متى تخرج الثورة الحسينيّة من عنق الزجاجة المذهبيّ؟

إحياء عاشوراء قد يتحوّل الى مناسبة إسلامية عامة في حال غير الشيعة من بعض أساليبهم المذهبية.

ليس متوفرا لدى المسلمين الكثير من المناسبات الفرحة، بل تنحصر اجواء الفرح في عيدي الأضحى والفطر. ولا تختلف الشعائر خلال الاحتفاء بهذين العيدين البارزين بين الشيعة والسنّة، ولكن يضاف إليهما عيد الغدير لدى الشيعة، وهو عيد سياسي أكثر منه ديني. فاضافة الى الغدير يحتفل الشيعة، بشكل بارز وطيلة 40 يوما، بذكرى استشهاد الامام الحسين في واقعة كربلاء التي حصلت عام 61 للهجرة.

إقرا ايضا: تحضيرات الشيعة في عاشوراء: تبدأ قبل 1 محرم ولا تنتهي قبل الأربعين

فمجلس العزاء يتم تحت عنوان كبير وهو”إحياء الشعائر الحسينية”، حيث تتنوع عملية الاحياء بين قراءة سيرة الأنبياء والأئمة عبر الخطابة والشعر، وذلك في القاعات والحسينيات، والمنازل  والشوارع العامة، يتبعها عادة توزيع الحلوى والاتشاح بالسواد الذي يطال الصغار والكبار والعجائز كأن لكل فرد من هؤلاء الشيعة ميت في منزله، لدرجة ان عقد القران والزواج وحفلات الاعراس والخطوبة تتوقف طيلة شهري محرم وصفر، علما انه مباح  شرعا، ولكن لكونهم يعتبرون هذين الشهرين بمثابة حداد.

وقد دخلت الوسائل الحديثة الى الاحتفاء بعاشوراء كالمسرح والفيلم والرواية والمنبر والفضائيات ووسائل التواصل الاجتماعي. وتم ادخال بعض العادات مع التشبث بها دون ان تكون من اصل المناسبة.

ففي لبنان وبالأخص في الاماكن التي يقطنها مسلمون شيعة نجد الصورة التالية: لباس جميع افراد العائلة للاسود كبيرها وصغيرها، وصولا الى الوليد الجديد، ولا تمتنع المرأة او الرجل غير الملتزمين عن متابعة الاجواء، بل ينضمون الى الجو العام، ويُعتبر مخالفا من لا يسير في الركب.

اضافة الى رفع الاعلام والرايات على مداخل  البيوت والمباني والشرفات والمؤسسات، وانتشار عادة توزيع المياه والحلويات على مفارق الطرقات في كافة الاحياء سواء في القرى او المدن، واعداد وجبات الطعام المجانية، مع بثّ الندبيات عبر مكبرات الصوت سواء من المنازل او على الطرقات في السيارات الحزبية والخاصة، والامتناع عن أحياء أية مناسبة، والالتزام بسماع المجالس طيلة النهار والليل سواء في المساجد والحسينيات والبيوت والمؤسسات. اضافة الى توزيع الخبز والملح وكل ما ينذره المسلم الشيعي كهبة قربة الى الله تعالى. ويمتاز الإحياء بعقيدة توهين المصائب على المؤمن كالمرض او الفقر امام مصيبة الحسين.

ويقصد الشيعة مراقد الائمة ايفاء لنذورهم في هذه المناسبة، ويتبرعون باموالهم التي غالبا ما يكونون محتاجين لها.

هذه العادات التي قد تبدو ايجابية من جهة العرض، لكن عمليا، لهذه الانشطة وجها سلبيا، اولها ان اللون الاسود الطاغي يجعل الصورة القاتمة مسيطرة، تضاف إليها الاعلام السوداء والندبيات الحزينة والصوت المرتفع من كل مكان، اضافة النفايات الناتجة عن عمليات اعداد الهريسة عند مداخل المباني، وبقايا القناني والصحون البلاستيكية، وفوضى الاسواق التجارية التي تغطى بالسواد اضافة الى الايقونات وتوابعها.

ورغم حزنية المناسبة الا ان التجمعات الناتجة عن المجالس العاشورائية تؤدي الى عجقة سير وعجقة بشرية لا مثيل لها للشبان والشابات الذين يجدون في هذه المناسبة فرصة للمشي ليلا دون ان اعتراض الاهل تحت عنوان المشاركة والأجر، مع ما يترافق من ضجة وفوضى وصراخ فالليل بات نهارا. فمعظم المجالس يتم اقامتها بعد صلاة المغرب، أي حين فراغ العاملين من عملهم والطلاب من مدارسهم.

