التسوية الرئاسية لم تحصن لبنان بل تنذر بانهياره

علي الأمين
من دون العودة إلى الثوابت الأساسية للدولة، ومن دون قيام حياة سياسية على شرط السيادة والاستقلال فإن العجز لن يقتصر على عدم القدرة على تشكيل حكومة، بل سيكون كفيلا بالانهيار السياسي والاجتماعي.

ليس الخلاف على تشكيل الحكومة في لبنان هو بسبب تنازع على حصرية السلاح بيد الدولة أو عدم حصريته، ولا يتصل أيضا بمدى تطبيق سياسة النأي بالنفس تجاه الأزمات الإقليمية في العالم العربي أو عدم تطبيقها، ولا الخلاف هو على مطلب انسحاب مقاتلي حزب الله من الأراضي السورية أو عدم انسحابهم، فالحكومة التي ينهمك أطراف السلطة بحجز مقاعدهم في قاطرتها لم تقلع بعد، وعملية التأليف لم تزل عرضة لمطالب متنافرة في الحصص بين أطراف سياسية عدة، ورغم تصريحات التفاؤل التي أطلقت خلال الأشهر الخمسة الماضية من عمر التأليف، إلا أن عربة الحكومة لا تزال متوقفة من دون أي موعد نهائي، إمّا للتأليف وإما لاعتذار رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري عن استمراره في محاولات التأليف.

الانقسام والخلاف لم يعد متصلا بقضايا من قبيل ما رفعت قوى 14 آذار (التي كانت وتلاشت) من شعارات السيادة والاستقلال ووضع سلاح حزب الله تحت سلطة الدولة، أو ما كانت تعلنه قوى 8 آذار التي يختصرها فعليا حزب الله عن بقاء سلاح المقاومة ومنع المساس به حتى قيام الدولة العادلة والقوية، كما كان يردد مسؤولو حزب الله، رغم إدراك الجميع أن لا قيام لدولة قوية عادلة، مع بقاء ثنائية السلاح الشرعي وغير الشرعي، وثنائية الدولة والدويلة.

إقرأ أيضاً: هل تؤجل حرب التشكيلات المسربة تأليف الحكومة؟

لم تعد تلك القضايا هي ما يعيق تشكيل الحكومات، أو يؤخر تأليفها كما كان يحصل في السنوات السابقة ومنذ عام 2005، حيث كانت الجهود تنصب حينذاك، على إيجاد التسوية الملائمة لجميع الأطراف في صيغة البيان الحكومي، أما اليوم فلا الرئيس الحريري يطالب بحلّ لسلاح حزب الله ولا رئيس الهيئة التنفيذية في حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، يطالب بانسحاب حزب الله من سوريا أو تطبيق القرارات الدولية المتعلقة بهذا الشأن، رغم ذلك لم ينعكس هذا التنازل السيادي من قبل من كانوا ضمن الفريق السيادي في السلطة، أو ما كان يسمى قوى 14 آذار، تسهيلا لعملية إدارة شؤون الدولة وتأليف الحكومة.

يعلم الجميع أن ما سمي “التسوية” التي جاءت بالعماد ميشال عون رئيسا للجمهورية قبل عامين، تضمنت وضع الملفات الخلافية ذات البعد الإقليمي جانبا، أي سلاح حزب الله ومشاركته في الحرب السورية. وتم ذلك على قاعدة أن الخلاف حولها هو ما كان يعطل تسيير شؤون المواطنين، ولكن رغم تحييد هذه القضايا السيادية، بقي الحال على ما هو عليه، لجهة العجز عن تشكيل الحكومة، بل حتى في تسيير شؤون الدولة بالحد الأدنى من الحرص والكفاءة والمسؤولية، ومع تهميش العناوين السيادية برزت شراهة عالية لدى القوى السياسية في السلطة للاستحواذ على ما طالت أيديهم من المال العام.

إقرأ أيضاً: نزاع الصلاحيات يحتدم.. والتسوية الرئاسية في خبر كان

فعندما يتم تهميش الحياة السياسية في عناوينها الوطنية، أو يتم التواطؤ على تحييدها، كما حصل في لبنان مع وصول ميشال عون إلى رئاسة الجمهورية، تصاب الحياة السياسية بخلل جوهري، وتختل لصالح مسارات مختلفة في الصراع، يختصرها التنازع على الحصص سواء في الحكومة أو في ظاهرة التوظيفات غير القانونية وغير المبررة في القطاع العام، لتصبح المنافسة حول من يستطيع أن يدخل عددا أكبر من محازبيه أو أتباعه إلى الوظيفة العامة، ودائما مع تغييب معيار الكفاءة وعبر الإطاحة بمعيار المساواة بين المواطنين، وبتعزيز معيار المحسوبية في القطاع العام، الذي بات مثقلا بعشرات الآلاف من الموظفين غير المنتجين ومترعا بالفساد، ومكللا بالعجز عن القيام بدوره.

 

السابق
السيارات الكهربائية تنهي زمن الوقود الأحفوري
التالي
الصحافي جمال الخاشقجي قتيل الكلام المستحيل