«أمر عمليات» من طهران عرقل التأليف وهذه هي الاسباب!

احمد عياش

العودة الى مربع أزمة تأليف الحكومة الجديدة ،والانزلاق مجددا نحو قعر الانتظار الذي بدأ بعد الانتخابات النيابية في أيار الماضي ، أطلق عاصفة من التبريرات ستستمر طويلا .وإذا كان “حزب الله” في واجهة الحدث بقرار مباشر إتخذه وجاهر به من خلال موضوع توزير أحد النواب السنّة الذين فازوا في الانتخابات وهم محسوبون عليه كليا ،غير آبه بإعتراض الرئيس المكلّف سعد الحريري وتردد رئيس الجمهورية ميشال عون ،فهذا يعني ان لدى الحزب حسابات “تعطيل” تفوق حسابات “التسهيل “.فما هي هذه الحسابات يا ترى؟

قبل الغوص في المعطيات التي تربط سلوك “حزب الله” إزاء تأليف الحكومة بما يدور في طهران على هذا الصعيد، تشير مصادر وزارية متابعة لجهود التأليف الى ان “حزب الله” نفذ في اليوميّن الماضيين تحركا داخليا يشبه تماما تحركات مماثلة في منعطفات مهمة كتلك التي شهدها لبنان أبان المرحلة التي تلت حرب تموز عام 2006 ما أدى الى  قيام الحزب بتدبير إعتصام في ساحة رياض الصلح حاصر خلاله طويلا السراي الحكومي حيث مكث رئيس الحكومة آئنذاك فؤاد السنيورة في مكتبه الذي تحوّل مقر إقامة له ،فيما لجأ رئيس مجلس النواب نبيه بري الى إقفال أبواب البرلمان رافضا التعامل مع المؤسسة التنفيذية واصفا أياها ب”الحكومة البتراء”.ولم يتغيّر ذلك المشهد إلا بعد تطور ميداني قاده الحزب في 7 أيار 2008 والذي حمل عنوان “غزو بيروت” ما أدى الى مؤتمر الدوحة وما أسفر عنه من نتائج تركت بصماتها على كل المستويات الداخلية.

وتقارن المصادر بين هذه التطورات التي جرت في العقد الماضي وبين التطورات الحالية ،فترى ان هناك بوادر شبه بينهما ظهرت بالامس من خلال تولي “حزب الله” عملية إلغاء التمايز بينه وبين موقف الرئيس بري على صعيد تشكيل الحكومة ،فنظم في وقت واحد تحركا لمجموعة النواب السنّة التابعين له بإتجاه عين التينة وحارة حريك ورفع لهذا التحرّك عنوانا ،كما ورد في موقع “العهد” الالكتروني التابع للحزب ،هو” ’امل’ وحزب الله: من حق النواب السنة المستقلين ان يتمثلوا في الحكومة”.وللتأكيد على إلغاء هذا التمايز ،كلف الحزب أحد نواب كتلته الوليد سكرية الاعلان من مقر الرئاسة الثانية ان ” موقف الرئيس بري الذي اكده سابقا وأكده لنا الان انه لا بد من تمثيل اللقاء المستقل بوزير في الحكومة”. فيما صرّح المعاون السياسي للامين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصر الله، الحاج حسين الخليل بعد إستقباله هؤلاء النواب ” انّ هناك مطلبا محقا لهم ولشريحتهم، وهم لا يأخذون من حصة أحد بل من حصة ‏أهلهم ومن انتخبهم. مطلبهم محقّ وسنقف إلى جانبهم”. وتخلص هذه المصادر الى القول :”نحن الان أمام مطلب الثنائي الشيعي بتوزير نائب محسوب على “حزب الله” ما يعني ان المشاركة الشيعية في الحكومة الجديدة مرتبطة بتحقيق هذا المطلب”.

إقرأ أيضاً: سنتان من الوهن: دولة تشبه رئيسها

في السياق نفسه،تحدثت معلومات عن إستعداد الرئيس عون لتوزير نائب سنيّ ليس تابعا لكتلة الحريري ، وهو في الوقت نفسه خارج مجموعة النواب التابعة ل”حزب الله” من ضمن  حصته الوزارية ، لكن هذا الاستعداد قوبل برفض  الحزب .

يجمع  المحللون على القول ان “حزب الله” إنتهج منذ  2005 ،عام إنسحاب جيش النظام السوري من لبنان تحت وطأة الغضب العارم في 14 آذار بعد جريمة إغتيال الرئيس رفيق الحريري ، وإنتقال الوصاية على لبنان من دمشق الى طهران ، الى إدارة الشأن الحكومي من بعد. لكن الحزب قرر اليوم وبصورة مفاجئة إدارة هذا الشأن عن قرب ، ما غيّر وجهة الاحداث الداخلية بصورة عميقة  وهو مسار بدأ للتو ولا أحد يستطيع التكهن بما سيؤول اليه.

في الايام القليلة الماضية ، زارت شخصية خليجية بيروت من دون أن تقترن هذه الزيارة بأية إلتفاتة إعلامية بسبب تعدد الزيارات التي تقوم بها هذه الشخصية للبنان كل سنة وذلك لإسباب خاصة.لكن في آخر زيارة ،وفي مجلس خاص وقفت “النهار” على معطياته ، تطرق الزائر الى الحدث السياسي الذي شهدته المنطقة عموما ، والخليج خصوصا ،وتمثل بالزيارة المفاجئة التي قام بها رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو لمسقط حيث إستقبله السلطان قابوس بن سعيد في مراسم علنية .وأكدت الشخصية الخليجية ان المعطيات التي تملكها تفيد ان الهدف الرئيسي من هذه الزيارة المثيرة للجدل هو العنوان الايراني ولا صلة له بالعنوان الفلسطيني. وستترتب على هذه الزيارة تداعيات يجب متابعتها من الان فصاعدا لاسيما في الفترة الفائقة الحساسية التي ستبدأ بعد ايام عندما تباشر إدارة الرئيس الاميركي دونالد ترامب تنفيذ عقوبات ضد الجمهورية الاسلامية غير مسبوقة. وكشفت هذه الشخصية عن تطور سيتبلور تباعا يتعلق بأزمة قطر بدأ مع تكهنات بأن شخصية قطرية رفيعة المستوى زارت الرياض بعيدا عن الاضواء في إطار البحث عن سبل إنهاء هذه الازمة.

إقرأ أيضاً: لماذا رفض حزب الله تغيير الوزير فنيانوس في «الأشغال»؟

ما لم تقله الشخصية الخليجية ،تقوله وقائع لبنانية .فقبل زيارة نتنياهو لمسقط، وهي الاولى من نوعها  منذ عام 1996 ،والتي تمت قبل أيام من تشدد “حزب الله” حكوميا ، لم يكن هناك في الاجواء ما أوحى بإن الحزب سيسلك هذا الدرب الخشن حكوميا. وفي رأي مصادر ديبلوماسية ،ان طهران قررت على عجل إستنفار كل اوراق قوتها في المنطقة لمواجهة مرحلة عنوانها “عودة إيران من المنطقة الى إيران” ، وسط مؤشرات عدة في المنطقة وخارجها تفيد ان هذا العنوان سيحكم المرحلة المقبلة. فهل وقعت القرعة على لبنان ،وتحديدا على ملفه الحكومي ،لكي تقوم طهران ببدء حربها الاستباقية؟

السابق
بلاد السرطان أوطاني: أرقام مخيفة وسياسات تدعم انتشار المرض
التالي
العقدة السنيّة مقدّمة لتأسيس حزب سنّي ممانع