عندها هرب شيعة جبل عامل من بطش الجزار ولجأوا إلى منطقة النبك في القلمون السوري ومنهم من لجأ إلى مناطق طرابلس بعدما أخفوا هويتهم الحقيقية عن أهل تلك المناطق مدعين أنهم عشائر مهاجرة. ولا تزال المنطقة التي سكنوها في طرابلس تحمل إلى اليوم الإسم نفسه الذي أطلق عليها عندما سكنها مهجروا شيعة جبل عامل، وهو “دار العشائر”، بينما سبى الجزار عددا كبيرا من بنات شيعة جبل عامل وصار يبيعهن بأثمان زهيدة في حيفا ومناطقها.
لم يتدخل وقتها أحد من الذين كان “ناصيف النصار” يتحالف معهم ويشاركهم حروبهم ضد خصومهم، فتركوه وشعبه وحيدين ليلاقوا مصيرهم البائس المرير، بل لم يجرؤ هؤلاء الحلفاء حتى على احتضان مهجري شيعة جبل عامل، بل ربما اشترى جزء منهم عددا من بنات شيعة جبل عامل ليحولوهن إلى خادمات “وغير ذلك”!!
اليوم يشبه الأمس بكل حيثياته بشكل غريب، وحكام شيعة جبل عامل وبعلبك اليوم يعيدون الكرة و”يتحركشون” في محيطهم، فيناصرون هذا على ذاك ويتدخلون فيما لا يعنيهم وما لن يجر علينا سوى ثارات كبرى لا قبل لنا بها!!
الثقة بالنفس التي يعيشها حكام شيعة لبنان اليوم من خلال ما يملكونه من قوة ومن خلال تحالفاتهم مع قوى أخرى في لبنان أو في البلاد المحيطة به كان يعيشها ناصيف النصار بالتمام والكمال، وكان أهل جبل عامل يعيشون نفس الحماسة والثقة بالنفس التي عاشها أجدادهم في جبل عامل قبل أن يواجهوا الحقيقة المُرَّة ويُهجَّروا من قراهم التي أحرقت وتُباع بناتهم في أسواق حيفا وجوارها!!
ما سبق وحلَّ بشيعة جبل عامل قبل 230 سنة سبعود ويحل بكل شيعة لبنان مجدداً، ومن يستبعد ذلك من شيعة لبنان اليوم أرجعهم إلى ظروف تلك المرحلة “غير البعيدة” ليروا أن الظروف ما زالت هي هي، سواء على مستوى اعتداد شيعة لبنان بأنفسهم من خلال قوة الوهم الذي يعيشونه، أو من خلال النزاعات المحيطة بهم التي ما زالت كما هي وطوائفها ومناطقها نفسها بالضبط، أو من خلال حقيقة التحالفات التي يقيمونها اليوم مع بعض محيطهم ضد البعض الآخر، أو من خلال ثقتهم الوهمية بنصرة حلفائهم لهم إذا ما بدأ حزُّ الرؤوس.
راجعوا موسوعة “أعيان الشيعة ومستدركاتها” للسيد محسن الأمين ونجله السيد حسن الأمين (رحمهما الله) وانظروا كيف أن المرحلة التي نعيشها تتطابق بالكامل وبكل حيثياتها مع ظروف تلك المرحلة، وتحسسوا الأسى الذي يشعر به هذان العلمان على السياسة الهوجاء التي اعتمدها ناصيف النصار وقتها، عندها تعرفون ماذا ينتظرنا رغم كل “الحماس الوهمي” الذي يعيشه أكثر شيعة لبنان اليوم!!
على مستوى روايات آخر الزمان، فإنها وللأسف تفيد المعنى نفسه، وتخبرنا بأن شيعة الشام سيتدخلون في صراعات تجري في محيطهم، وأن “عاقبة” هذه الصراعات ستنقلب عليهم بشكل خطير، وانه سيُقتل بكل رجل قتله الشيعة من غيرهم رجلين منهم، حتى لا يبقى إلا النساء!!
#ومن يعش ير!