مطبخ نصر الله.. تابع

قبيل عيد الفطر؛ حظي متابعو السيد حسن نصر الله في "يوم القدس العالمي"؛ بفرصة جيدة لاكتشاف نوعية المعطيات التي يقدمها المطبخ السياسي للسيد حسن نصر الله إلى جمهور الحزب.

تكمن أهمية الفرصة؛ أن السيد نصر الله قرأ في الخطاب إياه (8/6/2018) “تصريحات المسؤولين الإسرائيليين” بهدف التأكيد على حسرة وهزيمة “إسرائيل” ببقاء الأسد، وليتبين عند التدقيق أن عناوين التصريحات التي ذكرها لا تتوافق مع المضامين، فضلا عن الانتقائية الفاقعة في إيراد تصريحات إسرائيلية ملتبسة عن بشار وإهمال تصريحات غير ملتبسة أخرى.

قبيل عيد الأضحى؛ وفي الوقت الذي كان يفترض بنصر الله أن يبلع مواقفه السابقة، نظراً إلى المواقف الإسرائيلية الواضحة المرحبة بـ “بشار حليف إسرائيل” التي أعقبت خطابه السابق الذكر؛ قال نصر الله في خطاب “الذكرى 12 للانتصار الإلهي”: “إسرائيل شريك كامل في مشروع الحرب على سورية من الـ2011، وهي جزء من القرار، وجزء من الخطة الأمريكية السعودية الغربية على الأرض، التي أمنت كل الدعم اللازم للجماعات المسلحة؛ اللوجستي والصحي والسلاح، والمواد الغذائية والمعلومات، وصولا إلى التدخل العسكري المحسوب لنصرة هذه الجماعات، وكلنا نذكر خلال سبع سنوات تصريحات المسؤولين الإسرائيليين الذين كانوا يقولون أن الرئيس الأسد سيسقط.. وأن مصلحة إسرائيل هي ذهاب هذا النظام”.

وحيث أن نصر الله حريص على الاستدلال بالمواقف الإسرائيلية، فمن المفيد التذكير بهذه المواقف مرة أخرى؛ منذ العام 2011، وبما في ذلك المواقف الأخيرة:

في 2/4/2011 قال إفراييم سنيه، النائب السابق لوزير الدفاع الإسرائيلي: “إننا نفضل شيطاناً نعرفه (يقصد بشار الأسد) على شيطان لا نعرفه (يقصد الثوار)، وعليه؛ نقلت لوفيغرو الفرنسية في 28/7/2011 عن مصادر مطلعة أن “إسرائيل طلبت رسمياً من حلفائها وقف الحملة ضد سورية (النظام)”.

في 2/8/2011 أعلن إيهود باراك أن: “الإطاحة ببشار ليس تطوراً إيجابياً لصالح إسرائيل”.

في 14/9/2011 أكد الناطق باسم الجيش الإسرائيلي يوءاف موردخاي “وجود قلق إسرائيلي من سقوط الرئيس السوري بشار الأسد لأنه يقف على جبهة مغلقة منذ سنين طويلة”.

في 15/10/2011 أجرت صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية استفتاءً خلصت من خلاله إلى أن 85% من الإسرائيليين يعتبرون بقاء الأسد لمصلحة إسرائيل”.

في 16/11/2011 صدر الموقف الشهير لرئيس الهيئة الأمنية والسياسية بوزارة الدفاع الإسرائيلية عاموس جلعاد: “إن سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد سيترتب عليه حدوث كارثة تقضي على إسرائيل نتيجة تشكّل إمبراطورية إسلامية في الشرق الأوسط يقودها الإخوان المسلمون في مصر والأردن وسوريا”. وعليه؛ طالب رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، في آذار/مارس 2012- وبتصريح منشور-، الرئيس باراك أوباما بـ “تخفيف الضغوط على النظام السوري”!.

في 11/5/2013 أعلن إفريم هاليفى، الرئيس الأسبق للموساد لمجلة “فوراين أففيرز” أن: “بشار رجل إسرائيل في دمشق وإسرائيل تدرك أن عائلة الأسد وعلى مدار 40 عامًا استطاعوا تسكين الجبهات وتهدئة الأوضاع على طول الحدود، وكان هذا يخدم مصلحة تل أبيب”.

وبذلك يتبين؛ أن المواقف المبكرة لقادة الاحتلال في فلسطين كانت متخوفة من سقوط بشار الأسد لأنها لا تعرف من هو البديل، وعلى هذا المنوال رسمت سياستها، وأثرت على حلفائها، لكن الموقف تطور مع صعود نجم داعش ليصبح على الشكل الآتي: “بقاء الأسد ضعيفاً في السلطة أفضل خيارات إسرائيل”، وهذا ما توافقت عليه “إسرائيل” مع أميركا، وفقا للصحافة الإسرائيلية (17/12/2015)، وبنت عليه أميركا سياسة منع السلاح الفعال عن الثوار، وهو ما زال ساريا إلى اليوم. وتدليلاً على التغير في الموقف الأميركي؛ نبه وزير الدفاع الأمريكي حينها، في 21/1/2016، تشك هيغل، إلى أنه “يجب تجاوز مسألة رحيل الأسد، فهو لم يكن في يوم من الأيام عدواً لنا ولا لحليفتنا إسرائيل”.

