هل إنتهى العهد القوي قبل أن يبدأ؟ 

من المتعارف عليه في الحياة السياسية في لبنان أنّ ولاية رئيس الجمهورية الدستورية هي ست سنوات كاملة ، تنقسم واقعياً وسياسياً إلى قسمين كل قسم منها ثلاث سنوات. القسم الأول هو للعمل الروتيني من تشكيل حكومة وممارسة مسؤوليات الرئاسة والأهم من ذلك هو محاولة تثبيت العهد، تمهيداً للمرحلة الثانية والتي هي أيضاً ثلاث سنوات مكرسة كلها للصراع السياسي والحرتقات اللبنانية المعهودة في محاولة لجس النبض والتهيئة لمحاولة تجديد الولاية أو تمديدها.

هذا ما يحدث عادة وحدث في كل أو معظم التجارب السابقة منها من نجح على مضض وبالإكراه، ومنها من فشل وفي الحالتين كانت النتيجة أن دخل البلد في أزمات مزمنة نرى نتائجها وحصادها في ما يعانيه البلد والناس من معاناة رهيبة في الوقت الذي تمارس الطبقة السياسية حياتها العادية والسياسية وكأنها في عالم آخر.

المهم اليوم ومنذ بداية هذا العهد الذي اسماه أصحابه “العهد القوي” ولا ندري المعايير التي أعتمدت للتسمية سوى أن الرئيس ميشال عون شخصية قوية سياسيا في مجتمعها ومحيطها “المسيحي” مدعوما بقوة دفع شيعية عطلت البلد لسنتين إكراماً له ما دفع الفرقاء الآخرين للخضوع للأمر الواقع وهذا بحد ذاته ينفي صحة هذه المقولة وهذه التسمية.

إقرأ أيضاً: عون رئيساً؟ من الضحايا؟

المهم أنّ الحكومة التي شكلت في بداية العهد والتي ينظر إليها سيد العهد على أنها العدد صفر من حكومات عهده والتي “أنجزت” قانون إنتخابات هجين جرت على أساسه الإنتخابات النيابية وأفرزت ما أفرزت من نتائج هي حتى الآن “النتائج” عاجزة عن إفراز حكومة جديدة هي في الواقع حكومة العهد الأولى بعد مرور حوالي الثلاثة أشهر على إعلان النتائج مما يأكل من رصيد ووقت العهد إذ أنه شارف على نهاية السنة الثانية من ولايته ولم يبق أمامه عمليا وسياسيا إلا سنة واحدة عمل قبل الدخول في موسم “الحراك السياسي” المؤدي إلى محاولة التمديد أو التجديد ، ما يدعو إلى التساؤل الجدي المصحوب بالقلق على الأوضاع في البلد التي هي في وضع لا تحسد عليه وفي كل المجالات، هل إنتهى العهد القوي قبل أن يبدأ ؟ ويكتسب هذا السؤال مصداقية أكثر بعد ما نسب من كلام لرئيس الجمهورية عن أن التصويب السياسي على الوزير جبران باسيل سببه أنه في رأس السباق إلى منصب رئيس الجمهورية الامر الذي بدا وكأن الرئيس قد فتح مبكرا معركة رئاسة الجمهورية قبل أوانها المعتاد وخاصة مع التسريبات الأخطر والتي بحاجة إلى تأكيد والتي تتحدث عن “إخلاء او ترك” الرئاسة لباسيل وكأننا في مملكة يحكمها ملك وفيها ولاية عهد.

كل هذا يجري على وقع تطورات إقليمية متسارعة وخطيرة وأوضاع داخلية مهترأة وسجالات لا طائل منها تنحدر يوما بعد يوم إلى مستوى لا أخلاقي في تعامل الأفرقاء مع بعضهم البعض وما قصة الباخرة “عائشة أو إسراء أو جوزفين أو أوجيني” إلا عينة مضحكة مبكية عما وصلنا إليه من عدم إحساس بالمسؤولية .

إقرأ أيضاً: بعد تصريح عون: باسيل يستعيد حلف 8 آذار والهدف.. كرسي بعبدا

من هنا نقول أن الأحداث تثبت من جديد أن هناك خللاً في الممارسة السياسية التي هي الأساس في بناء المجتمع والوطن حتى ولو كان النظام المعمول به غير سوي فبالممارسة السليمة يمكن أن نحسن ونطور وضعنا ولو بالحد الأدنى، ولكن الطامة الكبرى عندنا أن النظام السياسي سيء والممارسة السياسية أسوأ، ومن هنا لا يمكن أن نرى عهدا قويا لا بمجلسه ولا بحكومته ولا وهذا هو الأهم بشعبه … لأن فاقد الشيء لا يعطيه.

السابق
وفد «مسد» في دمشق: ملفات للحوار مع النظام
التالي
ليتك لم تذهب إلى ذاك المكان يومها