تغيير منظومة القيم الإجتماعية يرفع عدد حالات الطلاق   

أكد الدكتور طلال عتريسي أن "الوضع الاقتصادي لا يشكل سبباً رئيسياً لتزايد حالات الطلاق في لبنان، ولكن تغيير منظومة القيم الاجتماعية التي كانت تحكم العلاقة وتحدد الأدوار بين الرجل والمرأة، هو العنوان الاساسي لعملية الطلاق"، وأشار الشيخ محمد بزي إلى "إقدام الشباب في مجتمعنا على الزواج بدافع عاطفي فقط وليس من خلال تصور عقلي يهدف إلى بناء أسرة، في ظل غياب ثقافة الاختيار ومفهوم الحياة الزوجية".

8000 حالة طلاق، سجلها  عام 2018 في لبنان حتى اليوم، وكان المسار التصاعدي في الأعوام الماضية وصل إلى حدود 7000 حالة طلاق.

ظاهرة ارتفاع معدلات الطلاق ترتبط بجملة أسباب معقدة، وفي نظرة خاطفة تشير الدراسات إلى احتلال محافظة الشمال النسبة الأعلى من عدد حالات الطلاق، تليها بيروت ثم البقاع وجبل لبنان وصولا إلى الجنوب، وربما يؤشر هذا الترتيب الى أن  الأسباب تتعلق بالأوضاع  الاقتصادية، كالضائقة المالية أو الاجتماعية والتوجه إلى الاستقلالية واستسهال عملية الانفصال.

اقرأ ايضا: الطلاق الغيابيّ… عقاب شرعي ضدّ المرأة!

مصدر متابع لملفات الطلاق في المحاكم الشرعية  الجعفرية كشف لـ”جنوبية” عن تساهل كبير من قبل رجال الدين المخولين بإجراءات الطلاق، وعدم تطبيق معاييره وشروطه بشكلها الصحيح، فإحدى حالات الطلاق التي عاينها المصدر مؤخرا، تتعلق بطلب إحدى الزوجات تطليق نفسها لأسباب تافهة تتعلق بأبسط مشاكل الحياة اليومية التي تواجه أي زوجين يتشاركان مسؤوليات وأعباء المنزل والأولاد.

وبرأي المصدر أنه كما يتم  الزواج هذه الأيام لأسباب تافهة وغير واقعية،  فالطلاق يجري لأسباب أتفه، مشددا على ضرورة الرجوع إلى المحاكم الشرعية للفصل بين الزوجين في حالة الخصومة باعتبارها المرجع الأساسي المنوط به تنفيذ أحكام الطلاق، وبذلك يتم تصويب الأمور وتصحيح الخلل الذي يتسبب به عدم وعي الأزواج من جهة، وتسرع المشايخ الذين كثر عددهم في مجتمعاتنا وهم غير موظفين في سلكي المحاكم الشرعية والإفتاء، ولكنهم يتمتعون بصلاحية إجراء عقود الزواج والطلاق، فيجرون العقود طمعا بالمنفعة المادية الشخصية.

من جهة أخرى، لا يوافق الخبراء الاجتماعيون على تحليلات المصدر الشرعي ويشيرون إلى الأزمة التي تعيشها النساء المطلقات بعد انفصالهن عن أزواجهن في لبنان بسبب جور قوانين الأحوال الشخصية وانحيازها للرجل بلد كلبنان لا يؤمّن أدنى التقديمات الاجتماعية، حيث يصبحن بلا مأوى أو معيل خاصة في حال عدم وجود الوالدين،لذلك تُطرح علامات استفهام كثيرة حول مصير الكثيرات منهن.

من ناحية ثانية فإن الشيخ محمد بزي رئيس المكتب الشرعي بالافتاء الجعفري في مدينة النبطية، لم ينف ارتفاع حالات الطلاق بشكل كبير وتسهيل هذه العملية من قبل بعض المشايخ، إلا أنه اعتبر أن غياب الوعي الاجتماعي والثقافة الزوجية هو السبب المباشر، واعتبر أن  “الغيرة الناتجة عن استخدام الهاتف الخلوي الذكي هي من الأسباب المهمة أيضا، فهي تؤدي إلى خلاف يتطور إلى خصومة يصعب حلها بين الزوجين” مضيفا “نمتنع كمكتب شرعي عن تنفيذ الطلاق إلا بعد محاولات عديدة للتوفيق بين الأزواج، وبالتالي لا نجري الطلاق إلا عندما نجد أننا قد نواجه خطر وقوع جريمة”.

