قتل خاشقجي: خطأ سعوديّ قاتل… والتراجع يحمي المملكة

الرياض مطالبة اليوم بتوضيح شفاف لما حصل في القنصلية السعودية توضيح مطلوب لمؤيديها قبل معارضيها وأعدائها، وأن تبين مكانة المواطن السعودي في خططها: أيّ مواطن تريد؟

بعد اشتداد الصراع بين إيران والسعودية انحازت إلى السعودية نخب عربية عديدة، وتحديداً منهم نخب شيعية، وقفت إلى جانبها رغم الاعتراضات والملاحظات على السياسة السعودية.
وكذلك حين رفع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لواء الإصلاح عبر الحدّ من تجاوزات المؤسسة الدينية ودورها المقيّد للحياة الاجتماعية والثقافية، وصفّق كثيرون لخطوته السماح للمرأة السعودية بقيادة السيارة. وشكّلت المملكة العربية السعودية، ولا تزال، الملاذ الأخير للفصائل الفلسطينية حين يضيق الخناق عليها.
النخبويون وقفوا مع السعودية وغضوا النظر عن بنية النظام، وتأملوا بخطط التنمية التي تضمنتها خطة (2030) باعتبارها رافعة اقتصادية في العالم العربي وبما تحمله من مشاريع تنقل المملكة من دولة دينية تتكل على موارد النفط، إلى دولة منتجة للصناعة وتحمل العلم بدل النفط.
قتل صحافي ليس تفصيلاً في هذه الصورة الكبيرة. بل هو باب من أبواب الأمور المهمة التي ليست محل اجتهاد بل هي تعكس ما هو أبعد من جريمة قتل. هي دليل إلى علاقة بين السلطة  والشعب. فهل يمكن أن تكون نخب عربية، خصوصاً معارضة، في لبنان أو سوريا او اليمن أو العراق أو أيّ بلد عربي، على علاقة بالمملكة، في حال كانت هذه المملكة تضيق بصوت معارض، ومقيم خارجها، وسلاحه قلم فقط؟

وبلا تنميق، فإنّ الاعتداء على صحافي معارض، سلاحه القلم، مهما فعل، لا يمكن أن يكون مقبولاً، وإلا فنكون مطبّلين للقاتل، أيا كان، ومزمّرين للديكتاتور، ولا قيمة لمعارضتنا نظام القتل الأسدي في سوريا، ولا نظام الحرس الثوري المتهمون بقتل قادة ثورة 14 آذار في لبنان.
لا يمكن أن نسكت وإلا فسنكون مطبّلين ومزمّرين لحقّ خصمنا السياسي في لبنان بقتلنا في القريب العاجل أو البعيد الآجل.

اختفاء الإعلامي السعودي جمال خاشقجي، بعد دخوله القنصلية السعودية في اسطنبول، لا يمكن أن يمرّ مرور الكرام عند هذه النخب. لأنّ هذه القضية، بكل ما يحيط بها ولا يزال، كشفت وضع المواطن السعودي في المقبل من أيام النهوض الذي يتطلع إليه الكثيرون في خطوات ولي العهد ومشاريعه الكبرى. وهي كشفت أنّ النظام في السعودية ذاهب إلى مركزية سياسية حادة، تتعامل بذهنية التخوين والقمع مع كلّ مختلف في الرأي.

كان يمكن أن يكون الخبر الحقيقي وغير الملتبس أنّ جمال خاشقجي دخل إلى القنصلية السعودية وجرى تأمين كل الأوراق الرسمية التي طلبها وخرج من القنصلية من دون أن يتعرض لأي مساءلة. لكان شكل الخبر بذاته دليلاً على تساهل السلطات السعودية مع منتقدي سياستها، ولعبرت هذه السلطات عن رحابة في التعامل مع النقاش السياسي والتنوع من دون اكراه او فرض.
قضية الخاشقجي كانت امتحاناً للسلطة السعودية، وقد تكون فخّاً نصبته السلطات التركية لها ووقعت فيه. ذلك أن المعلومات التي سربها الاعلام التركي عن الطائرتين السعوديتين اللتين وصلتا الى إسطنبول وغادرتا في يوم اختفاء الخاشقجي، الى كل ما ورد من معلومات عن الفريق الذي وصل وغادر، وهو فريق امني سعودي بحسب الرواية التركية، يوحي، إذا صحّت المعلومات، وكأنّ السلطات التركية كانت على علم مسبق بما سيجري، وسهلت بطريقة وبأخرى مسار العملية الاجرامية المفترضة، لايقاع السعودية في الفخّ.

