نتنياهو.. العين على طهران

حسن فحص

حتى الايام القليلة الماضية لم يكن رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو يبدو مأزوما في التعامل مع الجانب الفلسطيني، او يظهر حرصا للتوصل الى اتفاق او حل للازمة مع السلطة الفلسطينية. في المقابل اظهرت وزارته المصغرة الحربية حالة من التردد في اتخاذ موقف عسكري حاسم من تطورات الوضع في غزة، وما يعنيه ذلك من عدم جاهزية لدى الجيش الاسرائيلي في خوض معركة مع الفصائل الفلسطينية في القطاع وصعوبة تحقيق نصر عسكري حاسم يريح تل ابيب في تعاملها مع القطاع والقوى التي تسيطر على المشهد السياسي والامني والعسكري فيه.

ومع تأكيد المستضيف لنتنياهو، سلطنة عمان والسلطان قابوس، ان السلطنة لا تلعب دور الوسيط بين اي من الاطراف، على الرغم من الاجواء التي تدفع الى الاعتقاد بدور ما لعمان بين الجانبين الاسرائيلي والفلسطيني خصوصا وان عمان سبق ان استضافت قبل ايام رئيس وزراء السلطة الفلسطينية رامي الحمدالله، الا انها سارعت الى تكذيب مساعي نتنياهو للايحاء بان زيارته الى عُمان جاءت بناء على دعوة من السلطان، لتؤكد بان الجانب الاسرائيلي هو الذي بادر لطلب اللقاء، وان هذا الطلب لقي تجاوبا من جانب القيادة العمانية.

اذن، ما هي الدوافع التي حدت بنتنياهو لطلب اللقاء وزيارة سلطنة عمان؟

المحطة الاولى:

لا شك ان الادارة الاسرائيلية، خصوصا نتنياهو، تدرك جيدا ان قواعد اللعبة في المنطقة قد تغيرت منذ حادث اسقاط طائرة الاستطلاع الروسية ايل 20 فوق المياه الاقليمية السورية في 17 سبتمبر/ ايلول الماضي، وان تل ابيب فقدت المجال الحيوي للمواجهة غير المباشرة مع الخصم الاول لها في المنطقة – ايران- وحلفائها خاصة حزب الله اللبناني. ولعل المؤشر الابرز على هذا التغير، عدم قيام اسرائيل باي عملية عسكرية ضد اهداف ايرانية او تابعة لحزب الله منذ تاريخ الازمة مع موسكو على خلفية اسقاط الطائرة. ما يعني خروج الساحة السورية عمليا وبرعاية روسية من اجندة تل ابيب للرد على اي تحرك ايراني. وفي وقت تبدو تل ابيب بأمس الحاجة الى هذه الساحة لتخفيف الضغط الذي تواجهه حاليا على الجبهة الجنوبية مع قطاع غزة، حاجة قد تبعد عنها شبح الدخول في معركة عسكرية مباشرة تحاول تفاديها.

اقرأ أيضاً: الأردن وإسرائيل: «هزّة سياسية».. خفيفة!

المحطة الثانية:

في الثاني من تشرين الاول اكتوبر الحالي، ومع بدء تكشف ما جرى داخل القنصلية السعودية في تركيا ومقتل الصحافي جمال خاشقجي على يد مجموعة امنية تابعة في اوامرها للقيادة السعودية العليا، ادركت تل ابيب انها على ابواب خسارة لا تعوض على صعيد العمق العربي المساعد في مواجهة الخصم الايراني المشترك، وقد عبرت علانية عن عمق ما تعانيه من جراء ازمة خاشقجي وتداعياتها بالتعبير انها خسرت الشخصية التي دعت وراهنت على وصولها الى السلطة في البلاد العربية منذ خمسة عقود، وبالتالي ادركت انها بخسارة ولي العهد السعودي باتت على ابواب خسارة كل المشاريع الاقليمية التي بنيت على هذه العلاقة، من مشروع (الناتو العربي الشرق اوسطي) ضد ايران، مرورا بمشروع (صفقة القرن) وانهاء القضية الفلسطينية والعبء الامني والعسكري وحتى السياسي في قطاع غزة، وصولا الى محاصرة ايران في كل من سوريا والعراق والتضييق على حليفها الابرز حزب الله في لبنان.

مع تراجع الخيارات التي راهنت عليها تل ابيب في مواجهتها مع المحور الايراني، عسكريا وسياسيا، لم يجد نتنياهو مخرجا لما تواجهه اسرائيل من ازمات قائمة وكامنة، الا اللجوء للطرف الذي عرف عنه لعب دور “الميسر” لنقل رسائله الى الجهة الاقليمية – ايران التي تعتبر المعنية الاولى بكل المخاوف الاسرائيلية.

