اليسار اللبناني معاركه ورهاناته

النقد الذي ما فتىء اليساريون بتقديمه لتجربة اليسار في الانتخابات النيابية، بقي قاصرا ،على الرغم من الكلام الجيد والنوايا الحسنة، عن وضع الإصبع على الجرح.

ذاك النقد يستدعي جرأة وثقة بالنفس وبعدا في النظر، قل من يمتلكه من ناشطي الأحزاب اليسارية (أباراتشيك).
على الهامش، في أكثر من مناسبة وجهت تحية كبيرة لمن ضحى وناضل بإخلاص ودفع ثمنا باهظا، من حياته أو من جسده وراحته، باعتبار أني لست مناضلا وإنما مناصر فقط، ومتابع وناقد، ومساهم متواضع في النشاطات الاعتراضية.

شيوعيو الحزب ومنظمة العمل، كان أمامهم فرصة لوضع مراجعتهم النقدية ونواياهم الحسنة (تشكيل رافعة لقوى الاعتراض، وصوت واحد للتغيير) على المحك أثناء خوض الانتخابات الأخيرة.
جرى في إطار حملة “الجنوب يستطيع” ومن ثم من خلال “تحالف وطني” (الجنوب) لقاءات عديدة مع قوى الاعتراض، وحصلت نقاشات حامية استمرت نحو ستة أشهر، وتم التوصل لاتفاقات حول برامج وأوراق عمل، يقول اليساريون إنها كانت الأساس الذي لا بد منه، ليتضح عند الامتحان أنها كانت مجرد وعود فارغة وتموهات.
وهكذا فرط شيوعيو الحزب والمنظمة تحالف قوى الاعتراض بحجج واهية وغير جدية، ليتفاخر أحد كوادرهما ،كما عرفنا فيما بعد، بأن فرط المعارضة كان ضروريا خدمة لخط “المقاومة”..

اقرأ أيضاً: رمزية الاحتفال بانطلاقة «جبهة المقاومة الوطنية»…

النقد الموجه لليسار التقليدي لا ينبغي أن يكون حول التأدلج الخشبي، ولا حول الفكر الأحفوري ليسار أصبح خارج العصر، وليس حول غياب الرؤية السياسية الواضحة فحسب، بل إنه، برأيي المتواضع، بجب أن يتركز حول العقليات والأساليب، التي تبين وجود غلبة لقيادات فوقية وانتهازية تتلاعب بكل شيء لصالح بقائها في الصدارة لجلب المزيد من الاعتراف بها وبفضلها ولزيادة مكاسبها المادية والمعنوية الصغيرة غالبا أو الكبيرة أحيانا.
غياب الديمقراطية وآليات الرقابة والمحاسبة هو الذي كان يسمح بالفبركات ولعبة الإقصاء والتحشيد لقيادات متكلسة جل طموحها من طبيعة سلطوية ومصلحية، ليس أكثر، مهما حصل من استعمال متكرر وممل للأدوات التلميعية التي خبرها كل من عايش اليسار من الداخل والخارج.

هذه اللعبة يتوقع أن تشتد داخل ما تبقى من الهيكل المتقادم للحزب الشيوعي بمناسبة التحضير للمؤتمر القادم.
صراع القيادات سيكون الغالب برأيي، والأسلحة المحرمة ذاتها سوف تستخدم، من تنسيب وتحشيد وإقصاء، تلعب فيه العلاقات الشخصية والضغوط والمنفعة المادية والمعنوية الدور الأكبر.

كل ذلك سيجري برأيي في إطار غير ديمقراطي وغير شفاف طبعا. إنها اللعبة المفضلة للأباراتشيك (المفاتيح الجهازية المناطقية)، لإقصاء وتقريب وإيصال من يريدون. وفي النهاية ستجتمع قلة كان لها الحظوة بالوصول إلى اللجنة المركزية نتيجة موازين قوى، لتقرر لمن الغلبة. هل ستكون الغلبة للحرس القديم الممانع والمصلحي، أم للتيار الإصلاحي الضعيف أصلا، أم للتيار الوسطي الذي يشكل جسرا بين التيارين (غريب وأصدقاؤه)؟
يبدو أنه من الأرجح هذه المرة أن يستعيد “الممانعون” (ممانعون سادة من دون نكهات مخففة) مقاليد القيادة، وهذا سيعني مزيدا من الخواء والتراجع للحزب الشيوعي.

كل ما يتمناه المخلصون هو حدوث معجزة تمكن الإصلاحيين من حشد إمكاناتهم في الداخل والخارج، لاستعادة المبادرة من “براثن الممانعين”. والهدف الأول في حال نجاح الإصلاحيين قد يكون القيام بخطوات جذرية لإصلاح الحزب، سيكون أهمها باعتقادي، تغيير اسم الحزب الشيوعي لما يحمله هذا الإجراء من دلالات رمزية.. والمعنى هنا تحويل الحزب الشيوعي القديم والمتهالك لحزب ديمقراطي حقيقي يقطع مع القسم البشع من تاريخه (الستاليني والممانع) ويعيد الربط مع القسم الأجمل (النضالي التغييري والمقاوم)، متابعا على طريق الإصلاح الديمقراطي.

حصول هكذا معجزة، سينقذ الحزب الشيوعي من ضربة ستقضي عليه بعودة القيادة القديمة المستنزفة، النائمة حاليا، ولكن المستندة على إمكانات ثابتة ودعم مشكوك به. نجاح الرهان الإصلاحي سيكون الأمل الصغير والأخير، قد يفتح الطريق ربما، لانضمام الكثير من الديمقراطيين الذين عجزوا حتى الآن عن تجميع أنفسهم، رغم كل المحاولات الفاشلة وآخرها تشكيل اليسار الديمقراطي، الذي غرق في نفس المطبات والمسارات وما فيها من ألاعيب وممارسات وعدة شغل مستمدة من المتجر التقليدي ذاته.

السابق
الحريري: في ذكرى غياب السيد ​هاني فحص​، نستحضر سيرة رجل طاهر نذر نفسه للاعتدال
التالي
«اسرائيل» تحمّل مسؤولية سقوط الطائرة الروسية للنظام السوري وإيران وحزب الله