على أن العام 2016؛ شهد إشارة أكثر وضوحاً في رغبة “إسرائيل” ببقاء الأسد؛ حيث نشرت معاريف الحوار الحرفي بين رئيس الوزراء الروسي ديمتري ميدفيديف في9/11/2016 مع “كبار المسؤولين في إسرائيل”، ونقلت حرفياً عن لسان ميدفيديف أنهم في “إسرائيل أبلغوه بصورة كاملة رغبتهم في بقائه (الأسد)، وأنه هو من يستطيع السيطرة على الوضع الميداني، وأنه أفضل من سيطرة الإرهابيين”، فقال ميدفيديف: “هو نفس الموقف الروسي”. وعليه؛ فقد استمر التنسيق الروسي- الإسرائيلي في الملف السوري، وقد وصل مؤخراً إلى تفاهم على أساسين: الحفاظ على بشار الأسد والتخلص من الوجود الإيراني، لا سيما على الحدود مع فلسطين المحتلة، وهو ما يفسر غض الطرف الروسي عن الهجمات الجوية الإسرائيلية على الإيرانيين و”حزب الله”. وكما هو معروف؛ فإن نقض اتفاق خفض التصعيد في الجنوب السوري ما كان ليحصل لولا الاتفاق الأميركي/الروسي/الإسرائيلي.

إقرأ أيضاً: رسائل هامّة من السيد نصر الله للحريري

في 15/6/2018 افتتحت هآرتس مادة تحليلية موسعة بعنوان: Assad Has Become Israel s Ally وذلك في معرض بحثها “عودة بشار لحماية الحدود”. وفي 1/7/2018 نقلت هآرتس الموقف الرسمي الآتي: “لا تقبل إسرائيل وجوداً عسكرياً لغير الجيش السوري في المنطقة الحدودية بالجولان المحتل”. وفي 6/7/2018 أعلن الصحافي الإسرائيلي المعروف إيدي كوهين لقناة الحرة، أن “جنود الأسد يحمون الحدود الإسرائيلية. نحن لا عداوة ولا خلاف بيننا وبين الأسد، ولا نمانع أن يبقى بشار وأن يحمي حدودنا كما كان في السابق”. وفي 11/7/2018 كشف نتنياهو وعده لبوتين بتصريح علني: “إسرائيل لن تهدد حكم بشار الأسد. بشار سيكون في مأمن شرط إخراج قوات إيران من سوريا”.

في قمة هلسنكي؛ كان الحاضر الأكبر: حماية “إسرائيل”؛ وفق تصريحات كل من ترامب وبوتين. ووفقاً للصحافة الإسرائيلية في اليوم التالي؛ فإن “بوتين تعهد بسحب القوات الإيرانية في سوريا مقابل عدم إيذاء الأسد. إسرائيل مهتمة ببقاء الأسد، وبسيطرته على التراب السوري كاملاً، وباستئناف العمل باتفاقية 1974” (هآرتس16/7/2018) كما أن “إسرائيل هي الرابح الأكبر من هذه الصفقة” (معاريف16/7/2018).

إقرأ أيضاً: خطاب نصرالله يمتص التململ ويحاول ترميم الثنائية الشيعية

في31/7/2018 أعاد السفير الروسي في تل أبيب التذكير؛ “إن السيطرة على الحدود السورية مع إسرائيل ستكون فقط للجيش السوري.. والأولوية ضمان أمن إسرائيل، وهذا ليس مجرد كلام في السياسة الروسية”، وفي 2/8/2018 أعلن وزير الجيش الإسرائيلي افيغدور ليبرمان أن “إسرائيل تفضل أن ترى عودة سوريا إلى وضع ما قبل الحرب الأهلية، حين كان الحكم المركزي تحت إدارة الأسد..الجبهة السورية ستكون أهدأ بعودة حكم الأسد”.

مع وفرة المعطيات على حرص “إسرائيل” على بقاء بشار الأسد في السلطة، منذ بداية الثورة وإلى اليوم؛ ثمة من لا يستحي إلى الآن؛ بطرحه خزعبلات تضليلية عن بشار “المقاوم”، وعن معارضيه “المدعومين من أميركا وإسرائيل والسعودية ووو..”. ثمة من يريد أن يصنع بطولات وهمية على شعبٍ خذله القريب والبعيد.. وما زال ثائراً منذ سبع سنين.

السابق
حرب وطنية ضد وسطاء السياسة؟
التالي
جنبلاط: في عيد الاضحى قلبنا مع المخطوفين على يد داعش