سعد الحريري أيوب لبنان

لن يكون أمام الحريري سوى ركل كرة تمثيل السنة المستقلين من ملعبه، وخصوصاً أنه كان قد أنكر تكراراً أن يكون ثمة وجود لعقدة سنية.

تسير الحياة السياسية رتيبة في لبنان إثر خربطة جهود تشكيل الحكومة العتيدة بعد أن كانت ولادتها وشيكة، بسبب إصرار تيار العهد (التيار الوطني الحر) على عدم التنازل عن وزارات العدل والخارجية والدفاع، ودعوته حزب “القوات” إلى القبول بالعرض المقدَّم إليه، وهو 3 حقائب ليس فيها حقيبة وازنة ونيابة رئيس الحكومة، ليستمر الاعتراض القواتي على نوعية الحقائب، حيث لم يتبقَّ له أي حقيبة أساسية. بعد أن كان حزب القوات قد نال موافقة ضمنية من رئيس الجمهورية ميشال عون على توليه “العدل” نقلها إليها الرئيس المكلّف تشكيل الحكومة سعد الحريري ولكنها لم تترجَم على الأرض، تراجع الرئيس عون عن موافقته لأسباب لا تزال مجهولة. أما الحقيبتان اللتان يرضى “القوات” بإحداهما بديلاً من “العدل”، وهما “الأشغال” و”التربية”، فترفض كل من الجهتين السياسيتين اللتين تشغلانهما التنازل عنهما، وهما “الحزب التقدمي الاشتراكي” الذي يرفض التخلي عن حقيبة التربية، وتيار “المردة” الذي لا يرضى بالتنازل عن حقيبة “الأشغال”، حيث أكدت مصادر “التقدمي” للإعلام أن “خط التنازل عند الحزب قد توقف”، وذلك بعد أن كان تراجع عن موقفه بصدد الوزير الدرزي الثالث، ما ساهم في حل ما سمي “العقدة الدرزية”،كما أكدت مصادر تيار “المردة” في حديث تلفزيوني أن “وزارة الأشغال من حصتنا والإشكالية حولها انتهت”.

اقرأ أيضاً: الحريري قريبا في بعبدا وطروحات جديدة برسم رئيس الجمهورية

وتبيَّن للمتابعين أن التفاؤل بإمكان أن يكون الرئيس الحريري قد حمل إثر عودته من المملكة العربية السعودية توصية من خادم الحرمين إلى رئيس “القوات” سمير جعجع بقبول ما عُرض على حزبه، كان تفاؤلاً في غير محله، حيث كشفت مصادر مواكبةٌ رفض القوّات تخيير الحريري الحزب بين وزارات التربية والصناعة والعمل بدل العدل، وإصراره على أربع حقائب ونيابة رئيس الحكومة، مع أنه –وفق هذه المصادر- “يتم العمل بتكتم على فتح أبواب قد تسمح بإرضاء القوات، وهي أولوية الحريري وليس تقديم تشكيلة أمر واقع”، وأن الحريري “قدم عرضاً رسمياً للقوات وينتظر جواباً عليه”.

وسط كل ما ذُكر، أعاد الرئيس عون في قصر بعبدا الخميس، خلال استقباله وفداً برلمانياً فرنسياً في حضور السفير الفرنسي برونو فوشيه، وعلى طريقة “بيع السمك في الماء”، ما كان أكده مراراً من أن “لبنان ملتزم بتوصيات مؤتمر سيدر بالتزامن مع تطبيق خطة النهوض الاقتصادية المقَرّة في مجلس الوزراء”مع أن الشرط الأساسي للدول المانحة في “سيدر”، وهو تشكيل حكومة جديدة لم يتحقق، ما دفع كبار الاقتصاديين إلى دق ناقوس الخطر.

الرئيس عون جدد م أمام الوفد المطالبة بعودة النازحين السوريين الآمنة إلى بلادهم بعد توقف القتال الذي تركوا مناطقهم قسراً بسببه، لاسيما وأن العائدين حتى الآن لم يبلّغوا عن مضايقات تعرضوا لها، وشدد على وجوب تقديم المساعدات الدولية إلى هؤلاء في سوريا وليس في بلدان نزوحهم، ما سيشجعهم على العودة، فلبنان لا يمكنه انتظار الحل السياسي في سوريا لعودتهم، إذ إن تجربة انتظار فلسطينيي لبنان حلاً سياسياً للعودة لم يتحقق منذ سبعين سنة، تعزز المخاوف من توطينهم في الدول التي لجأوا اليها، في وقت تواصل إسرائيل اعتداءاتها على الفلسطينيين ما يعرقل إيجاد حل عادل وشامل ودائم لأزمة الشرق الأوسط.

