حكومةٌ تقود مركبا مثقوبًا

أنظارنا تتجه بأمل محدود وترقب شديد بعد طول انتظار نحو ولادة الحكومة، سواء جاءت هذه الولادة عبر عملية قيصرية أم من خلال مخاض غير طبيعي.

قد يعتقد البعض أن أزماتنا المتشعبة المتجذرة المنسجمة مع روحية الفكر والسلوك القائمين، والمعمول بهما منذ زمن بعيد، ستنتهي مع توقيع رئيس الرئيس، وتسقط معها تاليا المتاريس وتنتهي المواجهات بين السياسيين “المتحاربين” ومن خلفهم جمهور كل فريق. هذه جزئية بسيطة من واقع نعيشه اليوم، أما الحقيقة، فهي تلك التي نحاول تجاهلها “بإنجاز” محدود، كعقد اتفاق تشكيل حكومة مارس بعض أطرافها ومكوناتها كل أساليب الهيمنة والتطرف، لرفع منسوب مكاسبهم الشخصية والفئوية على حساب الاستقرار العام ومفهوم الشراكة في الوطن.

إنما, وللأسف البلد يسير بالقطعة وليس كجسم واحد متماسك مترابط بكل أجزائه. نجاح قطاع ما بشكل نسبي  يقابله فشل في عدة قطاعات، ويتقاطع ويتلاقى النجاح والفشل على نتيجة واحدة، ألا وهي الإساءة إلى صورة لبنان.

إقرأ أيضاً: الإفراج قريبا عن الحكومة.. والعقدة الدرزية إلى الحلّ

تتحضر المؤسسات الخاصة مع بداية الصيف لموسم سياحي نشيط، يقابله الإعلام بحملة مركزة تعكس سوء مرافقنا السياحية، عدا عن الخطابات السياسية المتفلتة من أية ضوابط ومسؤولية، هذا على سبيل المثال وليس الحصر. أما نحن رُكاب المركب المثقوب الذي يغرق بنا تدريجياً وهو يدور حول نفسه دون غاية وهدف، فعلينا بطرح بعض الأسئلة حتى يتسنى لنا معرفة حدود غرقنا وما إذا كنا مقبلين على الغوص في أعماق أخطر. ماذا عن عمل الحكومة؟ وزرائها، كفاءاتهم، نزاهتهم، إنتماءاتهم، أمانتهم، شفافيتهم، حرصهم، صدقهم، إتزانهم، مساواتهم، حكمتهم.. ماذا عن روحية التعاون والانسجام فيما بينهم؟ ماذا عن الكيدية،الاستنسابية، الانتقام، التنفيعات، الإقصاء، الواسطات…؟ ماذا عن الأمن، الاقتصاد، الخدمات، المحاسبة، الإسكان، الفساد…؟ ماذا عن الدين العام وخدمته، العجز الدائم والمستمر، الخلل في الميزان التجاري، تصريف الإنتاج، الصناعة، الزراعة، السياحة…؟ ماذا عن مؤسسات الدولة؟ المطار، الجمارك، مصلحة تسجيل السيارات، الدوائر العقارية، الضرائب، القضاء، القوى الأمنية، الجباية…؟ ماذا عن ضمان الشيخوخة، مجانية الطبابة، مجانية التعليم وتوجيهه…؟ ماذا عن الكهرباء، المياه، الطرقات، زحمة السير، النفايات…؟ وغيرها الكثير الذي لا يمكن حصره واختصاره في بضعة سطور وكلمات.

تبقى الهواجس والمخاوف وحجم الأزمة أعمق بكثير من تفاهمات جانبية بين طرف وآخر ومكون وآخر،على الرغم من حاجتنا إليها، لأنها قد تساهم في حلحلة الخلافات، تقريب وجهات النظر وتحريك عجلة الحياة العامة.

إقرأ أيضاً: هل ضغط نصرالله على باسيل لتشكيل الحكومة؟

في المحصلة، لن يستقيم أمرٌ، ولن نأخذ اتجاهات ومسارات صحيحة صائبة ومؤدية نحو مستقبل أفضل لأولادنا إلا بإلغاء الطائفية السياسية، والخروج من ذهنية الفوز والخسارة، واعتماد الكفاءة والنزاهة والإنتاجية معياراً في العمل، وتفعيل الرقابة ورفع الغطاء عن أي مرتكب مهما علا شأنه.. حينها يُصبحُ لتشكيل الحكومة بعداً وحساً وطنياً آخر غير الذي نعيشه اليوم.

*رجل أعمال مغترب وناشط ومراقب سياسي

السابق
استراتيجية جديدة في سورية و«المحافظون الجدد» يعودون الى البيت الابيض
التالي
مبلغ علاج ميشيل حجل من السرطان تأمن.. وهذه رسالتها