استضعاف القوات يؤسس لحكومة غلبة

الكاتب السياسي والصحافي إلياس الزغبي عن محاولات تحجيم "القوات اللبنانية" في الحكومة العتيدة: "موازين المنطقة لا تشجع فريق "الممانعة" على تنفيذ رغبته في حكومة غلبة".

مع إعلان رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع قراره الأخير بالموافقة على المشاركة في الحكومة المقبلة، يكون بذلك قد تمّ تذليل جميع العقبات التي كانت تحول دون التأليف ما يعني بذلك أن المخاض العسير قد إنتهى وولادة الحكومة باتت وشيكة، إلا إذ طرأت عقدة جديدة لم تكن في حسبان المعنيين.

حسم جعجع قراره بالمشاركة بعد إجتماع تكتل “الجمهورية القوية” على الرغم من عدم إنصاف القوات وتمثيلها بحصة وازنة وحقيبة سيادية، فقد أكد جعجع على أن “العرض الذي قُدم لنا، وبعد النقاش الطويل، ارتأينا أن أسهل حل كان عدم دخولنا إلى الحكومة، ولكن لم تكن يوما الحصص هدفنا”، وشدد” الموضوع ليس بالحقائب ولن أقلّل من حجم التظلّم، ولكن ما جعلنا نأخذ قرار المشاركة هو الإنتاج والفعالية التي سنقوم بها”، وأكّد جعجع أن “البعض سيحاول تصوير القوات وكأنه انهزم ولكن أقول لهؤلاء أنتم من انهزمتم، القوات ستكون قوية كيفما كان”.

اقرأ أيضاً: القوات في الحكومة: أولوية الصراع المسيحي، وتكريس مرجعية حزب الله

على الأقل تبين حتى الساعة أن الحكومة سوف تكون جامعة وذلك مع مشاركة القوات، وتاليا فإن مبدأ “إحراجها لإخراجها” الذي إعتمده رئيس التيار البرتقالي جبران باسيل ومن خلفه لم ينجح فالقوات ستكون شريكه في الحكومة، ولكن في جميع الأحوال نجح باسيل وحليفه القوي حزب الله في تحجيم “القوات اللبنانية” مع حجب الحقائب السيادية عنها وتمثيلها بحصّة أقل بكثير من حجمها وممّا كانت تريد. وكان آخر عرض تلقته القوات يمنحهاا منصب نائب رئيس الحكومة ووزارات العمل، الشؤون الاجتماعية والثقافة.

يشرح المحلل السياسي إلياس الزغبي لجنوبية طبيعة الأمور معتبرا أنه”مع الوقت تبين أن حقيقة العقد والعراقيل التي تحول دون التشكيل ناتجة عن قرار مسبق اتخذه “الثنائي الممانع” أي (حزب الله – عون) لإضعاف المكونات السيادية، خصوصا تلك التي حققت تقدما واضحا وحاسما في الإنتخابات النيابية أي “القوات اللبنانية” وكذلك الرئيس سعد الحريري وفي الوقت نفسه النائب السابق وليد جنبلاط”.

وأشار الزغبي إلى أن “هذه المكونات الثلاثة كانت موضع إستهداف منذ المفاوضات الحكومية، وقد تمكن هذا الثنائي (حزب الله – عون) من استفراد هذه الحالة السيادية حلقة وراء حلقة فكانت الحلقة الأولى جنبلاط “.

يتابع قائلا: “الحلقة الثانية كانت في استضعاف “القوات اللبنانية” والجميع يدرك كل المراحل التي حاولت فيها الأخيرة الحرص على مسألتين، الأولى أن تتمثل بحجمها الحقيقي دون استفراد واستضعاف، والثانية الحرص على تشكيل حكومة تعالج الأزمات المتفاقمة والمتصلة بحاجات الناس اليومية ومستقبل لبنان خصوصا على المستوى الاقتصادي والمالي”.

يضيف “حرصها المزدوج هذا تمّ إستغلاله من قبل الثنائي المذكور لممارسة المزيد من الضغط عليها لتحقيق إحدى الغايتين إما إحراجها لإخراجها من الحكومة، أوكان الهدف الثاني في حال لم تخرج هو استضعافها”.

يضيف “حرص هذا الثنائي على تشجيع كل المكونات السياسية على التمسك بحقائب وازنة وحجبها عن القوات كي تجد نفسها أمام هذا المأزق، فإما أن تشارك بحجم لا يشبهها أقل بكثير من حجمها الشعبي الذي أظهرته الإنتخابات وإما عدم المشاركة وتصبح خارج السلطة”.

كذلك رأى الزغبي أنه “بذلك تصبح الساحة متاحة أمام هذا الفريق كي يتحكم، وتكون عندئذ الحلقة الثالثة أي الرئيس الحريري وتيار”المستقبل” في الموقع الأضعف بحيث يتحول وجود الرئيس الحريري على رأس مثل هذه الحكومة في حال إبقاء القوات ضعيفة لما يشبه “قشرة شرعية”، أي أن يؤمن حضور الحريري قشرة شرعية لحكومة يديرها حزب الله – عون”.

وأكّد الزغبي “هذا ما سوف نتجه إليه بالفعل إذا لم يستخدم الرئيس الحريري أوراق القوّة الباقية بين يديه في اللحظة الأخيرة من السباق الحكومي، نحن ذاهبون إلى حكومة “غلبة” بأغلبية غالبة وأقلية مستضعفة، والأخيرة دورها فقط أن تؤمن غطاءا شرعيا للسياسة الداخلية والخارجية التي يقودها “حزب الله”.

اقرأ أيضاً: الحكومة على نار حامية.. والولادة بين اليوم وغد

ولفت الزغبي إلى أن “ورقة القوة الأساسية التي كانت لدى الرئيس الحريري هي أن يدرك بالعمق أن حاجة هذا الثنائي إليه لتأمين هذا الغطاء الشرعي أقوى وأكبر بكثير من حاجته هو إليهما، خصوصا في مواجهة العقوبات الدولية والأميركية المتصاعدة والتي ستضغط كثيرا على الواقع اللبناني، بحيث لا يستطيع هذا الثنائي أن يحكم بمفرده فهو بحاجة فعلا لهذا الغطاء الذي يؤمنه الفريق السيادي داخل الحكومة”.

وأنهى الزغبي حديثه بالقول “لا تزال الفرصة متاحة من داخل الحكومة العتيدة على الرغم من كل ثغراتها لأن تحقق توازنا سياسيا، شرط أن يتضامن الفرقاء الثلاثة (الحريري – جعجع – جنبلاط) لمنع أي انحراف سياسي لهذه الحكومة في اتجاه الممنوعات، وأبرزها الإنزلاق إلى التطبيع مع النظام السوري، ومحاولة حماية إيران و”حزب الله ” من مفاعيل العقوبات المالية والسياسية”، مشيرا في الختام أخيرا إلى أن “سقطةً سياسية لا تعني الهزيمة خصوصا أن موازين المنطقة لا تشجع فريق “الممانعة” على تنفيذ رغبته في حكومة غلبة”.

السابق
انفجار في شارع الحبيب بورقيبة في العاصمة التونسية
التالي
حكومة عبد المهدي: كوكتيل البعث والحشد الشعبي