لماذا جمال خاشقجي؟

جمال خاشقجي
هذا السؤال هو أول ما يتبادر إلى الذهن في هذه القضية المأساوية، وهو سؤال يكتسب مشروعيته من أن خاشقجي لم يكن معارضاً بمعنى أنه يعارض النظام السعودي كنظام.

نعم هو معارض لبعض سياسات هذا النظام وهذا حق من حقوقه البديهية ثم أنه كاتب رصين ويختار كلماته بعناية وليس من نوع الكتاب الغوغائيين الذين يطلقون الإتهامات جزافا. إضافة إلى أن هناك معارضين سعوديين شرسين للنظام منذ زمن طويل كسعد الفقيه ومحمد المسعري وغيرهم ولم يتعرض لهم أحد بهذه الشراسة والطريقة.

يبقى لمحاولة الإجابة على هذا السؤال أن يعود المرء والمتابع إلى تاريخ جمال خاشقجي . فهذا الصحافي والكاتب السعودي ليس غريبا عن النظام بل هو كان أحد أصواته على مدى ما يقرب من ثلاثين عاما عبر توليه رئاسة تحرير عدة صحف سعودية التي هي في الواقع صحف رسمية تابعة للنظام .

كما أنه كان قريبا جدا من العائلة الحاكمة طيلة هذه المدة ولعل من أهم ما تولاه من مناصب هو منصب مستشار الأمير تركي الفيصل رئيس الإستخبارات السعودية السابق وسفير السعودية السابق في كل من لندن وواشنطن . كما أنه كان مقربا من الوليد بن طلال الذي أوكل إليه تأسيس فضائية العرب على مدى خمس سنوات والتي بثت ليوم واحد فقط من البحرين قبل أن تتوقف بطريقة غريبة وغير مفهومة.

إقرأ أيضًا: من هو جمال خاشقجي؟

نعم جمال خاشقجي كان إبن النظام وكما يقال بالعامية من “عظام الرقبة” قبل تولي محمد بن سلمان السلطة في المملكة والبدء بما أسماه “إصلاحات” وهي التي يبدو أنها لم تشمل الإعلام السعودي لدرجة تسمح ببعض الحرية في نقد الأوضاع لصحفي مثل جمال خاشقجي يعتبر نفسه محصنا كونه من الموالين للنظام والعائلة المالكة فكان أن أُوقف عن العمل ومُنع من الكتابة وحتى التغريد ما دفعه بطبيعة الحال لمغادرة بلاده قاصدا الولايات المتحدة في منفى طوعي بحثا عن مكان يعرض فيه آرائه بحرية وليس بهدف معارضة النظام كما أوضح عدة مرات حيث كان يرفض إعتباره معارضاً وكان ان وجد الفرصة للكتابة في جريدة عالمية ذائعة الصيت كـ “الواشنطن بوست” وهي ليست جريدة عادية كما هو معروف فهي صحيفة قريبة من دوائر القرار في أميركا ويحسب لها ألف حساب وهي الجريدة التي كانت وراء كشف فضيحة ووترغيت ما ادى للإطاحة بالرئيس الاميركي نيكسون أواسط سبعينات القرن الماضي.

ومما لا شك فيه أن كتاباته ومحاضراته في أميركا كانت تجد صدى لدى الأميركيين نظرا لرصانته وقدرته على إيصال أفكاره بطريقة سلسة مدعما بمصداقية عالية كونه كما قلنا أحد أصوات النظام السابقة والذي لا شك لديه دراية بطبيعة عمل هذا النظام . فهل راح جمال خاشقجي ضحية هذه الدراية والمعرفة والأسرار التي قد يكون يعرفها مما لا يمكن لأي نظام من هذه الأنظمة العربية المستبدة تقبله أو تحمله من كاتب كجمال خاشقجي يعرض أفكاره في صحيفة كبيرة ومهمة ويمكن القول خطيرة كـ “الواشنطن بوست”؟.

إقرأ أيضاً: من هي خديجة خطيبة جمال خاشقجي؟!

أم أنّه ذهب ضحية صراع داخلي بين حرس قديم ينتمي إليه خاشقجي وقد يكون ممثلا له في أميركا وبين حرس جديد لا زال يسعى لتوطيد سلطته وتثبيتها في ظروف داخلية وإقليمية ودولية ضاغطة ؟ طبعا لا يمكن الجزم بهذا ولكن يبقى الأمر مطروحًا. على أمل ولو ضئيل بأن تصل هذه القضية إلى خاتمة سعيدة تحفظ للكاتب حياته ؟!! وللسعودية صورتها وسمعتها وتبعد عنها كأس الأزمات من هذا النوع التي يرى فيها أعداءها وخصومها فرصة للنيل منها وإستنزافها سياسيًا وماليًا.

السابق
الحريري لتعديل التشكيلة الحكومية…وباسيل يتشبث بـ«معاييره»
التالي
عادل عبد المهدي بين التسوية المؤقتة والتوازنات الصعبة