أزمة كهرباء لبنان بالأرقام: إلى تصاعد…

كهرباء لبنان
لبنان ليس جزيرة منعزلة عن العالم وأزمة قطاع الكهرباء لا يمكن فصلها عن أوضاع الإقتصاد العالمي، فأسعار النفط العالمية تلعب دوراً رئيسياً في زيادة العجز في مؤسسة كهرباء لبنان.

ففي حين يبلغ سعر برميل النفط العالمي حالياً 50 دولاراً تقدر خسائر المؤسسة بحوالي مليار وأربعمائة مليون دولار بينما كانت الخسائر تقدر بحوالي مليارين ومئتي مليون دولار حين قفز سعر برميل النفط إلى أكثر من مئة دولار. فكلما إرتفعت أسعار المشتقات النفطية عالمياً كلما إزدادت خسائر مؤسسة كهرباء لبنان لأنها تعتمد بنسبة 85 في المئة في إنتاج الطاقة على هذه المشتقات النفطية.
وقال الخبير الإقتصادي والمالي الدكتور غازي وزني لجنوبية “أسباب أزمة الكهرباء متعارف عليها وهناك أطنان من الدراسات التي وضعتها المؤسسات الدولية كالبنك الدولي وشركات عالمية للطاقة والكهرباء، إلا أن السؤال الأبرز هو: لماذا لا تتم معاجلة الأزمة في حين أن الحلول والخطط موجودة في أدراج الحكومة اللبنانية وأما العائق الأساسي فهو سياسي بامتياز”.

اقرأ أيضاً: في الصين: طرقات ممهدة بالطاقة الشمسية لتوليد الكهرباء النظيفة

ماذا يريد الأقطاب السياسيون؟

قبل الحرب الأهلية اللبنانية عام 1975 لم يكن اللبنانيون يعانون من أزمة كهرباء وكانت مؤسسة كهرباء لبنان تؤمن التيار الكهربائي 24 ساعة في اليوم وكان القطاع الكهربائي منتجاً ومربحاً لخزينة الدولة. وبعد الحرب الأهلية أي منذ عام 1992 تضاربت مصالح الأطراف السياسية وتداخلت مع مصالح الرأسماليين ووجدوا بأن هذا القطاع كالدجاجة التي تبيض ذهباً، وأصبح كل طرف سياسي يتوقع شيئاً من هذا القطاع.
الأسباب السياسية منعت وضع خطة وطنية شاملة للكهرباء وتنفيذها حيث أن كل سنتين إلى أربع سنوات تتغير الحكومة ويتغير معها وزير الطاقة ويتم التلاعب من جديد بكل ملف الكهرباء وفقاً للجهة السياسية التي تستلم هذه الوزارة. وكما يتبين أدناه فإن أغلب الأحزاب السياسية في لبنان قد تعاقبوا على وزارة الطاقة وقدموا مشاريع وخطط لمعالجة الأزمة دون جدوى منذ عام 1990 وهم على التوالي: نبيه بري، محمد يوسف بيضون، محمد عبد الحميد بيضون، جورج افرام، إيلي حبيقة (حكومتان)، سليمان طرابلسي، أيوب حميد، موريس صحناوي، بسام يمين، محمد فنيش، آلان طابوريان، جبران باسيل (حكومتان)، آرثور نظريان، وسيزار أبي خليل.
فالبعض إقترح خصخصة القطاع واعتبر أن إفلاس المؤسسة سيؤدي حتماً إلى خصخصتها بشكل سريع، والبعض إقترح قيام شراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص وتقاسم المهام والمسؤوليات بين القطاعين، وطرف ثالث قال بإصلاح وتوسيع مؤسسة كهرباء لبنان قبل أي عملية أخرى، وطرف رابع لا يريد أن يخسر مصالحه المالية والإقتصادية فالعجز في المؤسسة يؤدي إلى تحصيل ملايين الدولارات من قبل القوى السياسية وذلك عبر تأمين وبيع المشتقات النفطية للمؤسسة عبر شركات خاصة، ومنها البواخر التي كان من المفترض أن تكون حاجة مؤقتة لمدة سنتين لكنها أصبحت حاجة دائمة والتكلفة المالية التي تتكبدها مؤسسة الكهرباء لقاء إجرة إنتاج الكهرباء من هذه البواخر كفيلة ببناء مصانع تملكها الدولة اللبنانية.
إضافة إلى قيام لوبي مؤثر له نفوذ قوي على القرار السياسي والمتمثل بأصحاب المولدات الكهربائية وداعميهم من السياسيين. وحساب بسيط يمكن أن يوضح الصورة للقارئ، لنفترض أن مولد كهربائي أعطى الكهرباء ل 500 منزل في إحدى الأحياء بسعر 100 دولار شهرياً فذلك سيدر 50 ألف دولار شهرياً، ويبقى على القارئ أن يتخيل حجم الأموال التي يدرها هذا القطاع الصاعد ولماذا هو مدعوم من أطراف سياسية.
ويفتقر لبنان إلى وجود قانون يحكم قطاع الطاقة وينظمها منعاً للإحتكار واستغلال المواطنين. فالمولدات غير شرعية لأنها غير مرخصة لذلك يصعب السيطرة عليها فلا يمكن لجهاز حماية المستهلك أن يحرر مخالفة بحقهم أو أن يضبط الأسعار ويمنع الإحتكارات والتعديات على الشبكة.

