العقوبات مدخل إيران لإعلان تفاهم «الضرورة» مع إسرائيل

العقوبات الأميركية على إيران ليست جديدة، وكان النظام الإيراني قد اعتاد على نمط من العقوبات المماثلة خلال العقود الماضية، هذا لسان حال العديد من أركان النظام، الذي يعبرون عنه من خلال المواقف التي يصدرونها بين الحين والآخر للتأكيد على أن العقوبات لن تغير في سياسة إيران تجاه جملة شروط بلغت 12 بنداً، تتصل بالمشروع النووي ومراقبته، والأسلحة الباليستية.

والجديد هو ما يرتبط بسياسة إيران الإقليمية ووقف تدخلاتها في شؤون الدول المحيطة، وهي بنود فرضتها الإدارة الأميركية كشرط لوقف العقوبات على إيران.

النظام الأيديولوجي في إيران قد ينجح في استثمار العقوبات لمزيد من تشديد قبضته على السلطة والمجتمع، وهو أسوة بالعديد من الأنظمة الديكتاتورية، يدرك أن التحدي الخارجي يشكل عنصر قوة للنظام الذي طالما قامت قوته ليس على حسن إدارة الأوضاع السياسية والاقتصادية والمالية داخل حدود دولته، بل على التمدد الخارجي وتحقيق السيطرة والنفوذ خارج إيران.

اقرأ أيضاً: بعد عودة شعار «الموت لأمريكا».. كيف ستؤثر العقوبات الجديدة على إيران؟

النظام الأيديولوجي الذي يسيطر على هذا البلد، فشل في إقناع الشعب الإيراني بانه مؤهل لإحداث نقلة نوعية في الاقتصاد الإيراني تتناسب مع حجم الثروات الطبيعية التي تمتلكها إيران، فضلا عن المساحة الجغرافية الشاسعة التي تفوق المليون ونصف مليون كلم2 ، إلى جانب عدد السكان الذي يبلغ نحو ثمانين مليون. لذا عملت القيادة الإيرانية دوماً، على تغطية الفشل الداخلي بمعارك خارجية شكلت وبالاً على شعوب المنطقة ودولها.

بعد 40 عام على قيام الثورة في إيران وتأسيس النظام الإسلامي، بدا واضحا أن إيران عاجزة عن أن تكون قوة بناء، أو نموذجاً لدولة قادرة على صناعة نموذج ناجح وجاذب على المستوى السياسي، أو الاقتصادي أو التنموي، فبعد عقود من الحكم الأيديولوجي، لم تستطع ايران التي بشرت ثورتها بالنموذج الإسلامي للتنمية والاقتصاد في مقابل نموذجي النظامين الرأسمالي والاشتراكي، أن توفر موارد مالية لإطعام شعبها، غير موارد بيع النفط،.

يذكر المتابعون كيف أن الخطاب الثوري الإيراني ومنذ انطلاقته الأولى بعد الثورة، كان يعتبر أن سلاح النفط يجب أن يستخدم في مواجهة “الاستكبار العالمي” وفي خدمة التنمية، وإذا به يتحول إلى سلعة في يد الاستكبار، بل كان هذا الخطاب الثوري يرى أن إيران لن تستمر في العيش على بيع نفطها بل ستجد سبلاً لتطوير اقتصادها وقطاعاتها، ولكنها فشلت في تحقيق ذلك وبقي النفط مورد عيشها شبه الوحيد.

ما تقايض به إيران واشنطن وبقية العواصم المؤثرة، هو “الركام العربي” الذي بات ورقة القوة الإيرانية التي يمكن استخدامها للتخفيف من العقوبات، من اليمن إلى لبنان إلى غزة وسوريا والعراق، وهذه المقايضة نجاحها مرهون بقدرة إيران على شرعنة نفوذها الإقليمي دولياَ ودائما ضمن شروط أميركية ودولية، لذا فإن عامل الوقت حاسم، وقدرة إيران على المناورة تتراجع، مع تراجع المواجهات العسكرية في هذه الدول، وانهماك المجتمع الدولي في صوغ الحلول والتسويات، وفي أجواء العقوبات التي ستحدّ من قدرتها التمويلية لميليشياتها في المنطقة، لاسيما بعد استنزاف موارد ها وطاقاتها في أزمات وحروب المنطقة العربية.

من هنا يمكن فهم محاولة كسر الحواجز النفسية والسياسية مع إسرائيل، فمشاركة وفدين إسرائيلي وايراني في مؤتمر اقتصادي في الدوحة قبل أيام، وتنشيط الدور العماني في اتجاه إسرائيل، فضلا عن التفاهمات التي أنجزت في جنوب سوريا بما يناسب المصالح الإسرائيلية بالدرجة الأولى، كلها رسائل إيرانية تنطوي على استعداد لصوغ تفاهمات مع إسرائيل، تتيح لإيران القدرة على البقاء في المنطقة العربية ضمن تفاهمات إقليمية ودولية.

اقرأ أيضاً: خروج حزب الله من النظام المصرفي اللبناني يلجم تأثير العقوبات

من ناحية أخرى كانت الشروخ الاجتماعية والمذهبية التي كان لإيران دور محوري في تعميقها، كفيلة بأن تجعل من كشف التواصل الإيراني-الإسرائيلي في مرحلة لاحقة أمراً عاديا بل مقبول ومبرر.

بات واضحاً أن خطوات التقارب الإسرائيلي-الإيراني في سياق صوغ تفاهمات بين الطرفين هو الهدف الذي يمكن لإيران من خلاله أن تضمن عدم انهيار ما حققته من نفوذ، ولكن من دون أن يعني ذلك قيام سلام بين الدولتين، بل الأخطر من ذلك، هو التفاهم على إدارة المصالح بينهما في المساحة العربية من دون المسّ بالعمق الإيراني ولا العمق الإسرائيلي.

السابق
الانتخابات الأمريكية النصفية: انتخابات ترامب «الجزء الثاني»
التالي
أسرار الصحف المحلية الصادرة يوم الثلاثاء في 6 تشرين الثاني 2018