«المحطات اللبنانية»: عودة التمويل السياسي…أو التشفير

تعاني المؤسسات الإعلامية اللبنانية من أزمة مالية نتيجة ندرة الإعلانات، وتوقف "التمويل السياسي" المحلي والإقليمي، وعدم قدرتها على تمويل ذاتها وتحقيق أي ربح مالي سواء من خلال الإعلانات أو عبر برامجها التي يتصف معظمها بالفشل بحسب آراء متخصصين.

تتجه القنوات اللبنانية اليوم إلى فرض ضريبة المشاهدة على المواطن اللبناني، وذلك بعد الحديث عن قرار محتمل لـ “تشفيرها”، وإيقاف الإرسال المفتوح، وإجبار اللبنانيين على دفع  بدل مالي مقابل مشاهدتها، وكأن اللبناني ينقصه “مدفوعات” و “ضرائب” ليدفع لقاء مشاهدة القنوات اللبنانية، ويضحي من أجلها بالقليل من البنزينن والخبز، والطعام ومصاريف تعليم أولاده.

وكان تجمع المؤسسات التلفزيونية قد توصل في اجتماع عقده الأسبوع الماضي إلى اتفاق لتفعيل بيع القنوات إلى المشاهدين، والاتفاق على اسم المؤسسة التي ستقوم بالتوزيع الداخلي على الخطوط العريضة، كما سيجري التفاوض مع شركة OSN لتشفير البث الفضائي.

وقدّم ممثلو محطات التلفزة لرئيس الحكومة سعد الحريري خلال اجتماع معه في بيت الوسط مذكرة أشاروا فيها إلى أن “التطور الذي حصل في السنوات الماضية في الإنترنت وضع قطاع التلفزيون أمام تحد يفرض تغيير طريقة عمله”، مقترحين التحول من “التلفزيون المجاني المفتوح إلى التلفزيون المشفر المدفوع، وإيجاد وسائل حديثة لمشاهدة المحتوى على منصات إلكترونية يتاح من خلالها  مشاهدة البث الحي وVOD  في أي مكان من العالم”.

سبقت القنوات اللبنانية في هذه الخطوة كل من جريدة النهار وموقع قناة الـ LBC وأثبتت التجربة فشلها، فمن هو اللبناني الذي سيدفع 10 $ ليشاهد أو يقرأ خبراً قد يحصل عليه مجاناً من إحدى التطبيقات الهاتفية أو المواقع المجانية أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي؟ هذا إن كان المقياس هو تقدم الإنترنت على التلفزيون.

اقرأ أيضا: مأزق الإعلام اللبناني بين التمويل والتضليل

وفي هذا الإطار الشائك، يتحفنا كل مرة بعض القيمين على المحطات بأن “مؤسسة التلفزيون” تتجه نحو الهاوية مثل الصحافة المكتوبة الورقية التي سقط بعضها وينتظر بعضها الآخر السقوط. يهوّلون على المواطن كل مرة، ويتوسلون المساعدة لتأمين استمرارية محطاتهم، وكأنهم من خلال فرضهم لبدل مادي على المواطن لا يساهمون  في انتهاء دور التلفزيون ولا يعرقلون استمراريته.

و هنا لا بدّ من طرح السؤال حول مصير التلفزيون، فمن الذي قال أصلاً إن التلفزيون على شفير الهاوية في الوقت الآني؟ ومن قال إن التطور الذي حصل في مجال الإنترنت جعله بديلاً عن التلفزيون؟

لماذا نرى قنوات تلفزيونية عالمية وإقليمية تتسم بنسب عالية جداً من المشاهدة وتحقق أرباحاً هائلة من التمويل الذاتي؟ وذلك على الرغم من أنها لا تعتمد على التمويل السياسي.

يعلّق أحد الطلاب في (كلية الهندسة الجامعة اللبنانية) لـ “جنوبية” بالقول: “لن أدفع دولاراً واحداً لأشاهد أي قناة لبنانية” سائلاً: ” هل أدفع لأشاهد الـ CNN ؟”

وتقول سيدة (ربة أسرة): “لا أعرف إن كنت سأدفع لأشاهد المحطات اللبنانية، ولكن المواطن اللبناني لم يعد قادراً على احتمال دفع أي ليرة، أفضل أن أعطي هذه الدولارات لأولادي أو توزيعها على الفقراء”.

اقرأ ايضا: معاناة الاعلاميين تتعاظم في «اليوم العالمي لحرية الصحافة»

ويستهجن (موظف) القرار ويستهزأ قائلاً: ” لو أني أظهر على التلفزيون، فإني غير مستعد لأن أدفع ليرة واحدة لمشاهدة نفسي”.

ويرى (سائق سيارة أجرة) أن “القرار لا يعنيه فهو يعيش في التاكسي ويستمع للأخبار عبر الراديو”.

إذن، لا يظهر أن المواطن اللبناني سيتقبل فرض أي ضريبة جديدة عليه، فأولوياته باتت مقتصرة على تأمين مصاريف حاجاته الأولية والأساسية، وليس  الدفع من أجل مشاهدة قنوات تلفزيونية محلية تعكس برامجها حالة من بؤس الخيال وغياب الرؤية والإبداع، مقابل الإبهار الضخم الذي تقدمه قنوات عالمية.

السابق
تغيير منظومة القيم الإجتماعية يرفع عدد حالات الطلاق   
التالي
الرياشي: مسار التحقيقات والاجراءات القضائية السعودية في قضية الخاشقجي ترسم ملامح مرحلة جيد