لا شرعية لنواب «من كل وادٍ عصا»: توزير «حزب الله» لنوابه السنّة إختراق لضرب الطائف

أفرزت الإنتخابات النيابية نتائج تركت تداعياتها في كل الطوائف وبدأت الأحزاب تحصي أرباحها وخسائرها ، وإستقرت الكتل على أعدادها المعروفة في الساحات السنية والشيعية والدرزية والمسيحية بأحزابها وتياراتها.

ومن نتائج الإنتخابات على قانون النسبية القسري الذي سيق إليه اللبنانيون ويتلقون حصاده المرّ أن مجمل الطوائف حافظت على تماسكها ، بإستثناء السنة الذين تمكن “حزب الله” من إختراق ساحتهم بعدد من النواب الذين تحوّلوا إلى أحصنة طروادة سياسية مهمتها كسر الإجماع السني في الحفاظ على إتفاق الطائف والحفاظ على صلاحيات رئاسة الوزراء وحماية لبنان من العودة تحت هيمنة نظام آل الأسد وصيانة صيغته التاريخية في العيش المشترك والتنوع الديني والثقافي.

• نواب الإعتراض السني

أنتجت الإنتخابات فوز عشرة نواب من خارج دائرة تيار المستقبل ، تقدمهم الرئيس نجيب ميقاتي الذي حاز على ثقة أكثر من 20 ألف من أبناء طرابلس ، وفاز مع ثلاثة نواب (ماروني وأرثوذكسي وعلوي) ، كما نجح كلٌ من النواب:
قاسم هاشم وأسامة سعد (الجنوب) ، عبد الرحيم مراد والوليد سكرية (البقاع) فازوا بأصوات الشيعة المتحالفين معهم ، وفؤاد مخزومي الذي حظي بدعم 4 آلاف صوت شيعي في بيروت ، بينما فاز عدنان طرابلسي على متن لائحة “حزب الله” ، وجهاد الصمد وفيصل كرامي عزّزا حظوظهما بالفوز من خلال 2000 صوت علوي وأصوات المجنسين السوريين الذين إستـُقدموا بالحافلات من ريف حمص.

• سقوط المعارضة السنية وبروز التكامل الميقاتي – الحريري

وفي نظرة شاملة لتركيبة النواب السنة خارج تيار المستقبل ، نرى أن “حزب الله” سعى منذ لحظة صدور نتائج الإنتخابات إلى تظهير وجود “معارضة سنية” وسعى ويسعى لحصة وزارية بإسمها في إطار لعبته لإختراق الساحات المسيحية والدرزية والسنية معتبراً أن النواب العشرة سيشكلون كتلة واحدة تنازع الرئيس سعد الحريري شرعية التمثيل السني.
لكن مساعي “حزب الله” باءت بالفشل الذريع لأسباب عدة ، أهمها:
ــ مسارعة الرئيس نجيب ميقاتي تصفية تداعيات المعركة الإنتخابية الشرسة التي دارت رحاها مع تيار المستقبل في طرابلس ، وأكد أنه داعم للرئيس الحريري في تكليفه تشكيل الحكومة وشارع في إجتماعات رؤساء الوزراء السابقين في رفض المسّ بصلاحيات رئاسة الحكومة ، مسهماً بتحصين الموقف السني ، وهذا ما تسبّب في خسارة “المعارضة السنية” القيادة المطلوبة.
ــ رفض النائب فؤاد مخزومي الإنخراط في تجمع نواب “حزب الله” السنة ودعمه الرئيس الحريري ، في شعور منه برفض الشارع السني لمثل هذه التوجهات التي بذل جهداً كبيراً للخروج منها.
ــ إمتناع النائب أسامة سعد عن المشاركة في إجتماعات نواب الحزب السنة ، رغم أنه من ألدّ الخصوم للرئيس الحريري ، لكن من المرجح أن التنافس الناصري – الناصري يلعب دوره وسعد يريد الحفاظ على خصوصيته بدون أن تذوب في أي وعاء سياسي آخر.
هذا الواقع جعل الكتلة السنية المعارضة تنحصر عملياً في أربعة نواب: عدنان طرابلسي ، عبد الرحيم مراد ، جهاد الصمد وفيصل كرامي ، ونظراً لهذا التقلّص في العدد ، إضطر “حزب الله” وحركة “أمل” إلى رفد هؤلاء النواب بالنائب (السني) من كتلة الحزب في بعلبك الوليد سكرية ، والنائب (السني) في كتلة الحركة عن شبعا عباس هاشم.

