ما لم يقله بري لنصرالله: الثمن الكبير سيدفعه شيعة لبنان!

احمد عياش

تضج الاوساط الشيعية في لبنان، وسط كتمان شديد،بما آلت اليه احوال لبنان عموما ،والطائفة الشيعية خصوصا،في ضوء أزمة تأليف الحكومة الجديدة والعقوبات الاميركية على إيران و”حزب الله” والخطر الاقتصادي الذي يلوح في أفق هذا البلد الذي سيؤثر بصورة مباشرة على اللبنانيين قاطبة وفي مقدمهم عالم الاعمال الشيعي ،وفق معطيات اوساط إقتصادية بارزة إطلعت عليها “النهار”.
قبل الخطاب الاخير الذي ظهر فيه الامين العام ل”حزب الله” السيد حسن نصرالله في أقصى درجات التوتر ،جرت مناقشة في جلسة ضمت سياسيين ومسؤولين سابقين وكتاب وإعلاميين من شتى أطياف المجتمع الشيعي ،لتداعيات الموقف الذي إتخذه “حزب الله” من توزير أحد النواب السنّة المؤيدين له.وفيما أكد موالون للحزب صوابية هذا الموقف الذي أصبح من الثوابت لدى السيد نصرالله بما يماثل ثوابته الكبرى داخليا وإقليميا،قال آخرون ان موقف الامين العام للحزب سيؤدي الى إثارة توتر مذهبي لن يهدأ وسط تساؤل عن الحكمة في الذهاب خارج الحد الشيعي الذي نال حصته الوزارية بالتمام والكمال؟ بالطبع، لم تنته هذه المناقشة الى إتفاق ،بل إستمر الانقسام الذي يطبع حاليا الوسط الشيعي اللبناني.

