما بدت إيران في العالم بلا حلفاء، خصوصا بعد أن تم اكتشاف اختراقها الأمني للداخل الأوروبي الذي أسس لنوع من التوأمة الأوروبية مع منطق العقوبات الأميركية، وأخرجها من طابعها الأميركي الأحادي، فكذلك الأمر فيما يخص حزب الله في لبنان.

عمد نصر الله المحاصر في الإقليم، والذي يخصّص بعقوبات تدرجه في سياق التنظيمات الإجرامية الدولية إلى إهانة كل المكونات اللبنانية، معتقدا أن هالته الذي وصفها نائب التيار الحر آلان عون في مقابلة تلفزيونية بأنها مخيفة، ستنتج ردود أفعال قائمة على الاستجابة المرضية لهذا الخوف.

تجاهل حزب الله ما يسمى بدور الإهانة في صناعة التاريخ، ولعله قد أنتج من حيث لا يدري تكتلاً موضوعيا عاماً ضده، جمع القيادات الروحية والسياسية لكل الطوائف اللبنانية تحت عنوان رفض الإهانة.

هكذا بدا السيد نصر الله وحيدا مع إصبعه وتهديداته، ولا يؤنس تلك الوحدة سوى نواب سنة ستة تجدهم في الصفوف الأمامية لاحتفالات الحزب، متسمرين أمام شاشة تنقل تهديداته من أعماق الأقبية، آملين أن تتجسد هذه التهديدات في هيئة وزير من بينهم، يعكس صورة انتصارات إيران التي باتت أكثر من كاريكاتورية.

السابق
«زحمة الأمطار» تمنع ديما صادق ووئام وهاب من عرض حلقة «نهاركم سعيد»
التالي
النظام المالي اللبناني: الإصلاح المستحيل