المستقبل وأزمة الهوية: تيار عابر للطوائف أو ممثل السنة؟

تيار المستقبل
قامت "الحريرية السياسية" من جملة ما قامت عليه، على فكرة "التيار العابر للطوائف"، واستطاع رفيق الحريري عبرها أن يرسي قواعد رؤيته للبنان الدولة خلال سنوات عمله السياسي.

ترجم الرئيس الشهيد هذا الشعار في أكثر من مكان، في مؤسساته وحصصه النيابية والوزارية، كمشروع وأسلوب حياة ارتبط به.

ورث الرئيس سعد الحريري هذه الهوية، واستطاع ان ينجح مع بدايات ثورة الأرز في تعزيزها وصقل مفهومها الوطني، حتى وإن سببت له الاحراج الكبير مع الطائفة السنية التي بحثت في بلد الطوائف عن خطاب طائفي مفقود، في قريطم أولا كما في بيت الوسط لاحقا.

اقرأ أيضاً: وما زالت باريس مربط خيلنا

شكلت هذه الهوية الوطنية المبنية على خطاب وطني جامع التهديد الأبرز لحزب الله الذي يشكل خطابه نقيض الهوية العابرة للطوائف.

نجح سعد الحريري في حماية هذا الإرث طيلة السنوات الأولى لثورة الأرز، لكن الضياع الأول لهذه الهوية بدأ مع محاولات حزب الله، عبر أحداث السابع من أيار 2008، لربط تيار المستقبل بحزب الطائفة السنية. ليس سرا أن حزب الله دعا تيار المستقبل يومها إلى اجتماع أمني لتدارك الأحداث، لكن المستقبل رفض يومها صيغة الاجتماع هذا، على مبدأ أن لا جناح أمنيا للتيار ولا ميليشيا!

لم يكن سهلا على سعد الحريري أن يحافظ على خطابه الوطني في ذروة المشهد المذهبي! ولم يكن سهلا على الشارع السني أن يتقبل وطنية الحريري في ذروة انتشار الميليشيات المذهبية المسلحة في شوارع “البيارتة”!

محاولات تطييف السنة لم تقتصر على حزب الله، حتى أن وزير الخارجية جبران باسيل قال في خطاباته إنه سيدعم الرئيس الحريري في توليه رئاسة الوزراء لأنه السني الأول في طائفته.

هذا التوصيف لم يكن وليد صدفة، بل تراكم لمشروع تحويل الرئيس الحريري، وما يمثله من هوية عابرة للطوائف، إلى زعيم متقوقع داخل الطائفة السنية!

قد يكون النائب وليد جنبلاط أول من شعر بخطورة هذه الخطوة، حين وقف في إقليم الخروب، في أحد المهرجانات الانتخابية عام 2009، وخاطب الحريري قائلا: “دولة الرئيس، لا تحوّل السنة إلى طائفة”! وهو ربما يقصد بأن لا يسمح للآخرين بتحويل السنة الى طائفة،

بعد ذلك جاء قانون الانتخابات النسبي لتحجيم سعد الحريري، لا على صعيد الكائفة السنية فحسب، بل على الصعيد الوطني ككل!

كان تيار المستقبل الخاسر الأول على صعيد الوطن، بفقدانه حالة التنوع المذهبي والطائفي في كتلته، ذلك التنوع الذي قامت عليه ومن أجله “الحريرية السياسية”.

اقرأ أيضاً: المشنوق: أنا نصر الله السني ووفيق صفا حامل وحيي أفلا تعتبرون

ما يحدث اليوم من مطالبة بتمثيل ما بعرف بـ”النواب السنة المستقلين” من حصة الحريري، ليس إلا ضربا إضافيا للحريرية السياسية ومفهومها، وكأن الحزب الحاكم يقول للحريري إن ما للسنة للسنة، نقطة. هذا المناخ يبدو شبيها بالإصدار الحديث لسرايا المقاومة، وأحداث 7 أيار، من خلال مفهوم سياسي، يساهم في تدعيم فكرة تطييف تيار المستقبل.

يتم ضرب للحريرية السياسية، وحلم رفيق الحريري بأن يكون الخريجون، والنواب، والوزراء، والمؤسسات، بألوانهم المتعددة، جزءًا من الموزاييك اللبناني.

السابق
«لقاء» في المجلس الثقافي للبنان الجنوبي مع الفنان أحمد قعبور
التالي
الهويّة الفلسطينيّة: من التبلور إلى خطر التشظّي