شهادات لمندوبي لوائح معارضة في الجنوب: تضييق وشتم وتهويل و«تنخيب» لمتوفين ومغتربين

الانتخابات النيابية
في هذا التقرير نعرض شهادات لمندوبي لوائح معارِضة تطوعوا من اجل التعبير عن صوت مخالف لتوجهات السلطة وحزبيها حركة امل وحزب الله فنالوا نصيبهم من الترهيب والتخويف والمضايقات.

أشعر بالفخر والزهو لانتمائي للطائفة الكريمة التي تشكل أكثرية المسجلين في جنوبنا الحبيب، وكنت أرى في زعماء الطائفة ومريديهم أناساً يحترمون خيارات الناس، وهي قيم تربيت عليها في بيتنا، ولكن ما حصل معي يوم السادس من أيار 2018، أرعبني وأدخل الشك إلى عقلي، كنت واثقاً من انتصار لائحتنا، أصريت على التطوع لأكون مندوباً عن اللائحة في أحد مراكز الاقتراع في إحدى القرى الجنوبية. كنت أشعر بالحماسة صباح يوم الانتخابات النيابية.
وصلت إلى قلم الاقتراع باكراً أحمل الترخيص الذي ينص على أني مندوب عن أحد المرشحين، وقراري أن أبقى حتى نهاية عملية الفرز ليلاً، لكن أظن أن التجاوزات التي شاهدتها في هذا القلم شكلت نموذجاً لما قد شهدته معظم أقلام الاقتراع في لبنان.
كان رئيس القلم يتصرف بمسؤولية، ويحاول أن يكون محايداً ويمنع المندوبين من التدخل بشؤون الناخبين، لكن أحد مندوبي لائحتنا شتم رئيس القلم واتهمه أنه يتمهل بعمله ويدقق كثيراً، وصرخ بوجهه قائلاً: “أنت جاي تتسلى، بدك تخسرنا أصوات بتدقيقك السخيف، ما رح تفل أو تقفل القلم حتى ينتخبوا كل من نأتي بهم”.

اقرأ أيضاً: ريما حميّد: كانت فرصة للتواصل المباشر مع الناس

انتخاب متوفين!
عدد المقترعين في القلم كان كبيراً فاق الـ600 شخص. حاول رئيس القلم منع المندوبين من طرفنا الذين رافقوا بعض المسنين إلى ما وراء العازل، لكن محاولاته باءت بالفشل، حتى أنه حاول الاستعانة بأفراد قوى الأمن التي اكتفت بإطلاق الابتسامات الصفراء.
خلال عملية الاقتراع نادى رئيس القلم عن اسم أحد الأشخاص من قريتي، أعرفه أنه متوفٍ منذ أكثر من أربع سنين. فإذا بي أرى أمامي جاراً لبيتنا أتى لينتخب عن الشخص المتوفي. صعقت في اللحظة الأولى، لكني تماسكت وتجاهلت الموضوع، لكن ذلك تكرر مرة أخرى، كنت شاهد زور، ندمت على صلاة الفجر الذي أديتها قبل حضوري. حاول أحد مندوبي لائحة المعارضة الإشارة إلى خطأ بسيط حصل ما عرَّضه إلى
الاستهزاء والسخرية. حوادث متكررة حصلت. كنت أظن أنه سيكون يوماً مشهوداً في حياتي، لكن يبدو انه يوم دفعني للتفكير جدياً بالديموقراطية التي نتغنى بها، عفواً لم أعد أشعر أن اللائحة لائحتي، إنها لائحة الآخرين.

شؤون جنوبية168

منع دخول مندوبي المعارضة
إنها المرة الأولى التي يحق لي الانتخاب فيها، تملأني الحماسة للمشاركة، أحلم بالتغيير، وبالقدرة على تحقيق التغيير.
انحازت إلى إحدى لوائح المعارضة، رغبت أن أكون مندوباً للائحة. الأيام التي سبقت الانتخابات كانت هادئة، حادثة الاعتداء على المرشح علي الأمين في الدائرة الثالثة في الجنوب ظننت أنها صارت وراءنا. كنت مرتاحاً، وكانت الصورة واضحة حول مهمتي، أن أتواجد داخل قلم الاقتراع، كي أدقق بالهويات، لأنه ربما تجري محاولات للغش والتلاعب بالأصوات، وبعد ذلك التأكد من عدد الأصوات عند الفرز.
صباح الأحد السادس من أيار 2018، استيقظت باكراً وتوجهت إلى قلم الاقتراع في مدرسة البلدة أوقفت سيارتي بعيداً عن المركز، وعند مدخله نصبت خيم، ووضعت آلات صوت تصدع بالأغاني بالإضافة إلى تجمعات لجمهور أمل وحزب الله.
عند الدخول إلى القلم واجهت أول مشكلة عندما رفض عناصر قوى الأمن دخول مندوبين للوائح المعارضة لا يقترعون في نفس القلم مع العلم أن القانون يسمح بذلك. لا أعرف. أجرينا اتصالات عدة حصلت أول مشكلة.

اقرأ أيضاً: علي عيد: العمل الجاد بعد الانتخابات

تدخل في خيارات الناخبين
كنت مندوباً جوالاً أي أستطيع الدخول والخروج، العلاقة بين مندوبي اللوائح المختلفة كانت طبيعية وتسير بشكل عادي. ونحو الظهر، كنت خارج القلم وأريد العودة لألتقي بطفل كشاف من كشافة المهدي عمره نحو 14 عاماً كان يرافق ناخباً يتجاوز عمره 25 عاماً. أخبر قوى الأمن أن الناخب لا يعرف القراءة والكتابة، وعندما أشار أحدهم إلى الصور المطبوعة على ورقة الاقتراع، أجاب الكشاف “حتى الصور لا يعرفها”.
الدركي الواقف عند غرفة الاقتراع تصرف بشكل محايد، كان يلتفت إلى الجهتين يفتش عمن يمكن أن يساعده لأخذ القرار، بعدها قال: تفضل أدخل.
الصورة الموجودة على بطاقة الهوية لا تطابق صورة الشخص القادم للاقتراع، المظهر مختلف والهوية جديدة، يبدو الشخص في الصورة أبيض اللون في حين أن الناخب كان أسمراً، لفت نظر رئيس القلم الذي أجابني
بعصبية: وظيفتي أن أدقق إذا كانت البطاقة صالحة أم لا؟ لست بحاجة بالتدقيق أكثر من ذلك، طلبت منه سؤال الناخب عن المعلومات الموجودة على البطاقة، لكن الناخب لم يتذكر تاريخ ميلاده.
أحد الأشخاص من الناخبين كان خمسينياً في حين أنه عمره في بطاقة الهوية لا يتجاوز الثلاثينيات. راجعت مختار البلدة، أجابني إجابات غير مفهومة، عندها أدركت ديموقراطية الانتخابات في لبنان.

(هذه المادة نشرت في مجلة “شؤون جنوبية” العدد 168 صيف 2018)

السابق
تفاصيل تخطيط وتنفيذ اغتيال الشهيد الحريري بين بدر الدين وسليم عياش!
التالي
أيمن زبيب يعلن قرب زواجه ويقدّم فتاته للجمهور