أسباب الأزمة

يعدد وزني أسباب الأزمة في القطاع الكهربائي في لبنان:”أولاً التعرفة المتدنية التي يدفعها المستهلك في لبنان مقارنة بتكلفة الإنتاج، فالمؤسسة تنتج وتبيع الكهرباء وفقاً لسعر برميل النفط 25 دولاراً بينما السعر العالمي الأن يفوق 50 دولاراً لذا يجب رفع التعرفة التي يدفعها المستهلك شرط تأمين الكهرباء 24 ساعة في اليوم وبذلك يتخلص المواطن من فاتورة الإشتراك والتي تعتبر أعلى بكثير مما يمكن أن يدفعه المواطن لمؤسسة كهرباء لبنان، والسبب الثاني عدم وجود طاقة بديلة عن النفط كاستخدام الغاز الطبيعي أو أنواع أخرى من المشتقات النفطية ذات التكلفة المنخفضة”.
ويضيف:” ضعف الطاقة الإنتاجية للمؤسسة حيث تنتج 1500 ميغاواط بينما الطلب هو 3000 ميغاواط مما يفرض بناء معامل جديدة وصيانة المعامل المهترئة، ورابعاً مشكلة شبكات الوصل المسؤولة عن تمديد وإيصال التيار الكهربائي إلى المناطق اللبنانية كافة وفي مقدمتها مشكلة “شبكة المنصورية” التي إذا لم تعالج تكون كل المعالجات الأخرى غير مجدية لأن هذه الشبكة تربط التيار الكهربائي في لبنان كله وهي الوحيدة القادرة على نقل الطاقة الإضافية”.
ويعتبر وزني بأنه يجب تنظيم وتفعيل الهيئة الناظمة لقطاع الطاقة والكهرباء وإعادة النظر بمجلس إدارة المؤسسة وتطبيق قانون الكهرباء الأساسي رقم 462 الصادر عام 2002 وملئ الشغور في المؤسسة حيث أن عدد الموظفين يبلغ الأن حوالي 2500 موظف بينما تحتاج الشركة إلى حوالي 5000 موظف ناهيك عن أن أغلب الكادر الوظيفي في مؤسسة كهرباء لبنان غير مؤهل ولا يتمتع بخبرات وكفاءات ومعدل أعمار الموظفين في المؤسسة هو 52 سنة وبالتالي فالمؤسسة بحاجة إلى دم جديد.

ضغوطات إضافية

ويعاني قطاع الكهرباء من ضغوطات إضافية في مقدمتها سلوك شريحة من المستهلكين المتمثل في التهرب من دفع الفواتير والجباية غير المنظمة من قبل المؤسسة والكثافة السكانية المستمرة بالإرتفاع وانتشار عمراني ديمغرافياً وجغرافياً يسبق عملية تمديد وتأهيل شبكة الكهرباء في المناطق اللبنانية.
ويرى وزني بأن هناك مناطق عديدة في لبنان لا تدفع رسوم إشتراك الكهرباء وفي بعضها الأخر يتم التعليق على كابلات مؤسسة كهرباء لبنان والأجهزة الأمنية غير قادرة على منع هذه التعديات لأسباب سياسية، يضاف إلى ذلك تأمين الكهرباء للنازحين السوريين وللاجئين داخل المخيمات الفلسطينية حيث يستهلك النازحون السوريون حوالي 300 ميغاواط أي 20 في المئة من الطاقة المنتجة وذلك بحسب أرقام البنك الدولي حيث يبلغ السوريون في لبنان حوالي مليون ونصف المليون مواطن سوري. ويستهلك الفلسطينيون في المخيمات حوالي 50 ميغاواط إذا صح تقدير الوجود الفلسطيني في لبنان بحوالي 300 ألف نسمة تقريباً.
ويضيف وزني “هذا لا يعني بأن النازحين السوريين واللاجئين الفلسطينيين والمناطق اللبنانية الخارجة عن سيطرة الدولة هم سبب العجز لأنه لو لم يستهلك هؤلاء هذه الكمية من الطاقة فإنها ستستهلك من قبل غيرهم وستبقى المشكلة على حالها حيث أن 1500 ميغاواط فقط لا غير يستهلكها كل المتواجدين على الأراضي اللبنانية سواء بشكل شرعي أم غير شرعي ويتم تأمين الكمية الباقية من المولدات الخاصة في الأبنية ومن قبل المولدات الكهربائية في الأحياء فيما يعرف ب”الإشتراك”.

