رد لبنان على الابتزازات الإسرائيلية حول سلاح حزب الله

شكلت اتهامات نتانياهو والخريطة التي عرضها عن نصب حزب الله لقواعد صاروخية في الاحياء السكنية في الضاحية الجنوبية، وإقامة مصنع لتطوير الصواريخ العالية الدقة على مقربة من مدرج مطار بيروت الدولي اتهاماً خطيراً لتقاعس الدولة اللبنانية في ممارسة وظائفها الأساسية، وخصوصاً دورها في تأمين السيادة الوطنية وحماية مواطنيها. في رأينا لم تكن هذه الاتهامات بدلالاتها السياسية والعسكرية موجهة ضد حزب الله، بل هي موجهة الى الدولة اللبنانية بكامل سلطاتها، وذلك من خلال اتهامها بالتخلي عن دورها كضامن للأمن والاستقرار في ضاحية العاصمة الجنوبية، وبالقرب من أهم مرفق وطني كمطار رفيق الحريري. وتشكل هذه الاتهامات للدولة اللبنانية نقطة بداية لسياسة إسرائيلية ضاغطة ضد لبنان، وهي تهدف في نهاية المطاف الى تحويل لبنان الى جزء من المواجهة المفتوحة التي تضطلع بها إسرائيل مع ايران في مسرح العمليات السوري.
سوّقت إسرائيل في البداية لعملياتها في سوريا على انها تستهدف قوافل ومخازن عائدة لحزب الله، وبأنها تسعى لتدميرها قبل نقلها الى لبنان. ولذلك يمكن النظر الى الاتهامات التي سوقها نتانياهو من على منبر الجمعية العمومية للأمم المتحدة بانها استكمال للاستراتيجية الإسرائيلية المطبقة في سوريا، وبأن توقيتها قد جاء رداً على ما صرح به السيد حسن نصرالله في خطابه في اليوم العاشر من احتفالات «عاشوراء» بأن الحزب بات يملك كل ما يحتاجه من الصواريخ الدقيقة وغير الدقيقة»، وذلك بالرغم من كل محاولات إسرائيل الفاشلة لمنعه من تطوير قدراته الرادعة.

يبدو بأن المواقف التصعيدية التي ساقها نتانياهو ضد لبنان وحزب الله تنطلق من تقييمه بأن حزب الله وسوريا، وبمساعدة من ايران قد امتلكا قدرات صاروخية عاليه الدقة وقادرة على ضرب كل البنى الإسرائيلية الهامة، وعلى تعطيل الحياة داخل المدن الرئيسية، بالإضافة الى سعي ايران لتحويل سوريا الى قاعدة عسكرية تهدد امن إسرائيل، وتدعم جهودها للسيطرة على الدول المحيطة. لكن يبقى السؤال الملح حول الاستراتيجية التي يمكن ان يعتمدها نتانياهو لمواجهة المخاطر في ظل المتغيرات العسكرية الراهنة، التي عبر عنها السيد نصر الله ومع تجهيز القوات السورية بشبكة صواريخ S300 القادرة على التصدي للطيران الاسرائيلي وعلى تغطية الجزء الأكبر من الأجواء اللبنانية.

إقرأ ايضًا: سجال لبناني – اسرائيلي حول صواريخ حزب الله: هل تندلع الحرب؟

لا بدّ ان تدرك القيادة الإسرائيلية بأن استمرار التصعيد ضد لبنان سيؤدي في نهاية المطاف الى الدفع نحو حرب جديدة، لكن هذه الحرب لن تكون كتلك التي واجهتها عام 2006، خصوصاً بعد امتلاك حزب الله لصواريخ دقيقة تغطي كامل الأراضي الإسرائيلية، بالإضافة الى ان الحرب المقبلة ستكون أوسع من الحرب السابقة مع إمكانية ان ينضم اليها لاعبون جدد، وفق ما صرح به السيد نصر الله في حزيران 2017 بقوله «إذا شنت إسرائيل حرباً ضد لبنان او سوريا فان عليها ان تدرك بأن القتال لن يقتصر على الإسرائيليين واللبنانيين او سورياً واسرائيل، بل ستفتح الباب لآلاف المقاتلين من الدول العربية والإسلامية للمشاركة فيها».
تدرك جميع القيادات الإسرائيلية استحالة السيطرة على نتائج الحرب المقبلة على الداخل الإسرائيلي بالإضافة الى صعوبة خوض معركة حاسمة ضد حزب الله، ولذلك فان الواقعية السياسية ستدفع هذه القيادات الى قبول المخاطر بمستوياتها الراهنة، واستبعاد الدفع نحو الحرب. ولكن الواقعية والعقلانية السياسية لا تحقق الضمانة الكافية لعدم اندلاعها، حيث علمتنا الأيام بان حرب 2006 والحرب على غزة عام 2014 قد اندلعتا دون وجود نوايا مسبقة لدى الافرقاء.

يدعو التصعيد الإسرائيلي الراهن ان يبادر لبنان الى مواجهته بجدية وبواقعية سياسية. حسناً فعل وزير الخارجية جبران باسيل بدعوته للسلك الديبلوماسي الى مؤتمر صحفي، تبعته زيارة ميدانية الى المواقع التي أشار اليها نتانياهو في اتهاماته لكن ذلك يبقى دون المستوى المطلوب، خصوصاً وأن هذه الحملة على لبنان تأتي في وقت تسعى فيه الإدارة الأميركية والكونغرس الى ممارسة اقسى الضغوط ضد حزب الله، والدولة اللبنانية.

تستدعي مخاطر المرحلة ان تبادر القوى السياسية اللبنانية الى تسريع تشكيل الحكومة، والدعوة الى توحيد الموقف لمواجهة التهديدات. ويبقى من الضروري أن يدعو رئيس الجمهورية لاجتماع طارئ لمجلس الدفاع الأعلى لإدانة مواقف نتانياهو، واتخاذ قرار بالتقدم بشكوى الى مجلس الامن الدولي واطلاق مبادرة ديبلوماسية باتجاه عواصم القرار ودعوتها للوقوف الى جانب لبنان في مواجهة هذا الابتزاز الإسرائيلي الذي سيؤدي اذا ما استمر حتماً الى حرب مدمرة. ولا بد في هذا السياق ان يصدر مجلس الدفاع الأعلى اعلاناً جديداً يؤكد على النأي بالنفس، ورفض تحويل لبنان الى جزء من مسرح العمليات السوري، بالإضافة الى التشديد على رفض لبنان للابتزاز الإسرائيلي باستهداف بناه الأساسية وفي مقدمتها المطار الدولي.

السابق
من هو عادل عبد المهدي رئيس الوزراء العراقي الجديد
التالي
السيد محمد حسن الأمين: الشيوعية سقطت بسبب عدائها للحرية والغائها للفرد