العَلَم السوري للمسلمين والمسيحيين

كانت العشرات من الجثامين المسجاة داخل توابيتها والمتراصفة جنباً الى جنب يلفّها العلم السوري، وكانت مرحلة وداع الأحبّة بشكل حزين، إنما كانت تفوح في الأجواء رائحة الفخر والاعتزاز، تنبع من نفوس أهالي الشهداء.

أسماء الشهداء تنوعت من محمد وجورج وعلي وانترانيك وسلمان وغيرها.
وأشكال أهالي الشهداء كانت تختلف بين من يلبس طقماً ومن يلبس دشداشة أو مشلح وعباءة أو سروالاً من الجينز.
لكن ما يجمع تلك التوابيت هو شيء واحد، وفقط واحد، إنه العلم السوري الذي يلفهم جميعاً.

إقرا ايضا: دونية لبنانية اتجاه الأسد.. أو الخوف من ظلال ديكتاتور راحل

إنها رايةٌ واحدة بنفس الألوان ونفس الأشكال.
رايةٌ طالما وقفنا لها صغاراً خلال تأدية تحية العلم في المدرسة، وللأسف كنا لا نعطيها حق قدرها، لأننا لم نفهم الوطن.
لفّ العلم السوري كل التوابيت، مسيحيين ومسلمين وعلى مختلف فئاتهم وتقسيماتهم التي أعطت ألواناً متعددة في مزهرية سورية.
اليوم فهمت أن نسبتنا العددية لا تهم.
اليوم عرفت أنني سأكون أنا المسيحي بخير عندما يكون أخي المسلم بخير.
واليوم فقط فهمت لماذا يُدفن الشهيد ملفوفاً بعلم بلده.
عندما سينهال التراب عليه سيصبح كحبة الحنطة في الأرض، ويُنبت هذا السوري الشهيد آلافاً من الشهداء والمواطنين الذين سيلونون الوطن بأكثر من الألوان المعروفة، ولن يقولوا نحن ننتمي الى المسيحية أو الى الاسلام أو الى غيرها.
عدما كنتُ طفلاً لم أفهم ذلك، وكنت أعتقد أنه من باب العرفان بالجميل لفّهم بالعلم الوطني، ولكني اليوم فهمت أنه فعلاً “الدين لله والوطن للجميع” والشهداء هم من يوحدون الله من خلال ذوبانهم بالأرض.
عندما أطلق ملك سورية فيصل الأول (بعد الاستقلال عن تركيا وقبل الاستعمار الفرنسي بين تشرين الاول 1918 وتموز 1920) من حلب كلمته المشهورة “الدين لله والوطن للجميع”، كان ربع سكان حلب من المسيحيين، واليوم ينتابني الحزن العميق عندما أصبحنا لا نشكل هذه النسبة، بل نبتعد كثيراً عنها، ولكنني أصبحت مؤمناً أن السوريين فقط فقط فقط هم مسلمين ومسيحيين بآن واحد.
لقد وحدت دماء شهادئنا الذين سقطوا خلال هذه الأزمة، والمغلفة بالعلم السوري، كل الطوائف والمذاهب والملل.
لقد دافعوا عن سورية وهي التي طالما دافعت عن المستضعفين.
ففي ثمانينات القرن الماضي سمعت في إذاعة الكتائب اللبنانية، أنه “لولا سورية، لولا سورية، لولا سورية، لكنّا كَفَرنا بالعرب والعروبة والعربان”.
اليوم شهداؤنا يعلِّموننا أنهم توحَّدوا في التربة، وأن علينا أن نتوحد فوق الأرض.
علينا أن نختار لمستقبلنا الكفاءة بمعزل عن الطائفة والولاء والانتماء، و”من لا يستطيع ان يدافع عن الوطن بكفاءة، يجب أن يذهب” وهي من كلمات الرئيس حافظ الأسد خلال استقباله الزعيم السوفياتي ليونيد بريجينيف عام 1974.
وأخيرا بعد هذه العُجالة من الأفكار …
نحن الذين تحمّلنا ما أصاب سورية وأصابنا.
مُنعنا من الكهرباء والماء والطعام لسنوات.
شبابنا هاجروا
طلاب جامعاتنا ناموا في المساجد والحدائق العامة وغيرها من الأماكن الكثيرة لتقطّع سبل النقل الى بيوتهم وضيق ذات اليد أمام الغلاء الفاحش
تحمّلنا القذائف وأصبحنا كلنا خبراء عسكريين نعرف نوع القذيفة وتنوعت الأسماء من القازان الى البرميل الى الصاروخ وغيرها الكثير.
بعد هذا فإننا والله كدنا أن نكفر بالعرب والعروبة والعربان.
اللهم اشهد اني بلغت

السابق
واشنطن تكشف أوراق التحقيق الخاصة بـ«قيس الخزعلي»
التالي
تزامناً مع الاستماع لوديع الأسمر .. ناشطو طلعت ريحتكم يتظاهرون أمام مكتب جرائم المعلوماتية