الصحافي جمال الخاشقجي قتيل الكلام المستحيل

مات جمال الخاشقجي. تفرق دمه بين قبائل التوظيفات المفتوحة من تركيا إلى قطر والسعودية وأميركا وإيران.

يخبرنا هذا الموت أن الصحافي لم يكن حيا في يوم من الأيام، وكأن موته الدائم كان الصفة الوحيدة التي يحملها، والذي يمكنه من خلالها أن يحرس بعض كلامه.
ما حدث في قضية الخاشقجي كان تصعيدا سلبيا لناحية الحرص على حرمان الصحافي من حمل موته على نحو يربط بينه وبين كلامه ومعناه، إذ منحت الأنظمة نفسها الحق في التأويل، وبات الكلام لا ينسب إلى صاحبه بل إلى التأويلات الممنوحة له، والتي تجتهد في تضييع معناه.

اقرأ أيضاً: لغز الخاشقجي يعيد تأجيج الخلافات بين السعودية وتركيا

لم يقتل الخاشقجي لأنه كان معارضا لبلاده وسياساتها، فقد كان مصراً على نفي هذه الصفة عنه، وكانت جل كتاباته وتعليقاته تتجه الى الدفاع عن امتلاك الحق في الكلام، أي أن يكون صاحب رأي، وأن ينتسب إلى رأيه وحسب.
يدافع هذا النزوع عن فكرة الصحافة وعن الحق في الكلام عموما، والأرجح أن صاحبه كان يفترض أن دور الصحافي يتيح لمن يلعبه إنتاج الكلام والحق في امتلاكه، ويفترض أن هذا الحق لا يزال محفوظا ضمن دائرة الحقوق البديهية.
ما جرى أثبت أن الخاشقجي لم يكن على حق، وأن العالم ككل وليس أنظمة المنطقة وحسب تركب تصورا جديدا للصحافي، بوصفه كائنا لا يمتلك كلامه،وتكمن مهمته في تدمير وظيفة الكلام وتحويله إلى لغو.
من هنا وكي لا يموت الخاشقجي مرارا وتكرارا،علينا أن نصر على التأكيد أن هناك صحافيا قد مات بسبب كلامه وحسب، وأن قتله يضيّق مساحة الكلام هنا وهناك وفي كل مكان.

السابق
التسوية الرئاسية لم تحصن لبنان بل تنذر بانهياره
التالي
إيران تؤكد سيطرتها على القضاء العراقي وتعيد حليفها فالح الفياض الى مناصبه