أفلام مصرية تفتح نقاشات «نسوية» في مسرح «العزم»

واقع المرأة في حقبات مختلفة من المجتمع الشرقي..

كي تعرف مجتمعاً، عليك أولاً أن تطلّ على فنونه.. فالفن هو البوابة التي تتيح لك الدخول في دهاليز المجتمعات مهما كان الإطار الزمني الفاصل بينك وبينها!
ومن الفنون التي ترسم المجتمعات بدقة وواقعية، فنّ الرواية، المسرح، وصناعة الأفلام. فالروائي المصري نجيب محفوظ والحائز على جائزة نوبل للأدب، استطاع أن يحاكي برواياته واقعية المجتمع المصري. فما إن تقرأ أوراقه المزدحمة بالحروف حتى تلقى نفسك في وسط شوارع مصر القديمة، تدخل بعفوية إلى البيوت الصغيرة، تصعد إلى “السطوح”.. تعرج إلى القهوة عند زاوية الشارع تسلم على شخصية “حسنين”، وتأكل “الكوشري”!
هذه الواقعية التي كانت مصر الأسبق إليها في عالمي المسرح والسينما، لاسيما في المرحلة الممتدة من أوائل الستينيات حتى أواخر التسعينيات، شكلت أرشيفاً نقل الواقع المصري بكافة تحوّلاته. ولا يختلف إثنان أنّ المجتمع المصري ببيئته وأدبه وفنّه، قد تأثر سلباً بعوامل عديدة، فمصر الألفية الثالثة لا تشبه بأي من جوانبها مصر “الثورة” و “التحرر”، التي عرفناها في الألفية الثانية!

قطاع المرأة في تيار العزم، وجد في الواقع المصري، مادة دسمة يستطيع من خلالها نقل صورة المرأة العربية – الشرقية في مجتمعها في أبعاد وحقبات مختلفة.
“المرأة” التي تخوض لبنانياً صراعاً دائماً بحثاً عن حقوقها، والتي أبسطها “الحق في منح الجنسية لأولادها”. “المرأة” التي تحوّلت إلى “رقم” في قوائم ضحايا التحرش في مصر.

“المرأة” النازحة من الحروب والتي تكافح لإعالة أطفالها في دول اللجوء التي تضطهدها عنصرياً وتستغلها جنسياً..

“المرأة” التي حولّتها شركات الدعاية إلى “سلعة”، والتي بات النقاش على حريتها نقاشاً لا مضمون فيها، يبدأ بالعري وينتهي بالنقاب، بعيداً عن لغة المنطق والعقل وبعيداً عن التعامل مع المرأة كـ”كيان إنساني” لا كتضاريس جسدية!

قطاع المرأة، وجد ضالته في صناعة الأفلام، وافتتح ليلته الأولى يوم أمس الجمعة 21 أيلول في مسرح العزم – بيت الفن، ليلة كان محورها الفيلم المصري “مراتي مدير عام”، الذي أنتج في العام 1966، وتضمن سلّة من الأبطال، في مقدمتهم الفنانان الراحلان شادية، وصلاح ذو الفقار.

إقرأ أيضاً: فيلم سبيلبرغ الرائع إبداعياً والضروري المشاهَدة: تقييم من داخله وخارجه

الفيلم الذي امتد لساعة و38 دقيقة، لم يكن إلا مفتاحاً لنقاش حادٍ حول قضايا “المرأة”، مع الروائية ضحى عبد الرؤوف المل، والمخرجة كارول منصور.

هذا النقاش الذي تولت إدارته الكاتبة رندة بركات، فتح السجال على مصراعيه في مسرح العزم بين محوري “الرجل” “المرأة”، فيما أكّدت الروائية ضحى المل في كلمة لها، أنّ فيلم “مراتي مدير عام” هو من الأفلام الطموحة المنافسة للسينما العالمية.
وأوضحت المل أنّ “الفترة الممتدة بين عامي 1960 و1970 هي فترة ناصرية اتخذت السينما فيها منحى مختلف عن الحدوتة المصرية التي كانت سائدة، لتتجه نحو تغيير العقول وزرع اخلاقية ديناميكية، وإعادة تأهيل المرأة ومنحها الدور الاساسي في بناء المجتمع”، لافتة إلى أنّ السينما المصرية في هذه الفترة استطاعت فرض سينما الواقع الاجتماعي واتحاد القوى الشعبية لتطوير الإصلاح الاجتماعي والانتاج السينمائي الموازي لإنتاج القطن.

 

ورأت الروائية في السياق نفسه أنّ اختيار قطاع المرأة في تيار العزم لثلاثة أفلام يمثل كل منها حقبة مختلفة يثير تساؤلات كثيرة حول صناعة السينما وقضايا المرأة فيها.
لتختم كلمتها متسائلة: “إذا كان فيلم “مراتي مدير عام” يعالج نظرة المجتمع للمرأة العاملة التي تترأس بجدارة منصباً ما! فماذا عن الحج المتولي الذي تم انتاجه عام 2001؟”.

الفيلم الأوّل الذي عرضه قطاع المرأة في تيار العزم، أي فيلم “مراتي مدير عام”، حرّك “الذكورية” و “النسوية” لدى الحضور، فتباينت الآراء وتعارضت، وتحوّل النقاش من الفيلم وقضاياه إلى نقاش أوسع يدور حول واقع المرأة ونظرة المجتمع إليها والقالب الذي يضعها فيه الرجل.
اللافت في هذا النقاش هو ما قالته إحدى السيدات المشاركات في وصف المعاناة مع زوجها، إذ أشارت إلى “عقدته” و”امتعاضه” من نجاحها، مؤكدة أنّ الفيلم هو نموذج يعكس العديد من القصص الواقعية!
أحد الرجال الذين شاركوا في النقاش، استهجن في مداخلته مطالبة المرأة زوجها بأن يساعدها في المهام المنزلية، متسلحاً بعبارة “الرجال قوامون على النساء”. هذه العبارة التي جعلته هدفاً “سلساً” للعديد من الانتقادات، فهو بحسب الحضور قد قال “لا إله”، وصمت… بما معنى أنّ الآية التي استشهد بها، لها جزئية ثانية توضح ما ترمي إليه وهو قد أهملها قصداً أو سهواً!
كذلك لم يمر النقاش دون اعتراض من النساء المشاركات على عبارة “ناقصات عقل ودين”، التي تعد من أكثر العبارات الموروثة، والمتناقلة في المجتمعات الشرقية. لتقول إحدى المشاركات “يتهمونها بأنّها ناقصة وهي التي تجنب الرجل وتربيه وتعلمه”، معتبرة أنّ علينا تنقية المجتمع من هذه الأفكار!

النقاش حول “الرجل” و”المرأة” في مسرح “العزم”، ظلّ معلقاً، وكيف لا وهو نقاش ولد من رحم أدم وحواء، وسيبقى قائماً حتى فناء آخر رجل وامرأة على هذه الأرض!

يشار إلى أنّ قطاع المرأة في تيار العزم، ما زال مستمراً في نشاطه هذا، بحيث سيعرض اليوم السبت 22 أيلول فيلم “أريد حلاً” الذي أنتج في العام 1975، فيما سيعرض يوم الإثنين 24 أيلول فيلم ” بنتين من مصر” الذي أنتج في العام 2010.

 

إقرأ أيضاً: الفيحاء تستعيد نيسانها بـ «مهرجان الأفلام»: طرابلس ليست حربًا

السابق
بعد تراجع حظوظ عبد المهدي لرئاسة الوزراء… إيران تواجه خيارات جديدة
التالي
مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي كريستوفر راي يزور لبنان