هذه الاجواء التي قد تستفز ابناء المذاهب الأخرى من المسلمين كالسنّة مثلا الذين يروون فيها مبالغة كبيرة خاصة ان الائمة جميعهم قد قتلوا على يد الحكام الظالمين من الامويين والعباسيين. اضافة الى الخلل الناتج عن مبالغات قرّاء العزاء، وما قد يصل الى الخرافات الغيبيبة في قراءة السيرة الحسينية، التي من المؤكد ان الهدف منها مواجهة الظلم وليس تضخيم الاحداث المعروفة، مما قد ينفر غير المسلم وغير الشيعي من قضية هي في الاصل مواجهة الحق للباطل بالموقف.

ويبقى السؤال هناك العديد من الابطال الذين قاتلوا الحكام الظالمين، فلماذا امتدت ذكرى كربلاء الى اليوم؟

السيد عبدالكريم فضل الله
السيد عبدالكريم فضل الله

في هذا الاطار، يقول آية الله السيد عبدالكريم فضل الله، ان “الحسين استشهد لاجل بقاء الدين وبقاء الاسلام والقيم الانسانية، لان بنيّ امية عملوا على تحريف الفكر الاسلامي من كونه رحمة للعالمين الى فكر وجوب طاعة الحاكم، ولو كان ظالما او فاجرا. فطاعة الامير هي جوهر الدين، وقد اخترعوا لذلك احاديث كثيرة. فلو بقيت هذه الفكرة لإنتهى الدين وساد الظلم. وشرعا لا تجوز طاعة الظالم الا في حالات معينة، لذا كان الشمر يصلي في المسجد، معتبرا ان ما قام به هو ما يمليه عليه الدين من طاعة الحاكم. علما ان الافكار كانت تطبخ في السراديب المظلمة”.

وردا على سؤال قال، آية الله فضل الله، ان “الحسين استشهد ليبقى الدين والاسلام، ولو لم يستشهد الحسين لإنتهى الاسلام. لذا ادعو الجميع الى احياء ذكرى الحسين من نصارى وبوذيين وكافة المذاهب الاسلامية لاجل بقاء الانسانية”.

من جهة ثانية، يرى الشيخ وليد عدنان علامة، انه “لا شك أن كل أمر يكون خالصا لله من غير مطالب دنيوية ينمو عبر التاريخ، فثورة سيدنا الحسين هي لوجه الله وحجة على العالمين، فقد قدّم نفسه واهله في مواجهة الظلم ولم يعط بالا للثمرات الدنيوية”.

وردا على سؤال حول اساليب إحياء الذكرى، قال “الاسلام اليوم كله يُقدّم مشوها، فحركة النقل عن الائمة وعن الفقهاء تتم بتشويه، ومن ضمن هذا التشويه ثورة الامام الحسين. وارى ما يحصل اليوم لا يمثّل الامام الحسين”.

ويتابع، سماحته بالقول “هناك عدد كبير من المسلمين لا يحييون المناسبة، والذكرى بالنسبة إليهم قضية تاريخية انتهت، لكن هناك من القصص المناسب إحياءها، وان كان الامام ليس اول شهيد. وانا اقول انه يجب الوقوف بوجه الظالم، ولا يجب ان يكون الامر معلبا بطريقة معينة”.

ويختم الشيخ وليد علامة “هناك علماء دين شيعة يقولون ما تقولين من أخطاء في الإحياء ومبالغات، وأبرزهم الراحل السيد محمد حسين فضل الله، وهناك من يريد تحميل المسلمين السنّة كلهم وزر أخطاء يزيد. لذا يجب ان يكون الحسين شهيدا من اجل الاسلام. علما ان اليوم هناك من الظلم الكثير، فقد خرج الحسين من اجل الاسلام، ولكل الناس، فلنكن حسينيون في مواجهة الفساد المستشري والفقر”.

إقرأ ايضا: لماذا لا يُحيي السنّة عاشوراء؟

فكيف يمكن للحسين ان يكون ثوريّ أمميّ وعالميّ في ظل احتكار الشيعة لثورته باساليب الإحياء الخاصة؟ وامتناع السنّة عن احياء ذكراه؟

السابق
عناية أخضر تكرِّم المرأة العاملية في كتابها «جنوبيّة من أرض العطاء»…
التالي
بعد خيبة سوتشي: أزمة ثقة فاقمها إسقاط الطائرة الروسية