عالمية جواد نصر الله ومحلية الرئيس بري

جواد نصر الله
يلعب رئيس مجلس النواب نبيه بري في الملعب الداخلي غالباً، ويسعى إلى تسوير حدود هذا الملعب بما تيسر له من وظائف واستثمارات، واستملاكات لأجهزة كاملة من أجهزة الدولة.

يحرص على تطويع الخارج وتداعياته بما يتناسب مع مشروع الإمساك بالتفاصيل المحلية، وإدارتها على الوجهة التي تضمن له البقاء والاستمرار، وتوريث الجضور والأملاك من بعده. من هنا كان الهم الاقتصادي، الذي أطلق نفير التحذير من مغبة انحداره وتدمير معالمه مؤخرا، مؤشرا لا يخطئ على تناقض مشروعه مع مشروع حزب الله، الذي لا يبالي بما يمكن أن يستجره إيغاله في الانحياز لمتطلبات الخارج الإيراني على الداخل اللبناني.

ولعل بري في ربطه كارثة التهويل الاقتصادي بضياع الإيمان يغمز من قناة حزب الله الذي يصر على ربط اسمه بلفظ الجلالة معتبرا نفسه ناطقا باسم العزة الإلهية. ما يرسمه بري من معالم هروب الإيمان من الشباك حين يحل الفقر،الذي لا يتناطح عنزان حول هوية الطرف الذي ينتجه ويصنعه، يقول لحزب الله إن تلك الهالة التي يحيط نفسه بها ستسقط، وسيفقد الناس إيمانهم بكل شيء، ولن يعود ممكنا له أن يخاطب الشيعة أو أي أحد انطلاقا من وسيط القداسة والإلهية.

اقرأ أيضاً: «آدمية» السيد حسن نصر الله القاتلة

صيغة الثنائية الشيعية التي جمعته مع الحزب كانت تنطوي على توزيع أدوار ينظمه الحزب، ولكن الجديد يكمن في أن الحزب بات حاليا يستعد للانقضاض على الداخل، وهو ما لا يستهدف حقوق الطوائف والمكونات الأخرى وحسب بل يطال بشكل خاص موقع الشيعة، وحصة وحجم نبيه بري وحركة أمل. حزب الله الذي يرجح أن تفرض عليه التطورات الميدانية في سوريا العودة إلى لبنان لا يمكن أن يسمح لهذه العودة إلا أن تتخذ شكل انتصار على الداخل، كل الداخل، بما فيه التيار الشيعي الآخر.

يريد الداخل اللبناني كجائزة ترضية ولعل المرحلة التي يمهد لها الحزب حاليا تفرض الانتقال من السيطرة بالوكالة الى السيطرة بالأصالة ما يعني أنه لا بد أن يستهدف بري مباشرة.

المؤشرات على ذلك عديدة فبعد أن كان يوكل حركة أمل ورئيسها بإدارة الحضور الشيعي في الداخل وفي أجهزة الدولة، إذا به يعلن الآن كخطوة أولى عن رغبته في إجراء مناصفة مع الحركة ورئيسها في وظائف الدولة من ناحية، ويبني سياسة تهدد هذه الدولة بالإفلاس التام من ناحية أخرى، أي أنه يسعى إلى أن يستكمل مشروعه على جثة كل ما كان بري قد أسس له من حضور على مدار أكثر من ربع قرن.

المقايضة التي نظمت آلية علاقة طرفي الثنائية الشيعية ببعضها كانت تقوم على توزيع لوظائف الدولة ووظائف الثورة فكانت الدولة لبري والثورة للحزب ولكن هذه الثورة التي تعني القتال تحت راية المشروع التوسعي الإيراني باتت محاصرة بمآلات الحرب في سوريا واليمن وبالتحولات في الساحة العراقية التي يجتهد ساسته لفصل أنفسهم عن مسار العقوبات القاسية المفروضة على إيران. يضاف إلى ذلك أن الساحة اللبنانية وعلى الرغم من إحكام سيطرة الحزب، عليها، إلا انه لم يستطع أن يترجم هذه السيطرة في إنتاج نظام حكم يكون انعكاسا مباشرا ونهائيا لمشروعه، فالأطراف الاخرى المسيحية والسنية تحاول بقوة الدفاع عن موقعها وخصوصياتها.

