السيد محمد حسن الأمين: الشيوعية سقطت بسبب عدائها للحرية والغائها للفرد

السيد محمد حسن الأمين
أحيت روسيا قبل عام من دون احتفالات كبرى الذكرى المئوية لثورة اكتوبر 1917 التي شكلت زلزالا سياسيا هائلا في القرن العشرين، وذلك حتى سقوط الاتحاد السوفياتي عام 1990 وتفكّكه تحت وطأة الحرب الاقتصادية الباردة التي شنها عليه الغرب بقيادة الولايات المتحدة الاميركية.

يقول سماحة العلامة المفكر الاسلامي السيد محمد حسن الأمين: “كان سقوط الدولة الكبرى الاتحاد السوفياتي حدثاً مدوياً في أواخر القرن الماضي، وكان هذا السقوط مدار اهتمام وجدل ونقاش حول الموضوع الأساسي وهو النظرية الماركسية ومدى صلاحيتها للاستمرار كعقيدة وكمنهج سياسي واقتصادي. وفي الواقع فإن جميع من تناولوا هذا الموضوع أقروا بأن هناك ثغرة كبيرة في طبيعة هذا النظام وإن كان البعض ما زال متمسكاً بإمكانية إحيائه، ومن وجهة نظرنا فإن هذه المرحلة في تاريخ العالم ما هي إلا مرحلة محدودة ومرتبطة بنظرية هي الأخرى محدودة، دون أن يعني ذلك أن الماركسية ليست منهجاً اقتصادياً وفلسفياً، إلا أنه منهج تنقصه عوامل أساسية أحدها الموقف من الدين وثانيهما الموقف من الحرية، لذلك فهو نظام يتنافى مع حياجات الإنسان الجوهرية في التماهي بين الحرية والدين كما ذكرنا.

اقرأ أيضاً: السيد محمد حسن الأمين: السلطة الإسلامية لا تأخذ شرعيتها من رجال الدين

ويشرح السيد الأمين” لقد كانت الوعود التي قدمها النظام الماركسي أشبه باليوتوبيا لجهة تحقيق العدالة بين بني البشر، ولكنها العدالة التي تقوم على سيادة طبقة وحيدة في المجتمع هي الطبقة العاملة، وهذا مقتل من مقاتل أصاب هذا النظام، فالاشتراكية لا يمكنها أن تمحو الفروق الاجتماعية والاقتصادية وأن تلغي المبادرة الشخصية في عملية البناء والتطور، وإن بلداً يساوي بين أفراد مجتمعه بغض النظر عن الحروب التي تقوم بين هؤلاء الأفراد لا بد له أن يصطدم بحقيقة إنسانية كبرى وهي طبيعة الحياة التي تتضمن التنافس بين الأفراد وحرية الخيار في اختيار المنهج الذي يرتضيه الفرد لنفسه فلا مساواة بين من يملك إمكانات عسكرية كبيرة وبين من يملك اليد العاملة فحسب، وموضوع الحرية موضوعاً أساسياً، فلا تقدّم ولا حضارة دون توفّر الحرية للكائن الإنساني، ومن العجيب أننا لا نرى في أدبيات الماركسية كلمة تتصل بالحرية باستثناء النصوص التي توحي بأن الحرية هي صفة المجتمع البرجوازي، مقابل التمجيد بدكتاتورية البروليتاريا (الطبقة العاملة)، وغفلت الماركسية أن جميع الطبقات في المجتمع هي بحاجة بصورة متساوية لحق الحرية، وهذا ما كشفته بعض الأدبيات التي صدرت من معارضين للنظام الشيوعي من قبل مفكرين وفلاسفة مما أدى إلى توقع انهيار هذا النظام”.

ويتابع “لقد أشرنا إلى أن سبب سقوط هذا الكيان بالإضافة إلى العوامل الاجتماعية والاقتصادية هو الموقف من الدين، فلا شك أن المتدينين يرفضون هذا الموقف المتكبر على الدين ولاعتباره بحسب الماركسية “أفيون الشعوب”، كما ذكر ماركس في كتاب “رأس المال”، ولكن ماركس كان مخطئاً لا في نظريته كما هي قائمة في بعض الديانات، وإنما لأنه جعل مبدأ الدين مجالاً للرفض وليس المؤسسات الدينية، فنحن لا نخالف الماركسية في موقفها من الدين حين يساء استخدامه، وهذا شأن لا يتصل بالدين فحسب، فهناك استخدام للقيم والمبادىء الإنسانية ونحن ندين سوء الاستخدام هذا كما ندين استخدام الدين أيضاً لمثل هذه الغايات التي تهدف إلى السيطرة على الاجتماع وبإسم الدين وهيبة الدين في نفوس المؤمنين، يبقى أن ماركس أصاب جزءاً من الحقيقة حين اعتبر الدين أفيون الشعوب نظراً لسلوك المؤسسات الدينية في عصره وفي القرون الوسطى، فلو اكتفى ماركس بإدانة الكنيسة والمؤسسة الدينية، لكان الأمر هيّناً ولكنه جعل الدين كله مادة نقد ونفي كامل مع العلم أن ماركس هو عالم اقتصاد وليس فيلسوفاً إلا بحدود “النظرية الجدلية” التي سبقه إليها الفيلسوف الألماني “هيغل”، واعتبر أنه جاء بشيء جديد عبر عنه ماركس بأن “أي هيغل” أوقف الفلسفة على رأسها بنظرية الجدلية المثالية، وأنه (أي ماركس)، جاء ليوقف الفلسفة على رجليها”.

اقرأ أيضاً: السيد محمد حسن الأمين: الديموقراطية تقتضي انبثاق وعي اسلامي جديد

ويستنتج السيد الأمين انه “تحت تأثير هذه العوامل وغيرها وتقدم المجتمعات الرأسمالية تقدماً كبيرة وهي التي اختارت الحرية دون أن يؤثر هذا التقدم على العدالة الاجتماعية، فقد ظهر ان مبدأ النظام الشيوعي أنه عاجز أن مجاري هذه الرأسمالية التي تنبأ بسقوطها، ولكن الذي سقط لاحقا هو الشيوعية نفسها وليس الذين تنبأت لهم الشيوعية بالسقوط،، فقد تبيّن ان استيلاء الطبقة العاملة على السلطة من قبل الحزب الشيوعي ما هو الا واجهة لاحتكار المنافع والمكاسب من قبل قادته، وحصرها في الجماعة القليلة إلى تنتمي للحزب، مع أن المفروض هذا الحزب جاء ليحرر الشعب الروسي وليس لاستغلاله والحكم عبر دكتاتورية بإسم العمال”.

أما الوضع الحالي بعض سقوط النظام الشيوعي فيقر السيد الأمين ” أن هناك ثغرات كبيرة في النظام العالمي الجديد القائم على الليبرالية، وأن هذا النظام يكرر أخطاء النظام السابق في السعي إلى الهيمنة والسيطرة على الشعوب”.

السابق
رد لبنان على الابتزازات الإسرائيلية حول سلاح حزب الله
التالي
منى ابو حمزة لبولا يعقوبيان: كرامتك من كرامة كل إمرأة.. ومن كرامتي!