صرخة «قلم النهار» في وجه الأزمات !

مفاجأة فريدة من نوعها أحدثتها ثمان صفحات بيضاء هي أصدار عدد جريدة النهار رقم 26680) ليوم الخميس في 11 تشرين الأول 2018.

مفاجأة صدمت قراءها ومتابعيها وبل كل الجسم الصحافي، وكنت من اول الذين صدمهم الخبر وارتعبت منه، قلت لزوجتي ثمان صفحات بيضاء !! ما صارت بعد بالبلد، شو هالخبرية هل الوضع المالي هو السبب؟ هل نشهد بدء حلقات ألأنهيار الكامل للصحافة الورقية في بلد كان السباق في العالم العربي في نشر مهنة الصحافة الورقية.
لا شك أن وضع مهنة الصحافة مقلق في لبنان، ابتدأ من الوضع المالي وصولا الى طبيعة المهنة والمتغيرات التكنولوجية عبر الصفحات الأليكترونية التي أحتلت ساحة الرأي العام وجعلته قليل الرغبة كما السابق في أنتظار صدورالجريدة، ومع الوقت أخذ يفقد أكتراثه لأهميتها ولموادها الأخبارية .
حملت كاميرتي على عجل،عند الحادية عشرة والنصف موعد المؤتمر الصحافي للسيدة نايلة تويني. جميع اقنية الأعلام المرئي اللبناني والعربي والأجنبي نصبت كاميراتها في الطابق السادس من مبنى النهار وسط بيروت. قليل جدا جدا من “محرري الصحافة الورقية ” تواجدوا، كأن بياض النهار لا يعنيهم
السؤال ” الملك ” : ما هو السبب لصدور ثمان صفحات بيض لجريدة مميزة مثل النهار ؟. شو السبب ؟. الزملاء في النهار لا يملكون الجواب .. ” والله ما منعرف تفاجئنا مثلكم”، لكن بعضهم قد يكون يخفي الجواب في “عبه”. الجواب ستسمعه من السيدة تويني، هي رئيسة التحرير والمخولة وحدها الأفصاح عن الأسباب الحقيقية، وذلك في المؤتمر الصحافي بعد قليل. تجولت مع كاميرتي كاللص بين مكاتب الزملاء بحثاً عن بعض المعلومات التي تشفي فضولنا المهني.
تأخر أنعقاد المؤتمر قليلاً!. اين السيدة نايلة ؟، في مكتبها مع هسئة التحرير بأنتظار أنتهاء رئيس الجمهورية من القاء كلمته في مؤتمر الفرنكوفونية. نحن العشرات من الأعلاميين والصحافيين ننتظر في قاعة التحرير المركزية للصحيفة ذات التاريخ العريق في مهنة المتاعب، نأخذ أماكننا ونحترق في أنتظار أنعقاد المؤتمر . وزملاد الأعلام المرئي يكاد ينفذ صبر انتظارهم. وكل شيء جاهز لأطلاق صفرة ال ” لايف ” . الجميع بأنتظار ” ملك الملوك وسوبرمان العصر ولهلوبة الجماهير اللي اسمه ” لايف Live “.وحضرة ال ” لايف ” وحده يقفل افواه الجميع . واذا بالغلط عطست يأتي الصراخ من عدة جهات .. ولو طالعين لايف!!!.
دقائق ودخلت السيدة نايلة تويني قاعة التحريرمتجهة نحو منصة الميكروفات، بهدوء المنتصر واثقة من القرار الذي أتخذته مبتسمة ومرحبة بالحضور، وفي يديها العدد الأبيض ” نهار أبيض بوجه الظلمة”. والى جانبها هيئة تحرير الجريدة ومدير عام وزارة الأعلام حسان فلحة ومدير عام تلفزيون ” MTV” ميشال المر، محاطين بأسرة الجريدة. وفي هذه الأثناء الرئيس مازال على المنصة الفرانكوفونية ، لا يهم. دقائق وينتهي الجميه يتمنى ان تنتهي كلمة الرئيس ، ما يعنيهم هنا في الطابق السادس وليس في العاصمة الأرمنية. قرابة عشرة دقائق والجميع نظرة الى الشاشات ونظرة يالى الميكروفات. تنفس الجميع الصعداء الرئيس أنتهى صرخ الجميع، انتهاء كلمة رئيس الجمهورية. أبتسمت أخيراً رئيسة مجلس ادارة جريدة “النهار” رئيسة التحرير نايلة تويني وبدأت مباشرة بألقاء كلمتها حيث جاء فيها : “ان صدور الجريدة اليوم بلون أبيض، هو لاطلاق شعار “نهار ابيض في وجه الظلمة”، وقالت: “هي لحظة تعبير عن دورنا الاخلاقي والعميق بالمسؤولية تجاه وضع البلد”.وقالت: “لم نقصد أن نوحي باليأس، بل للتأكيد بان صفحاتنا هي صفحات الشعب ومساحة تعبير مفتوحة لأوجاعه”.