انطلاقا من هذا البعد الأخير يجد الحزب نفسه في داخليا في مواجهة ثلاثية مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ومع رئيس الحكومة المكلف وكذلك مع رئيس المجلس النيابي نبيه بري، لأن ما يدفع في اتجاهه يهدد كل الأطراف بفقدان دورها وحضورها.

ما تنتجه العقوبات التي استجلبها الحزب حاليا يعني بوضوح أن العالم صار ينظر إلى لبنان كبلد لا يفعل شيئا سوى أن يتحول إلى مصنع ينتج تهديدات حزب الله التي لم تعد محصورة في الإقليم، بل باتت عالمية وفق توصيف آخر ماركة من ماركات العقوبات، أي تلك التي فرضت على جواد نصر الله نجل الأمين العام لحزب الله.

يمكن النظر إلى تلك العالمية بشكل ساخر فجواد نصر الله عالمي في مجال الإرهاب، أي أن عالميته مرتبطة بخروج البلد الذي يضمه من خريطة العالم. العقوبات في هذا الصدد لا تسم الاقتصاد والأشخاص بل تسم الجغرافيا نفسها، ما يعني أن المكان الذي ينتج إرهابيين عالميين لا يجب أن يكون له موقع على خريطة العالم، وأنه من حق العالم ان يدافع عن نفسه ضد هذا الخطر المتوسع، الذي اكتسب صفة العالمية بمعناها السلبي، بتحويل البيئة الجغرافية الحاضنة والمنتجة له إلى رماد اقتصادي وسياسي، وإلى أطلال لا يمكنها أن تستجر القصائد والرثاء.

الأطلال المعاصرة باتت مجالاً يصلح للعبور السريع وليس للتوقف والتمعن، فما أن تصبح بلاد ما أو فكرة عبارة عن أطلال حتى تصبح ممتنعة عن الوجود، والتعامل معها يصبح شبيها بطريقة التعامل مع المواد غير المرغوب بمشاهدتها على المواقع الإلكترونية، أي تلك التي تمحى فور ظهورها.

نبيه بري الآن في مرحلة يفكر فيها في تاريخه وفي مستقبل إرثه، ولا يجب أن يخطئ أحد في توهم أن الدفاع عن الإرث يفتقد الحماسة والشدة، بل على العكس من ذلك.

اقرأ أيضاً: سيطرة أمل على الوظائف… يفجرها مع حزب الله!

من هنا ربما يكون من الممكن توقع أن يعمد بري إلى الدفاع عن صورته الأخير ضد المصادرات الكبرى التي قام بها نصر الله الأب منذ فترة طويلة، فعلى الرغم من كل الأرانب السحرية التي كان بري يخرجها من جعبته ليقدم حلولا سحرية للحزب في كل حالات أحراجه الداخلية، أو لتدبير شؤون اشتباكاته وتركيب منطق برلماني لعقده التي يرميها في وجه الجميع، لم يتح له الحزب،كما يتضح جليا، أن يكون شريكا في صناعة المصيرالشيعي على الأقل قبل مصير البلاد،بل يريد منه أن يكون عتال الكارثة الشيعية بشكل خاص والوطنية بشكل عام، والأمر نفسه ينطبق على ما يطلبه الحزب من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المكلف.

تبدو الفرصة مؤاتية أمام الرئيس بري لينتج مسار عالمية شيعية ناجية في مقابل عالمية الموت التي يجر ثنائي نصر الله الأب والابن الشيعة والبلد إلى الإقامة الجبرية فيها، وربما يستطيع بري،على الرغم من كل الكلام الذي يقال عن عدم قدرته على تجاوز سقوف الحزب، أن يفعل ثلاثية عون بري الحريري التي تمثل حالياً واقعاً موضوعياً في مواجهة أحادية نصر الله الأب وعالمية نصر الله الإبن الإرهابية الملامح.

السابق
الحريري «بقَّ» البحصة الكبرى وباسيل يفتش عن كوّة
التالي
بعد خطاب الحريري الحازم …كيف سيرد حزب الله؟