 

لقد وقع المخططون والمنفذون في الفخّ: فخّ عدم وعي أبعاد الحدث. وخصوم السعودية سهّلوا لهم تنفيذها للوقوع في هذا الفخّ. لكنه ليس فخاً من نوع الوقوع في الخطيئة السياسية، بل بمعنى الوقوع أمام سؤال حول أصل مشروعية النظام في علاقته مع الشعب السعودي.
فهل يريد ولي العهد السعودي، وهو ينتقل بالسعودية إلى مرحلة جديدة عنوانها الإصلاح والانفتاح، أن يحكم شعباً مكموم الأفواه؟
هي ليست خطيئة سياسية بل خطيئة بحق المشاريع الواعدة على المستوى السعودي والعربي على وجه العموم. من هنا قضية الخاشقجي وضعت المملكة على مفترق طرق، فقيادتها مطالبة اليوم بتوضيح شفاف لما حصل في القنصلية السعودية في إسطنبول وماذا جرى للخاشقجي، توضيح مطلوب لمؤيديها قبل معارضيها وأعدائها، وأن تبين مكانة المواطن السعودي في خططها: أيّ مواطن تريد؟ وعن أيّ مستقبل يتحدث النظام؟ وما هي صورته؟
لا شك أن الرأي العام الأميركي والغربي على وجه الخصوص، رفع إلى أعلى مستوى من الاهتمام قضية اختفاء او مقتل الخاشقجي.

إقرأ أيضاً: لماذا جمال خاشقجي؟

نعلم أن نظم الممانعة، ولا سيما النظام السوري على وجه الخصوص، قتل مئات الآلاف من الشعب السوري، وارتكب المجازر بمعونة حلفائه الإيرانيين وميليشياتهم وبمعونة روسيا. حلفاء النظام السوري غطوا جرائمه وعملوا على طمسها، لأن هذه الأنظمة ليس فيها رأي عام يحاسب ولا سلطات ديمقراطية تخضع له، فيما حلفاء المملكة هم، على وجه العموم، أنظمة ديمقراطية، لا تستطيع ان تتجاوز الرأي العام في دولها، من دون اضرار كبيرة. فالرئيس الأميركي دونالد ترامب على الأرجح يتمنى لو يستطيع أن يطوي قضية خاشقجي من دون أن يصيب علاقته بالقيادة السعودية أي اضرار. لكنّ واقع الحال يقول في الولايات المتحدة الأميركية أنه عاجز عن ذلك حتى الآن بسبب قوة الضغط الهائلة في الكونغرس ومن رموز الحزبين الجمهوري والديمقراطي، من أجل متابعة كشف القضية وصولا الى رفع سيف العقوبات.
إقتراحات بعض القريبين من ولي العهد بخيارات انقلابية في مروحة التحالفات السعودية في حال قررت واشنطن فرض العقوبات على الرياض، اقل ما يقال فيها أنّها دعوة للانتحار وإلى قتل السعودية. فالعلاقة الأميركية –السعودية علاقة وجودية للمملكة.
يكفي أن واشنطن تعرف كل اسرار المملكة العسكرية وهي التي سلّحت وتسلّح وتدرّب الجيش السعودي ومعظم القوات الأمنية، إلى غير ذلك من علاقات عميقة بين الطرفين. ربما ما قيل يأتي في سياق لجم الهجوم الأميركي الإعلامي والسياسي.

إقرأ أيضاً: اختفاء خاشقجي والحقيقة وتصفية الحسابات

قضية الخاشقجي سببت ضررا معنويا فادحا للسعودية، وهي تكشف عن خطيئة قاتلة ومميتة، ان لم تبادر القيادة السعودية الى التعامل مع تداعياتها بحكمة عالية، حكمة تواجه سياسة عدم النضج التي ورطت المملكة واسقطتها في فخّ لا يمكن الخروج منه بسهولة، من دون مبادرة من داخل السلطة، لتحفظ المملكة لشعبها، ولتبقى حصناً عربيا، وحاضنة لقضاياهم وعلى رأسها قضية فلسطين.

السابق
نحو تطبيق سياسات الشفافية في موضوع النفط
التالي
حين يصفعنا حسين بيضون بالرقة الممكنة