الدبّ السوري

سوريا
لم أكن أعلم بوجود دبّ سوريّ حتى شاهدتُ صورتَه في نشرات الأخبار. كان مضرَّجاً بدمائه بين أيدي حرس الحدود العراقية الذين قاموا بقتله وهو في سباته. قتلوه وهو نائم. حاله حال الكثير من بشر هذه البلاد الذين قُتلوا وهم نيام.

يقول الخبر إن هذا الدبّ يحمل اسم “الدبّ البنيّ السوري”، ويُعدّ من أندر سلالات الدببة في العالم، ولفترةٍ طويلة سادَ الاعتقاد بأنه قد انقرض.
يقول الخبر إن هذا الدبّ هربَ إلى منطقة الحدود بسبب المعارك الدائرة بين “داعش” و”قسد”، ودخل في حالة السبات قبل أن يعثر عليه الجنود ويقتلوه.
يقول الخبر إن هذا الدبّ من النوع المسالم، وإن هذه الفترة من السنة هي فترة سباته.
وأنا أشاهد صور الدبّ السوري المقتول، بين مسلّحين مبتسمين وفخورين بغدرهم، شعرتُ للحظةٍ بأن دمَ هذا الدبّ هو دمُ إنسان. شعرتُ بأن جراحه جراح إنسان. بأن نظرة عينيه وهو ميّت نظرةُ إنسانٍ مات وهو على وشك أن يقول شيئاً.

اقرأ أيضاً: بين بلفور وترامب… الوعود زائلة والحق الفلسطيني باق!

فكَّرتُ بأن هذا الدبّ المسكين سوريٌّ حقاً، وبأن اسمه ليس اسماً علمياً فحسب، بل هو اسمٌ استحقَّه اليوم بدمه أيضاً.
فكَّرتُ بأن هذا الدبّ السوري الذي هرب من وحشية المعارك ليرقد في سباته، لم يسلم في هروبه وفي سباته. كأنَّ هذه الأرض قد فاضت بلعنتها على كلّ من يمشي فوقها، سواء أكان إنساناً أم حيواناً أم حجراً.
منذ سنوات، لم يُذكَر اسم الدبّ في نشرات الأخبار إلا كمجرم حربٍ يقصف بطائراته البيوت والمدن. منذ سنوات و”الدبّ الروسي” يُروِّع أهل هذه البلاد حتى ارتبط اسم الدبّ بالقَتَلة والسفَّاحين.
قلتُ في نفسي: سأكتبُ مقالاً في رثاء الدبّ السوري العاثر الحظّ كبلاده. قلتُ في نفسي: وما الضير من البكاء لمصير حيوان لم تترك له مصائرُ البشر مساحةً للتعاطف أو الحزن؟ قلتُ في نفسي: سأحزن على هذا الدبّ وسأرثيه كما لو أنه إنسان.
***
كان ياما كان “دبّ روسي” عدوانيّ استباح البلاد المسمَّاة سوريا. وحين ظهرَ الدبّ السوري المسكين -الذي قال العلماء بأنه من النوع المسالم- ظهرَ مضرّجاً بدمائه بين جنود أوغاد قتلوه وهو نائم… وكادت عيناه المطفأتان أن تذرفا الدمع.

السابق
العقوبات الأميركية تفضح هزيمة الأيديولوجيا الإيرانية
التالي
تصريف الأعمال والتوافق العام على التهرب من المسؤولية