تأكيد وزير الشؤون الخارجية العمانية يوسف بن علوي ان بلاده لا تلعب دور الوسيط بين اي من الاطراف، بل تقوم “بتيسير” نقل وجهات نظر الافرقاء، يعني ان زيارة نتنياهو لسلطنة عمان تصب في اطار تحميل القيادة العمانية مهمة ودور “تيسير” الامور الاسرائيلية مع اللاعب الاساس والمصدر الاول للخطر على اسرائيل في المنطقة. ما يعني اعترافا اسرائيليا واضحا بان الامور والتطورات قد حسمت نسبيا والى حد بعيد لصالح اللاعب الايراني في المنطقة، وبالتالي لم يبق امام الجانب الاسرائيلي سوى الاعتراف بهذا الدور ومحاولة التوصل الى قواعد لعبة جديدة معه تضمن للاسرائيلي الحصول على ما تنتجه التفاهمات التي يطلب من الطرف العماني تيسيرها، مستعيضا بذلك عن الشروط التي كان يطمح لها. خصوصا وانه بات يشعر بان مسار التشدد الامريكي من خلال العودة الى سياسة العقوبات ضد طهران لن يكون ذا جدوى اساسية في ظل تعاطف دولي ومحاولات عالمية للالتفاف على هذه العقوبات.

ولعل ما دفع نتنياهو للجوء الى القيادة العمانية، يعود الى معرفته الدقيقة واللصيقة بالدور الكبير الذي قامت به مسقط في الحوار الايراني الامريكي والذي انتهى الى التوقيع على الاتفاق النووي بين الجانبين بمشاركة الدول الخمسة الكبرى ( روسيا والصين وفرنسا وبريطانيا والمانيا). وبالتالي فهو يراهن على دور عماني في فتح قناة حوار غير مباشر مع طهران تسهم في الحد من تداعيات التطورات الاقليمية التي طالت بشكل مباشر الشروط الاسرائيلية (في سوريا والسعودية).

وقد لا يكون مصادفة ان تقوم وكالة “تسنيم” المقربة من حرس الثورة الاسلامية في ايران باعادة نشر حديث مفصل مع عضو الفريق الايراني النووي المفاوض علي باقري اجراه التلفزيون الرسمي الايراني، والذي تحدث فيه عن دور سلطنة عمان الذي لعبته في تسهيل الحوار بين ايران والولايات المتحدة الامريكية الذي مهد للتوصل الى الاتفاق النووي والتفاهمات الاقليمية. الذي تزامن مع الكشف عن الزيارة الاسرائيلية الى هذا البلد.

التعليق الرسمي الايراني على زيارة نتنياهو الى سلطنة عمان، الذي صدر على لسان المتحدث باسم الخارجية الايرانية بهرام قاسمي، لم يخرج عن اطار رفع السقف الايراني في الموضوع الفلسطيني والشروط التي وضعتها طهران في اطار رؤيتها لحل الازمة الفلسطينية بالتأكيد على حقوق الشعب الفلسطيني والدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف ورفض التطبيع او تسهيل عملية التطبيع مع (الكيان الصهيوني) على حساب الشعب الفلسطيني.

الموقف الرسمي الايراني من الزيارة لم يصل حد الادانة لها، بل اكتفى قاسمي بالقول “من وجهة نظرنا لا ينبغي للدول الإسلامية بالمنطقة أن تفسح للكيان الصهيوني الغاصب، وبضغط من البيت الأبيض، بالتحرك لإثارة فتن ومشاكل جديدة في المنطقة”.

ما يعني ان طهران تنتظر في المرحلة القادمة الاطلاع على تفاصيل ما حمله نتنياهو الى القيادة العمانية والبناء عليها سلبا او ايجابا. لكنها لن تخفي ارتياحها من التطورات الاقليمية التي غيرت موازين التعامل وغيرت قواعد اللعبة وازاحت مركز القرار الاقليمي العربي من السعودية. وهي لن تتردد بتأكيد علاقتها المميزة والعميقة مع مسقط بغض النظر على العلاقات التاريخية التي تربط مسقط وتل ابيب.

فهل يراهن نتنياهو على دور عماني “ييسر” الوصول الى مسار اقليمي جديد يتوافق مع الوصف الذي اطلقه رئيس الوزراء الاسرائيلي على هذه الزيارة بالقول “زيارة مميزة لعمان… نصنع التاريخ”.

السابق
جعجع: اتخذنا قرارا بالدخول الى الحكومة
التالي
تخارج الدولة والحرية في المجال العربي