مأزق الإعلام اللبناني بين التمويل والتضليل

صحف ورقية
ضجت الأوساط الإعلامية والصحفية والسياسية وكذلك وسائل التواصل الإجتماعي الأسبوع قبل الماضي بما قاله سالم زهران "الإعلامي ومدير مركز الإرتكاز الإعلامي" كما يطلق عليه، بحق أمير الكويت وعلاقته بأميركا. وقبلها نشرت وسيلة إعلامية تصريحًا لأحد الأشخاص إدعى فيه بكل وقاحة وصفاقة وعنصرية بغيضة بأن تواجد اللاجئين السوريين في لبنان هو أحد أسباب تفشي مرض السرطان في لبنان. وقبلها قيل الكثير الكثير من غالبية الوسائل الإعلامية المرئية والمسموعة والمكتوبة سواء في الصحف أو في المواقع الإلكترونية.

الواقع أنّ هذه الممارسة الإعلامية غير السليمة تطرح وبإلحاح مأزق الإعلام اللبناني بشكل عام الذي يعاني بجميع قطاعاته من نفس المشاكل والتحديات وإن بنسب متفاوتة تمثلت بالإختفاء “القسري” لبعض الصحف بعد تاريخ طويل وعريق كجريدة السفير مثلا وكذلك جريدة الإتحاد التي كانت تطمح للحلول مكانها فكان أن إنتهى مشوارها قبل أن يبدأ . وإذا أردنا الحديث عن الصحافة المكتوبة بإعتبارها الأساس وبأنها كانت السباقة والرائدة في العالم العربي مع الإعلام المصري وإلى حد ما وفي مرحلة لاحقة الكويتي ، فنقول بداية بأن لا أحد ينكر تأثير الإنترنت والصحافة الإلكترونية على صناعة الصحف الورقية والتسبب في بعض مشاكلها ولكن في الحالة اللبنانية لم يكن هذا الأمر ليترك كبير اثر لو ان هذا القطاع كان محصنا بما فيه الكفاية مهنيًا وأخلاقيًا. سأحاول أن لا أكون قاسيا في تشريحي للواقع الإعلامي في البلد لكن لا بد من القول أن إعلامنا إعتمد منذ بداياته على التمويل الخارجي وكان للأسف الشديد كسياسيينا وأحزابنا ناطقا بإسم الآخرين على أرض لبنان وقد ساهم هذا الإعلام بجعل لبنان شرفة للإيجار لكل طامح من زعماء المنطقة ليطل منها على الآخرين ولا ننسى هنا الجملة الشهيرة للرئيس اللبناني السابق شارل حلو وقد كان هو بدوره صحافيا لامعا عندما أستقبل بعض كبار الصحفيين بقوله أهلا بكم في وطنكم الثاني لبنان.

واليوم ومع إتساع المجال والفضاء وتعدد وسائل الإعلام لتصبح مرئية ومسموعة ومواقع إلكترونية متعددة نسارع ونقول ان من حق كل طرف في الحياة السياسية ان تتاح له الفرصة لعرض افكاره ورؤاه السياسية على المتلقين من اجل تكوين رأي عام مساند ولكن هذا الحق يقف عند حدود إحترام حق الآخرين في التعبير عن رأيهم أيضا وعند حدود الموضوعية بالطرح وفصل الخبر وتداعياته عن الرأي السياسي لصاحب الوسيلة الإعلامية أو رأي مموليه وهذا ما ليس موجودا للأسف الشديد ما جعل بعض إن لم نقل الغالبية العظمى من وسائل إعلامنا متاريس سياسية وطائفية وحتى مذهبية تضليلية الأمر الذي أدى لفقدان الثقة بهذه الوسائل وباتت مدعاة سخرية وإحتقار وإستهجان على وسائل التواصل الإجتماعي “ولا داعي لذكر الأسماء” ولا سيما ان الشعب اللبناني مر بتجارب وحروب مريرة إكتسب خلالها معرفة ودراية بما يدور في كواليس السياسة والإعلام في لبنان لدرجة أن أصغر مواطن لبناني يعلم مصادر تمويل اي حزب أو أي وسيلة إعلامية في لبنا.

