حجّ المسؤولين اللبنانيين إلى سوريا: الحجّة إعادة الإعمار أو تعويم النظام؟

هل ينجح "زوّار" دمشق بفرض إعادة تطبيع العلاقات بين لبنان وسوريا من باب إعادة الإعمار؟

فيما يشكّل ملف تطبيع العلاقات مع النظام السوري مؤخرا حالة جدل وإنقسام لبنانيا في الوسط السياسي والشعبي بين مؤيّد ومعارض، زار أربعة وزراء من حكومة تصريف الأعمال يوم الخميس الفائت دمشق للمشاركة في افتتاح “الدورة الستين من معرض دمشق الدولي”، وهو ما يترجم حدّة الإنقسام حول شكل العلاقات الواجب قيامُها بين بيروت ودمشق، ومحاولة حلفاء النظام من “8 أذار” فرض التطبيع كأمر واقع على فريق “14 أذار” ما يطرح علامات إستفهام حول تداعياتها الداخلية والتي من شأنها زيادة العراقيل في مسار التشكيل الحكومي وما يلي الولادة الحكومية من استحقاقات وتحديات.

إقرأ ايضًا: بين الضغوطات ومصلحة لبنان: الحريري بمواجهة أزمة التطبيع مع سوريا

هذه العراضة الوزراية لوزراء الصناعة حسين الحاج حسن والزراعة غازي زعيتر والاشغال والنقل يوسف فنيانوس والسياحة افيديس كيدانيان، إتخذت طابعا إستعراضيا ودعائيا من حيث تصوير الأمر بأنه قرار لبناني مع تأكيدهم أن حضورهم بصفتهم الوزارية في زيارة رسمية.

هذا ويمثّل معرض “دمشق الدولي” أحد أهم النوافذ التي يحاول من خلالها النظام السوري التواصل مع عدد من الدول بحكوماتها وشركاتها ورجال الأعمال للتعريف بفرص الاستثمار الكبيرة المتاحة في سوريا تحضيرا لإعادة الإعمار وهو ما يروّج له النظام السوري بإعتبار أن الحرب السورية إنتهت، واللافت هنا مشاركة الوزراء اللبنانيين الأربعة في افتتاح الجناح اللبناني في المعرض الذي تعرض فيه نحو 60 شركة ومؤسسة إنتاجية وصناعية في مجالات إعمارية وصناعية وهندسية وتكنولوجية. ما يطرح علامات إستفهام حول الموقف اللبناني من إعادة الإعمار، وفرض التطبيع من خلالها كأمر واقع..

عضو المكتب السياسي في تيار “المستقبل” النائب السابق مصطفى علوش قال لـ “جنوبية” إن “ما نراه من زيارات مؤخرا من قبل الشخصيات والمجموعات السياسية نفسها المرتبط وجودها بوجود النظام السوري أو المحور الإيراني فهؤلاء لديهم ديون للنظام يسددونها اليوم”.

وفي ما يتعلّق بمسألة إعادة الإعمار رأى علوش أن “جميع المعطيات تؤكّد ان من سيساهم بإعادة الإعمار في سوريا ماليا، هو من سيقرر من سيعيد الإعمار”، وتابع  “كل المراهنات التي تفيد بأن الأسد هو من سيقرر هي مراهنات “غبية”، بدليل أن الأخير عاجز عن تأمين مبلغ مليار دولار كان يطلبها من إيران غير المساعدات العسكرية التي تأتيه من روسيا”. لافتا “في حال كانت روسيا ستعيد الإعمار فهي ستحدد الجهة التي ستقوم بذلك، وفي حال إيران كانت ستفعل ذلك فستبحث عن تحسين وضعها ومصالحها”. مضيفا “اما الإعتماد على دول أخرى كدول الخليج والدول الغربية فهي مسألة تأكد أن هذه الدول هي من ستقرر مصير إعادة الإعمار عندئذ إذا كان للبنان حصة من الإعمار ستُعطى له”.

وخلص علوش بالتأكيد على أن ” الذهاب إلى سوريا كخدمة سياسية لبشار الأسد طمعا بالحصص بإعادة الإعمار هو كلام “غبي” يراد منه تعويم النظام السوري”.