اقرأ أيضاً: هل بدأت نهاية وظيفة لبنان «الرهينة»؟

ما يشير الى هذا الانقسام غير المعلن حتى الان، الموقف الذي أعلنه رئيس مجلس النواب نبيه بري غداة خطاب نصرالله فبدا كل من قطبيّ الثنائي الشيعي على طرفيّ نقيض.ففيما أعلن الامين العام السبت الماضي ان النواب السنّة الذين ينتمون اليه ” من حقهم علينا أن نقف إلى جانبهم … وسنبقى معهم سنة وسنتين و1000 سنة وإلى قيام الساعة”,أطل رئيس المجلس في اليوم التالي قائلا:” الخطر الوحيد على لبنان الآن هو الخطر الإقتصادي….الإقتصاد ليس مسألة سهلة أبدا، قديما قال أحد الأئمة عليه السلام: “إذا دخل الفقر من النافذة خرج الإيمان من الباب”. إن هذا الأمر أكثر من خطير!”
في الاوساط السياسية سؤال عن السبب الذي يدعو بري دون سواه من المسؤولين الى قرع ناقوس الخطر الاقتصادي؟فهل ان لدى رئيس البرلمان معطيات غير التي لدى شريكيّه في الحكم ،رئيس الجمهورية والرئيس المكلف تشكيل الحكومة ،واللذين لم يجاهرا حتى هذه اللحظة بالاعراب عن مخاوفهما من حال الاقتصاد كما يفعل بري؟
في العودة الى معطيات الاوساط الاقتصادية البارزة التي تحدثت اليها “النهار” ، يتبيّن ان هناك قلقا عارما في وسط المال والاعمال الشيعي اللبناني نتيجة التدهور الذي يعيشه الوطن الذي يمثل ملاذا لهذه الطائفة أكثر من اي طائفة أخرى.ففي القطاع العقاري، إستثمر أصحاب الرساميل في هذه الطائفة على مدى أعوام طويلة مليارات الدولارات كبديل لإبقاء هذه الرساميل في الخارج حيث المخاطر تتعاظم بسبب العقوبات التي فرضتها واشنطن على “حزب الله” وعلى كل من تثبت الادلة انه على صلة بهذا الحزب.ومن المعلوم انه على مدى عقود نشأت علاقات تضامنية بين أغنياء الشيعة وبين الحزب على خلفية دعم حركة المقاومة للاحتلال الاسرائيلي خلال التسعينيات من القرن الماضي.لكن الوضع تغيّر بعد الانسحاب الاسرائيلي من جنوب لبنان عام 2000 ،وأصبحت المقاومة التي جسدها “حزب الله” أداة للمشروع الايراني في لبنان والمنطقة.وهكذا صار المال الشيعي عرضة للملاحقة تحت شبهة دعم الاداة الايرانية حتى ولو كان هذا الدعم لم يعد موجودا كما كان الحال قبل العام 2000.وبعد إحكام إيران قبضتها على لبنان بعد رحيل الوصاية السورية عام 2005 ،بدأ الانهيار في القطاع العقاري بسبب إبتعاد الرساميل الخليجية عنه ما جعل الثروة العقارية الشيعية تفقد نحو ثلثيّ قيمتها وفق معطيات هذه الاوساط.وهذا الانكماش في هذه الثروة لم يتوقف حتى الان ،بل ان هناك مخاوف من مزيد من التدهور في هذا القطاع ما سيشكل ضربة قاصمة للاستثمار الشيعي في هذا القطاع.
في موازاة القطاع العقاري ،تشير هذه الاوساط الى الحجم الكبير في الودائع الشيعية في القطاع المصرفي الذي إستقبل معظم الثروات لمتمولي الطائفة في الخليج وأفريقيا منذ التسعينيات من القرن الماضي وحتى اليوم.وهذا القطاع يبدو اليوم امام تحديات قاسية بسبب العقوبات الاميركية من جهة ،والتراجع الحاد الذي يتجه اليه الاقتصاد الداخلي عموما بسبب إنسداد آفاق النهوض على قاعدة تحريك عجلة المشاريع المرتبطة بمؤتمر “سيدر”. وفي حين ان سائر اصحاب الرساميل من الطوائف الاخرى يمتلكون هامشا للتوظيف خارج لبنان ،يبدو نظراؤهم الشيعة في حالة حصار داخل السوق المحلي ومعرضين لتلقي الخسائر النازلة بهذا السوق أكثر من غيرهم.
وتتساءل الاوساط نفسها:هل يضمن نصرالله ان تبقى الامور تحت السيطرة في حال تفاقم الانهيار الاقتصادي؟ وتجيب قائلة:لقد عاش “حزب الله” ردحا من الزمن في بحبوحة جعلته خارج الضغوط بفعل الدعم الايراني غير المحدود.أما اليوم، فإن الحزب ،وبسبب فقدان هذا الدعم نتيجة جفاف مصادره مضطر الى تعويضه بموارد داخلية التي هي اصلا تكاد تبلغ القعر حاليا. وهكذا يتكرر في لبنان الدرس الذي عرفه هذا البلد في السبعينيات من القرن الماضي عندما كان التمويل الخارجي يمد الحرب التي نشبت عام 1975 بأسباب القوة.لكن ، وبعد إنهيار السيطرة الفلسطينية عام 1982، إتجهت القوى الداخلية المسيطرة الى التمويل الداخلي ما سبب بإنهيار مريع لسعر صرف العملة الوطنية، وفجّر مواجهات أمنية لم تضع اوزارها إلا بإتفاق الطائف عام 1989.وها هو لبنان يمرّ بأوضاع مشابهة يدفع خلالها “حزب الله” الى الانفجار الداخلي بدءا من الساحة الشيعية قبل سواها.
لم يقل الرئيس بري كل ما يجب ان يقوله. كما ان السيد نصرالله لم يدرك مخاطر ما قاله خطاب “يوم الشهيد”. لكن في عمق المشهد يبدو ان الثمن الكبير سيدفعه شيعة لبنان الذين دفعهم الواقع الايراني الذي يعاني حصار إقتصاديا لا مثيل له ليكونوا في فوهة المدفع الذي يتحضر المرشد الايراني لاطلاق قذائفه قريبا! هل من فرصة أخيرة لإنقاذ لبنان بمن فيهم الشيعة؟ المطلوب معجزة لتعديل إتجاه هذه الاحداث.

السابق
الحريري يأسف ان يضع حزب الله نفسه في موقع التعطيل
التالي
الحريري: «انا بي السّنة» في لبنان ولن نقبل بخرق «الطائف»