إقرأ أيضًا: صحيفة «النهار» بصفحات بيضاء.. إنذار أو إقفال نهائي؟!

واكدت أن “صحيفة النهار بألف خير ومستمرة ورقيا والكترونيا، لكننا نريد أن يكون بلدنا بألف خير”. وقالت: “أطلقنا اليوم شعار “نهار أبيض بوجه الظلمة” ونتمنى أن يكون هذا الإصدار نقطة تحول وناقوس خطر تجاه الأزمات، وندعو المسؤولين لتشكيل الحكومة في أسرع وقت”..
وحال أنتهاء المؤتمر الصحافي و” لايف ” فك أسر الجميع، حتى بدأ سيل الأجابات . ليس الوضع المالي للجريدة هو السبب!!!. وليس مسألة الحياة والموت التي تعيشها الصحافة الورقية هي السبب. بعضهم قال انها ” صرخة سياسية” في وجه السلطة ومنهم من أعتبرها دعوة الى حل أزمة تأليف الحكومة، ومنهم من أصر انها ليست في وجه رئيس الجمهورية بل في وجه كل الأزمات السياسية ويعني بوجه كل الطاقم السياسي. ومنهم من أعتبرها تقليد النسخة الأوكرانية التي حدثت من سنوات وكانت النتيجة ان كل الصحافة هناك تضامنت مع بعضها واصدرت لمدة تزيد عن الشهرين جميع صفحاته بيضاء. ومنذ سنة ايضا فعلتها احدى الصحف في القاهرة واليوم تبنتها جريدة النهار لأول مرة في لبنان.
زميل مخضرم اطلعني خلال تغطيته للمؤتمر، أنه لاحظ عدم وجود رؤوساء تحرير صحف أخرى في المؤتمر، وكأن النهار تركت لوحدها في محاولة منها لتسجيل تميزها وتعمل “سكوب”. مما اغضب باقي الزملاء ومنعهم من الحضور. وبسؤال لأحد أعمدة التحرير في النهار حول هذه الرأي كان الجواب غلط منا على الأقل كان يجب ان ندعو نقيب الصحافة. لكن كما بدا لي ان النهار ارادت “السكوب” لها وحدها.

إقرأ أيضًا: «النهار» تحتجّ وتكتب عن وجع اللبنانيين بصفحات بيضاء

قرار مثل سيف بحدين. قد تكون هي عبارة اعلان استسلام الصحافة الورقية تحت ضغط الآزمات الساسية وعدم قدرتها على المواجهة. اومحاولة لأعادة انعاش العمل الصحافي واعادته الى مساره الطبيعي في مراقبة عمل السطة والنهي عن الأخطاء. أضاف لكنني أقرب الى الأعتقاد بأنها ستكون ضربة خفيفة وطائشة لكرة ” البينغ بونغ” في الجدار الكبير الصلب لسلطة المذاهب والأمتيازات التي لا تقهر وصرخة لمناد في واد.

السابق
الشيخ محمد حسين الحاج لـ«جنوبية»: المثلية رغم انتشارها عدوة الشرائع الدينية
التالي
اعتدال إيران من العراق إلى لبنان!