مصدر سياسي مطلع على ملف العلاقات اللبنانية-  السورية، قالت لـ “جنوبية” إن “قرار تثبيت العلاقة مع الأسد وتعزيزها هو قرار إقليمي، وأيضًا عدم التطبيع هو بالضرورة موقف دولي وإقليمي يشكّل غطاءً للبنان وللرافضين الإنزلاق نحو بناء علاقة مع نظام الأسد لا يريدها المجتمع الدولي وأكثر من نصف اللبنانيين، وبالتالي من الصعب تمرير هذه العلاقة طالما أنه ثمة موقفا لبنانيا يعبّر عنه رئيس الحكومة وغيره من التيارات اللبنانية سيحول دون عودة العلاقة مع النظام السوري، وستبقى فكرة التنسيق على المستوى الأمني والإداري هي الحلّ الوسط بين من يذهب إلى الدعوى للتطبيع وبين من يذهب إلى رفض العلاقة مع هذا النظام”.

ورأ ى المصدر أن “الحديث عن إعادة إعمار سوريا وإنتهاء النزاع ليس واقعيا وليس له تطبيق فعلي على الأرض ومرتكزات من حيث الجهة التي سوف تمول إعادة الإعمار ومقابل أي شروط للقيام بذلك وصعوبة هذا الأمر، اذ يتضح بأن إيران لا تستطيع القيام بهذه المهمة من جهة، ومن جهة ثانية روسيا لا تريد حتى أنها تحاول توقيع إتفاقيات مع أميركا والدول الأوروبية والخليجية من أجل إعادة الإعمار إلا أن هذا أيضا يطرح تساؤل هل هذه الدول بمواقفها من النظام السوري مستعدّة لإعادة الإعمار في ظلّ بقاء النظام السوري”.  وتابع “من الناحية العملية، يستحيل قبولها إلا بحال وضعها لشروط ترتبط بالتسوية السورية وإعادة ترتيب صيغة الحكم في سوريا وهذا الأمر أيضا فيه عقبات وليس ميسرا بسبب مواقف الدول المؤثرة وعدم توصلها إلى إتفاق بعد”.

وأكّد المصدر أن” عملية اعادة لإعمار والإعتراف بالنظام أمر بعيد بإستثناء بعض اللبنانيين الذين يقومون بذلك لحسابات معروفة وليست لمصلحة لبنان الإقتصادية بقدر ما هي لها علاقة بصراع المحاور”، مشيرا إلى أن “جزءا من اللبنانيين يذهب إلى سوريا بإيعاز إيراني لإعادة ربط علاقات لها طابع أمني أكثر من أن يكون إقتصاديا مفيدا للبنان”، ووصف المصدر “هذه الزيارات بأنها إستعراضية تعكس نوعا من الدونية تجاه نظام الأسد أكثر مما تعبر عن تطلع حقيقي تجاه علاقات سوية بين لبنان وسوريا ومصلحة لبنان على هذا الصعيد”.

إقرأ ايضًا: ترحيب بإعادة فتح معبر جوسيه: لعودة العلاقة طبيعية بين سوريا ولبنان

كما أشارت المصادر إلى نقطة ثانية لا تقل أهمية بأنه “لا شك أن بقاء نظام الأسد في السلطة من دون أي حلّ سياسي إستنادا للقرارات الدولية حتى مؤتمر أستانة، هو يعبر عن إستمرار الأزمة السورية حتى لو سيطر النظام وحلفائه على ثلاثة أرباع الأراضي السورية،” وتابع “وهذا ما يجب أن يدركه المسؤولون اللبنانيون لا سيما بعدما سلّم الطرف الفاعل في سوريا أي روسيا بأن الحلّ لا يمكن أن يكون بمعزل عن الولايات المتحدة الأميركية، وهذا ما أثبتته الوقائع منذ التدخل السوري حتى اليوم  وواشنطن رغم كلّ التسويات التي قدمتها لموسكو من ضمنها بقاء الأسد تضع شرطا أساسيا للحل في سوريا وهو خروج إيران والتغيير السياسي”. مشددا على أن “هذين العنوانين بحد ذاتهما يكشفان إلى أيّ مدى سوريا بعيدة عن الفصل الأخير الذي يمثل نهاية الأزمة، لذا من المبكر الحديث عن نهايات للأزمة السورية طالما ي هذان الشرطان لا يزالان محلّ مطالبة أميركية وتفهم روسي”.

 

السابق
الطفولة والمسؤوليّة المبكرة للعلاّمة الأمين
التالي
نسبة حوادث السير في لبنان.. كارثة تنتظر الحلَ!