ما مصير اللبنانيين الذين شاركوا في الحرب السورية؟ هل تفتح الدولة اللبنانية «باب التوبة»؟

ما مصير الشبان الذين انغمسوا في الحرب السورية؟ وكيف سيعودون إلى لبنان؟

فيما يتم استكمال الصيغة المرتقبة لملف العفو العام، والذي بات جدياً بعدما أكّد عليه دولة الرئيس نبيه برّي في مهرجان الإمام المغيب موسى الصدر في البقاع، هذا التأكيد الذي يأتي استكمالاً لوعود الرئيس سعد الحريري التي رددها مراراً وتكراراً أمام أهالي الموقوفين الإسلاميين، ها هو ملف آخر يتم التداول به على الساحة اللبنانية ألا وهو ملف الشبان الذين شاركوا في الحرب السورية!
هذا الملف تتصاعد حدته في أوساط الشمال اللبناني، لاسيما مع تزايد الأنباء التي تتحدث عن اقتراب عودة حزب الله “مكرماً” إلى الأراضي اللبنانية. فتتساءل العائلات التي ذهب أبناؤها إلى سوريا عن المصير الذي ينتظرهم؟ لاسيما وأنّ تهم الإرهاب جاهزة لتُلقى عليهم.

الازدواجية في التعاطي من قبل الأجهزة الأمنية في مسألة الحرب السورية والانغماس فيها تثير قلق الأهالي، فعناصر حزب الله لا خوف عليهم، فهم سوف يعودون بعد انتهاء مهمتهم بسجلهم العدلي النظيف وسيتم استقبالهم غالباً بالورود وبمهرجانات تبجّل ما حققوه من “انتصارات” استناداً لما يؤكده أمين عام الحزب السيد حسن نصرالله، في المقابل هناك شبان آخرون، إن أرادوا العودة، فهم يعودون في الخفاء بحثاً عن إمكانية لتسوية ملفاتهم أو لإحقاق العدالة أقله، إلا أنّ هذا لا يحدث فيشمل التحقيق عائلاتهم وتتراكم التهم التي تؤدي إلى عقوبات قاسية جداً.

في هذا السياق كان لمحامي الموقوفين الإسلاميين الأستاذ محمد صبلوح اقتراحاً في هذا السياق أسماه بـ”فتح باب التوبة”. صبلوح وفي حديث لـ”جنوبية” يوضح أنّ عدداً كبيراً من الشبان قد ذهبوا إلى سوريا نتيجة التجاذبات السياسية بين مخيمي 8 و14 اذار، وكردة فعل على قتال حزب الله للشعب السوري، واستجابة في الوقت نفسه لطلب أمين عام حزب الله حسن نصرالله الذي دعا لأن تظل المعركة في سوريا وأن من يريد قتال الحزب فليذهب إلى هناك.

وفيما يؤكد صبلوح أنّ هؤلاء الشبان هم ضحية تجييش سياسات 14 آذار، يلفت بالتالي إلى أنّهم قد علقوا في المستنقع السوري فيما تمكن البعض منهم من مغادرة الأراضي السورية إلى تركيا بحثاً عن مخرج للعودة إلى لبنان.

وتابع صبلوح موضحاً أنّ هؤلاء الشبان لديهم تردداً في مسألة العودة، فهم إن أرادوا العودة بطريقة شرعية عبر سوريا وصولاً إلى وطنهم، فإنّ الأجهزة الأمنية التي تتسلمهم لا تسجل في المحضر أنّهم قد سلموا أنفسهم ولا تفيد عن ذلك بل نسمع بطولات في الإعلام مفادها أنّ الجهاز الأمني الفلاني قد داهم وقبض على فلان الفلاني، مضيفاً “عندما يسلم الشخص نفسه يستطيع الاستفادة من تخفيض العقوبة بشكل كبير وذلك استناداً للمادة 200 من قانون العقوبات، إلا أنّ العديد من الشبان يتم حرمانهم من هذه المادة نتيجة عدم إعطاء الأجهزة الأمنية إفادة بأنّهم قد سلموا أنفسهم. هذا ناهيك عمّا يتعرض له هؤلاء الشبان من تعذيب خلال التحقيق لسحب اعترافات منهم سواء بالتجنيد لصالحات الجماعات الإرهابية أو بالتحضير لعمليات أمنية في لبنان. وهذه الاعترافات بمعظمها غير صحيحة”.