ولكن هل تكمن المعضلة الحكومية فقط في ما يسمى “عقدة القوات” بحيث إذا ما بذلت الجهود المضنية لحلها ستسير القافلة الحكومية بعدها بكل راحة وسلاسة، أم أن “أيوب” السراي سيجد في ملعبه عقدة كانت نائمة خلف العقدتين الدرزية والمسيحية.

ربما يقرر “حزب الله” تحويل هذه العقدة إلى عقدةً “متفجرة” لغاية في نفس يعقوب الفارسي لا الإسرائيلي، والمقصود عقدة توزير “النواب السنة خارج المستقبل”، وهم جميعاً من حلفائه على الرغم من أنهم لا يملكون رؤية واحدة وينتمون إلى جهات سياسية مختلفة، وشكلوا ما سموه “اللقاء التشاوري” بعد الانتخابات لغايات وزارية صرف، أفرد لها الأمين العام للحزب حسن نصرالله حيزاً واسعاً في خطابه الأخير؟

نقول “في ملعب الحريري” لأن الرئيس عون لن يبدل أحد هؤلاء النواب السنة بالشخصية السنية التي اختارها ضمن حصته الوزارية، وعليه لن يكون أمام الحريري سوى ركل هذه الكرة من ملعبه، وخصوصاً أنه كان قد أنكر تكراراً أن يكون ثمة وجود لعقدة سنية.

هذا المناخ يعني استمرار الأزمة، إلا إذا قرر الحزب لحس وعوده لـ”اللقاء التشاوري” والسماح بحكومة من دونه، أمام حاجة هذا الحزب المحاصرعربياً وأميركياً، إلى حكومة يتلطى خلفها إذا ما اشتدت الضغوط الدولية عليه.

تشتد حاجة الحزب الى تشكيل حكومة بسبب حرصه على تولي وزارة الصحة، التي يشتد إصرار الحزب ،إثر ما يسميه “انتصاراً” في سوريا، على توليها دون غيرها، بعد ما عُرف عنه من زهد في تولي الحقائب الدسمة، وذلك لحاجته السالفة الذكر وحاجة راعيه الإقليمي إلى تنفيذ ما كان تمناه السفير الإيراني في بيروت محمد جلال فيروزنيّا أمام وفد إعلامي لبناني زارَ السفارة الإيرانية وشكر له فيروزنيّا الزيارةَ التي قامَ بها قبل نحو الشهر إلى إيران، واطلع خلالها على التكنولوجيا الإيرانية في مجال صناعة الدواء، مبدياً جهوزية بلاده لتزويد لبنان بالدواء الإيراني “الجينيريك” الرخيص.

وفي حال أردنا الإسراف في التفاؤل بإزالة كل العقبات أمام انطلاقة الحكومة العتيدة، فهل ستقبل الحكومة الأميركية باشتراك “حزب الله” فيها على رأس وزارة وازنة كوزارة الصحة، وخصوصاً مع فرض عقوبات جديدة على “حزب الله” ستزيد عزلته عالمياً وعزلة الأفراد والوكالات الحكومية والأجنبية التي تساعده، والتي وقَّع عليها الرئيس الأميركي دونالد ترامب في احتفال الذكرى الـ35 لتفجير مقر “المارينز” في بيروت، مذكراً بدور الحزب بالوقوف وراء هذا التفجير الذي راح ضحيته 241 جندياً أميركياً؟

يُضرب المثل بالنبي أيوب على شدة الصبر على البلاء والمصائب، ويبدو أن المتاعب سوف تكون قدراً دائماً يلاحق “أيوب” لبنان ولو بعد حين، ولو قام بتشكيل حكومته، فيا صبرك يا أيوب.

السابق
توقفوا عن إضفاء الطابع الرومانسي على صورة المحتج الفلسطيني – إنها ليست لحظة شعرية
التالي
زيارة نتنياهو إلى عمان: تمهيد إيراني للتفاوض حول العقوبات