• “حزب الله”: سعي محموم لإختراق الساحة السنية

كشف هذا السعيُ المحموم من “حزب الله” نوايا الحزب من قانون الإنتخابات وفرض النسبية المشوّهة على بقية الأطراف السياسية. وهو اليوم يريد إستثمار هذا العدد من النواب السنة الموالين له في محاولة ضرب التمثيل السني المتمثل في تيار المستقبل والتفاهم القائم مع الرئيس ميقاتي وتحييد نواب آخرين أنفسهم عن خدمة أهداف الحزب.

• “تيار المستقبل”: ثغرات الإنتخابات وفرصة إستعادة المبادرة

أظهرت الإنتخابات النيابية ثغرات كبرى في مسار تيار المستقبل إعترف بها الرئيس الحريري وأطلق حملة محاسبة واسعة نرجو أن تصل إلى تحقيق أهدافها في تطهير التيار من الذين رماهم الحريري بسلسلة إتهامات أدّت إلى إتساع المسافة بينه وبين الناس وإلى تراجع حضور تياره وفقدان الأمل عن كتلة كبيرة من ناخبيه بإمكانية الإصلاح والنهوض..

لكن الإنتخابات أظهرت أيضاً أنه حافظ على تقدمه في تمثيل الشارع السني وهذا ما أعطاه القدرة على إستعادة المبادرة لأسباب ثلاثة:
ــ الأول: إقرار الحريري بوجود تقصير وسوء أداء في الإدارة السياسية والإنمائية في تياره.
ــ الثاني: أن المعارضة الداخلية للحريري لم تستطع أن تحدث الإختراق المنتظر سياسياً ونيابياً رغم الحيثية التي لا يزال اللواء أشرف ريفي يمثلها في طرابلس والشمال.
ــ أما السبب الثالث فهو ثبات الرئيس الحريري في مرحلة ما بعد الإنتخابات النيابية في وجه حملة الضغوط التي تستهدف صلاحيات رئاسة الوزراء وتقديمه أداءاً متماسكاً في مخاض تشكيل الحكومة العتيدة بعد تكليفه النيابي الجامع.

• حصار الحريري

وضع الرئيس عون ورئيسُ تياره جبران باسيل هدفاً إستراتيجياً يتمثـّل في الإستحواذ على 11 وزيراً وعلى مدّ يدهم إلى حصة الطائفة الدرزية عبر توزير النائب طلال أرسلان بعد “تضخيمه” بكتلة من النواب الأعضاء في كتلة التيار الوطني الحر.
ويدفع “حزب الله” بإتجاه محاصرة الحريري من خلال دفع نوابه الستة السنة إلى المطالبة بمقعدين وزاريين بحيث يندسّ في الحكومة “رابوق” سني مهمته الإعتراض الدائم ومواجهة الحريري.

• أسئلة كاشفة

شكّل الإندفاع الإعلامي والإصرار السياسي على تمثيل (سنة “حزب الله”) محطّ تساؤل حول الخلفية الفعلية لهذا التوجه ، خاصة أن البلد سيدخل مرحلة مواجهة تداعيات قرارات المحكمة الدولية الخاصة بلبنان ، والتي يبدو أنها ستشكل محطة مفصلية بالتوازي مع تطورات إقليمية كبرى ستواجه فيها إيران تحدي تخليص العالم العربي من أذرعها التخريبية.
من هنا نطرح جملة أسئلة جوهرية تتعلق بهوية نواب يريدون شراكة في التمثيل السني:

ــ لماذ يصرّ هؤلاء النواب الذين جاء معظمهم بدعم الصوت الشيعي ، ومن لديه قاعدة سنية ، فهي محدودة ومختلطة بصوت المجنسين المصوتين من وراء الحدود.. لماذا يصرّون على إستعداء المزاج السني العام الرافض لأي تطبيع مع نظام الأسد؟

ــ كيف لهؤلاء أن يتجاهلوا حجم الإجرام الذي إرتكبه نظام الأسد في سوريا ولبنان قبل وبعد إنسحابه من بلدنا ؟
كيف يستطيع النائب فيصل كرامي أن يطلب العدالة لضحايا تفجيري مسجدي السلام والتقوى وهو متحالف مع نظام مسؤول عن هذه المجزرة في مدينته؟!