وبينما يشدد صبلوح أنّ هذه الممارسات القمعية واللا- إنسانية تعيق عودة الشبان إلى لبنان وتسليم أنفسهم، يلفت بالتالي إلى أنّ الهدف ليس العفو عنهم تماماً وإنّما إفساح المجال لعودة التائبين لأحضان أهاليهم بعد قضاء عقوبتهم واستفادتهم من التخفيض.

صبلوح الذي يوضح لموقعنا أنّ الأجهزة الأمنية في لبنان تعتمد سياسة الكيل بمكيالين، فهي لا تلاحق فئة لبنانية تذهب بسلاحها وتقاتل في سوريا وغير سوريا، فيما تعمل في المقابل على ملاحقة فئة مظلومة وضعيفة، يضع برسم الجهات المعنية الصيغة التي اعتمدها الشاب “م.ر” للاستفادة من التخفيض، فيقول المحامي:
“الشاب “م.ر”، عاد مؤخراً من تركيا إلى لبنان حيث سلم نفسه فوراً في المحكمة العسكرية دون التوجه إلى اي جهاز أمني، وهو بهذه الحالة استفاد من المادة 200 من العقوبات ومن التخفيض وأثبت أنّه عاد تائباً طائعاً، وتفادى أيضاً فتح أي ملف جديد له”.

وأضاف صبلوح “حالة الشاب “م.ر” هي نادرة، فالقوى الأمنية تتنافس فيما بينها في موضوع الإنجازات”، كاشفاً لنا أنّ الأجهزة الأمنية استدعت أهالي “م.ر” وهددتهم وقالت لهم بالحرف الواحد “عملتوا لعبة علينا بدكم تدفعوا ثمن”.

من جهة أخرى، يكشف صبلوح العديد من النماذج التي تابعها والتي تشمل شباناً قد سلموا أنفسهم للأجهزة الأمنية بعدما تمّ إعطاء وعود تطمينية لهم بمتابعة الملف وهذا ما لم يحدث، كما لم يتم إعطاء أي إفادة لهم بانهم سلموا أنفسهم بل تمّ تعميم الخبر على أنّه ألقي القبض عليهم في مداهمة.
ومن هؤلاء الشاب “و.ب” الذي كان في سوريا وتمّ أسره من قبل “هيئة تحرير الشام”.

إقرأ أيضاً: غسان جواد لـ«جنوبية»: وجود إيران وحزب الله ميدانياً وعسكرياً في سوريا هو حاجة روسية

“و.ب” استطاع الهروب من سوريا بعد تحركات عديدة قام به والده، الذي عمل من أجل إعادته إلى لبنان وتسليمه للأجهزة الأمنية، إلا أنّ هذا لم يحدث كما يؤكد لنا المحامي، فحاجز شدرة قد ألقى القبض على الشاب فور دخوله الحدود اللبنانية، وأثناء التحقيق تمّ تهديده وتخييره بين تهمتين هما التجنيد أو التخطيط لعمليات إرهابية، مما دفعه لاختيار التجنيد لكونها الاخف عقوبة.
ويلفت صبلوح هنا إلى أنّ “و.ب” قد قال للقاضي ما تعرض له من تهديد وكلامه مدون في المحضر.

المثال الثاني الذي يتحدث عنه المحامي، هو ملف لأربعة شبان ينتمون لعائلة واحدة، وهؤلاء -بحسب صبلوح- غادروا لبنان إلى تركيا للدخول منها إلى سوريا، إلاّ أنّ العائلة قد أعاقت ذلك وسلمتهم في المرفأ إلى مخابرات الجيش وبالتالي لم يدخلوا سوريا ولم يشاركوا في الحرب.
يشير المحامي هنا إلى أنّ المحكمة العسكرية قد أصدرت أحكاماً قاسية بحق الشبان الأربعة تترواح بين 3 و7 سنوات.

إقرأ أيضاً: مرحلة جديدة في الحرب السورية

في الختام ناشد المحامي محمد صبلوح رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة سعد الحريري ورئيس مجلس النواب نبيه برّي وأعضاء المجلس النيابي وكافة المسؤولين السماح بفتح باب التوبة، وبدل عودة هؤلاء الشبان للبنان عن طريق سوريا وما يترافق مع ذلك من مخاطر، البحث عن مخرج يسمح لهم بتسليم أنفسهم للسفارة اللبنانية في تركيا بحيث يتم التعامل مع هذا الإجراء وكأنهم قد سلموا أنفسهم للفضاء اللبناني كي يستفيدوا من حقهم في تخفيض العقوبة.

السابق
المشنوق استقبل كارديل وبحثا وقف تمويل الأونروا والمحكمة الدولية والحكومة
التالي
المديرية العام للطيران المدني تنفي تهريب أسلحة إلى مطار بيروت