إقرأ أيضًا: «الجزيرة» وإيران في عالم الإعلام: من العداء إلى الممالأة

طبعًا هناك أيضًا بعض الأسباب الأخرى التي أثرت وتؤثر في الموضوع ولكنها في النهاية هي نتاج مجتمع بات مفككا وتائها بلا هوية نتيجة الصراعات المتتالية على مدى اربعة عقود من الزمن وباتت القراءة والثقافة عموما بالنسبة إليه مصدرا للسخرية للأسف الشديد لدرجة أن الصحف بدأت بإغلاق نوافذها الثقافية بدايةً ولم يتأثر أو يتحدث بالأمر سوى القليل من المثقفين.

كل هذا الواقع بالإضافة إلى الطفرة الإعلامية الخليجية التي باتت تعتمد على نفسها وتستعين بأحسن الخبرات اللبنانية والعربية بسبب من طفرتها المالية وهو الأمر الذي لم يتعامل معه الإعلام اللبناني بجدية وذكاء لكي يطور من نفسه ويتجدد لكي يواجه التحدي بل راح بعض أصحاب الوسائل الإعلامية اللبنانية بإستغلال الدعم والتمويل الخارجي لتأمين أنفسهم ماديا وما هذا إلا لأنهم إتخذوا الصحافة كتجارة وليس كمهنة مؤثرة ببناء رأي عام واعي ومتحضر وهو ما أوقع المهنة اليوم والمنتسبين إليها من الصحفيين والموظفين المحبين لمهنتهم والمخلصين لها في مشاكل وكأني بهذا الوسط يعاني اليوم من واقع ساهم هو في صناعته عبر كل ما تقدم.

إقرأ أيضًا:معاناة الاعلاميين تتعاظم في «اليوم العالمي لحرية الصحافة»..

فالتضليل والتعتيم والتجييش العاطفي البعيد عن العقلانية والتلاعب بعقول الناس وتخريبها خدمة للممولين وطمعا في دعم مالي أكبر أدى إلى ما نحن عليه اليوم من عدم متابعة للصحافة والإعلام بشكل عام وخاصة السياسي منه بعد أن تحولت بعض الصحافة المكتوبة إلى نشرات حزبية وبعض المحطات إلى كباريه ، والإكتفاء بالقراءة السريعة عبر الهواتف التي باتت أذكى من حامليها… وليسمح لنا “أباطرة ” الصحافة والإعلام اللبناني بالقول على نفسها جنت براقش..

وبات الإعلام والإعلاميين “إلا من رحم ربي” توأما للسياسة والسياسيين في سوء السمعة والفساد والتضليل وإثارة النعرات وإذكاء نار الفتنة وما وجود هذا “الإعلامي” المذكور أول الحديث وتربعه الدائم على الشاشات مع غيره من “قبابيط” الإعلام في الوقت الذي يُغَيَّب فيه بعض كبار الإعلاميين الموضوعيين على قلَّتهم إلا دليلا ساطعا على ما نقول . ويبقى السؤال هل الإعلام هو من ساهم في وصول البلد إلى ما وصل إليه، أم أن الظروف السياسية والحرب التي مرت ولم تزل مستمرة” وإن بوسائل أخرى  والملاحقات ضد الإعلام والإعلاميين ومحاولة تدجينهم خاصة في زمن الوصاية هي من جنى على الإعلام وأهله ؟ في النهاية نقول أن الإصلاح وكما هو مطلوب في السياسة مطلوب أيضاً في الإعلام وفي كل مجالات حياتنا كي نعيد بناء أنفسنا وبالتالي وطننا ونستعيد مكانتنا بين الأمم ولكن لا إصلاح بدون إصلاحيين فهل نعيش إلى يوم نراهم وقد تجسدوا أمامنا بشرا؟ نأمل ذلك.

السابق
قَدَرُ العرب
التالي
عن القبح الذي تربّع على عرش «الجمال»