ــ كيف يريد هؤلاء النواب أن نصدق أنهم كتلة واحدة ، وهم جاؤوا على قاعدة “من كل وادٍ عصا” ، وهم لم يجتمعوا إلا ليكونوا وسيلة ضغط سياسية ، بينما هويتهم السياسية ضائعة وملتبسة وليس لديهم نقاط مشتركة سوى الولاء لنظام الأسد و”حزب الله”.

ــ كيف يزعم نواب “حزب الله” أنهم مع الحفاظ على صلاحيات رئاسة الحكومة وهم أداة مباشرة في تقويض هذه الصلاحيات وضرب الرئاسة الثالثة.

ــ هل لأحد نواب “حزب الله” السنة سجل في الإصلاح أو التنمية ؟
الجواب سلبي طبعاً.
وقد يقول البعض إن النائب عبد الرحيم مراد “أنجز” فروع جامعته في عدد من المناطق اللبنانية ، والواقع أن النائب مراد واجه إشكاليات كبرى في شرعية بسط نفوذه على المؤسسات الحزبية والوقفية والتربوية ، فضلاً عن أن الجامعة لا تخرج عن كونها مشروع تجاري يتم تجميله ببعض المنح والخصومات..
أما النائب فيصل كرامي فإنه ورث جامعة لم يجد عامة أبناء طرابلس مكاناً لهم فيها ، ومستشفى عريقاً يتراجع عاماً بعد عام بسبب “تطفيش” الكفاءات ومحبي الخير الذين كانوا ملتفين حول المستشفى الإسلامي بعد أن تحوّل إلى مؤسسة حزبية لا أكثر.
ولا يمتلك بقية النواب السنة الدائرين في فلك “حزب الله” أي مشروع أو رؤية تنموية تستحق الوقوف عندها.

ــ هل يستطيع أي نائب من هؤلاء الستة أن يخرج قيد أنملة عن تعليمات “حزب الله” حتى لو كانت تناقض مصالح السنة والمصلحة الوطنية؟
طبعاً لا ، وأبرز نموذج على السلوك السياسي لهؤلاء هو ملف التطبيع مع نظام بشار الأسد ، حيث يرفض الرئيس الحريري إستدراج لبنان للعودة إلى دائرة هيمنة نظام أغرق سوريا بالدماء والدمار ، وواصل حربه على لبنان بمتفجرات ميشال سماحة وتفجيرات مسجدي السلام والتقوى.. فمن يسوّق سفاح الشام يبرّر كل تجاوزات “حزب الله” في لبنان.

• خلاصة: لا شرعية لنواب يعادون الإجماع السني

يستطيع النواب الستة التمتع بنيابتهم وحصانتهم ، ولكنهم لا يستطيعون الولوج إلى شرعية التمثيل السني لأن هويتهم ملتبسة وتمثيلهم السني مشوب بلوثة الدعم الإيرانية ، وبالتالي فإن وجود ممثل عنهم في مقاعد الحكومة العتيدة هو إختراق لن ينال السنة منه شيئاً سوى الإضرار بالمصالح الإستراتيجية ولن يكون وزيرهم أكثر من صدى لإرادة مرشد الجمهورية اللبنانية وقيادة حزبه ، وهو يجب أن يكون خطاً أحمر ، وليعطهم “حزب الله” من الحصة الشيعية ما دام مصراً عليهم كما سبق أن تم إجلاس الوزير فيصل كرامي على المقعد الوزاري.
زار النواب الأربعة: عبد الرحيم مراد ، عدنان طرابلسي ، جهاد الصمد وقاسم هاشم بشار الأسد وطلبوا منه الدعم لتحصيل مقعد وزاري ، في خبر لم ينفه أيٌ منهم ، وهم بذلك يكرّسون موقعهم المنحاز ضد بيئتهم وضد منطق الدولة الدائم الإستهداف من رأس النظام السوري في السياسة والأمن والإقتصاد…
في المقابل ، تستوجب المرحلة المقبلة إنفتاحاً جاداً وعملياً من الرئيس الحريري على مختلف المكونات السنية التي يلتقي معها في الرؤية الوطنية وإن كانت إعترضت في المرحلة السابقة على مساره السياسي فالرؤية باتت اليوم واضحة للجميع والمصلحة تحتم المصالحة الواسعة.

 

*أمين عام التحالف المدني الإسلامي

السابق
باسيل: روبير فرنجية ضحّى بكلّ شيء لكي يبقوا
التالي
كنعان: لا خطورة على الوضع المالي في لبنان