اقرأ ايضا: ارتفاع الطلاق: واتس آب.. وزوجات خائنات

وقال الشيخ بزي “يقدم الشباب هذه الأيام على الزواج في مجتمعنا بدافع عاطفي وليس من خلال تصور عقلي وهدف بناء أسرة، في ظل غياب لثقافة الاختيار ومفهوم الحياة الزوجية، فالله عز وجل رفع قيمة الزواج من الشراكة إلى التكامل وجعل من الزوجين نفسا واحدة، بقوله تعالى “وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا “، مشددا على ضرورة “تسلح الشباب بالوعي والإيمان لمواجهة مصاعب الحياة ومشاكلها”.

غير أن الباحث الاجتماعي الدكتور طلال عتريسي من جهته، لديه رأي متقدم في مسائل الطلاق، فكل المسائل  التي تندرج تحت عنوان الطلاق برأيه ليست أسبابا مباشرة، وهي ليست سوى عوامل تأتي في إطار النزوع إلى عيش حياة مستقلة عن الآخر وتحقيق عملية الانفصال وصولا إلى الطلاق.

وأكد عتريسي في حديث لـ”جنوبية” أن الدراسات الحديثة تشير إلى أن “الوضع الاقتصادي لا يشكل سببا رئيسياً للطلاق، وربما كان سبباً في تأخير الزواج، ولكن تغيير منظومة القيم الاجتماعية التي كانت تحكم العلاقة وتحدد الأدوار بين الرجل والمرأة، هو العنوان الأساسي لعملية الطلاق، حيث تغير الواقع الذي يرتبط  بجملة من العادات والتقاليد، وبات الطرفان يرفضان القيام بواجباتهما طبقا للمتغيرات التي حصلت”.

 أضاف “لم تعد المرأة تحديدا تقبل بالاستمرارفي القيام بدورها كما في السابق، في ظل عوامل تمهد وتساهم في ذلك، منها زيادة درجة التعلم وفرص العمل للمرأة -الزوجة، خصوصاً مع سيطرة منظومة أفكار جديدة يتم ضخّها بكثافة  تؤثر في العلاقة بين الزوجين”.

ولفت عتريسي إلى “غياب حملات التوعية ونشر مفاهيم الصبر والشراكة وثقافة الحياة الزوجية وحماية الأسرة” معتبرا أن “التوجه الحالي هو نحو الفردية والاستقلالية وكل ما يتعلق بالراحة الذاتية والشخصانية”.

وأشار عتريسي إلى أن الإحصاءات والدراسات تؤكد عدم اعتبار الانفتاح وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة سبباً في الطلاق، مؤكدا خطورة تفشي وازدياد ظاهرة الطلاق لأن ” مجتمعاتنا بوجهيها الإسلامي والمسيحي لا تحتمل هذا التفكك الأسري، لما له من تداعيات، منها طرح بدائل مثل المساكنة والعلاقات الحرة، وتفتح الباب أمام ممارسات لا أخلاقية ومفاهيم دخيلة على مجتمعنا”.

 واعتبر عتريسي أن انعكاسات ظاهرة الطلاق وارتفاع منسوبه لها ارتدادات سلبية على مختلف المستويات والجوانب الاجتماعية والأمنية والاقتصادية، لافتاً إلى “ضرورة تفعيل حملات التوعية لضبط حالات الطلاق المتزايدة، ومعالجة أسبابه من خلال وضع سياسات اجتماعية جديدة”. 

يبقى أن نشير إلى غياب الدولة الكلي، فلا دراسات ولا إحصاءات رسمية ولا إعانات مادية ولا دعم نفسياً للأسر التي تعاني من حالات الانفصال والطلاق كما هو واقع الدول المتقدمة، لتبقى الأزمات السياسية والتنافس على تقاسم الحصص هو هم ّالمسؤولين الأول والأخير.

السابق
تصالح فرنجية وجعجع فهل يتصالح السنة؟
التالي
«المحطات اللبنانية»: عودة التمويل السياسي…أو التشفير