كهرباء 24 ساعة؟
القرار الإصلاحي سيؤدي إلى إزعاج واستياء الناس من السياسيين لأنه يتضمن رفع التعرفة على المواطن اللبناني ويتخوف الفرقاء السياسيون في حال رفع الدعم عن هذا القطاع أن يؤدي ذلك إلى نقمة عليهم وأن يحرك الشارع ضدهم، لذلك فالقوى الحزبية تعتبر بأن تحميل الحكومة اللبنانية تكلفة العجز في هذا القطاع والبالغ حوالي 30 مليار دولار منذ عام 1992 والحفاظ على الإستقرار أسهل بكثير من خسارة نفوذهم وصورتهم وقدرتهم على السيطرة على الشارع. ففي عام 2013 فقط، خصصت الحكومة مبلغ ملياري دولار لمؤسسة كهرباء لبنان أي ما يقارب 50 في المئة من العجز في الموازنة العامة للحكومة، وتؤدي أزمة القطاع إلى خفض النمو الإقتصادي بنسبة واحد في المئة سنوياً بحسب البنك الدولي.
واقتصار الحل على زيادة التعرفة ليس الحل المناسب برأي وزني لأنه سيصيب الطبقتين المتوسطة والفقيرة، إلا أن الخطة الإصلاحية الشاملة التي وضعت عام 2010 والتي كان من المفترض تنفيذها يمكن أن تؤدي بالمواطن إلى دفع فاتورة واحدة مقبولة والتخلص من الفواتير الأخرى والحصول على الكهرباء 24 ساعة يومياً.
والخطة الإصلاحية إقتضت بتأمين 4000 ميغاواط عام 2014 يلحقه 1000 ميغاواط إضافي عام 2015 إلا أن ذلك لم يتحقق وبقي إنتاج الكهرباء عند 1200 ميغاواط. كانت الخطة تتضمن الحصول على الطاقة من مصر وإنتاج 1000 ميغاواط من مصنعي البداوي والزهراني وتأهيل مصنعي الذوق والجية ودير عمار والزهراني وبعلبك وحريشة لرفع طاقتهم الإنتاجية واستجرار 370 ميغاواط من البواخر، لكن ذلك كله لم ينفذ بالشكل السليم بسبب التدخلات السياسية والمحسوبيات وأدت إلى فشل المناقصات وتوقف إستجرار الكهرباء من سوريا ومن مصر بفعل الأحداث الأمنية والسياسية في المنطقة وبسبب إصطدام الخطة بعراقيل إجتماعية وسياسية وقانونية وبيئية وتقنية وأمنية.

اقرأ أيضاً: فساد الكهرباء واحد…من جنوب لبنان الى جنوب العراق!

ويزداد الطلب على الطاقة الكهربائية 5 في المئة سنوياً فيما تتراجع القوة الإنتاجية للمعامل الكهرائية بنسبة 3 في المئة سنوياً أي أنه هناك فرق 8 في المئة سنوياً بين العرض والطلب، وأما زيادة إنتاج الطاقة من 1500 ميغاواط إلى 3000 ميغاواط سيكلف الخزينة خسائر سنوية تصل إلى أربع مليارات دولار فكلما إرتفعت الطاقة الإنتاجية كلما زادت فاتورة الهدر في ظل هذا الواقع مما ينذر بأزمة طاقة في المستقبل أخطر بكثير من أزمة النفايات التي مر بها لبنان.

هل يتحمل المواطن مسؤولية؟
ويحمل وزني المواطن اللبناني كامل المسؤولية في كافة الأزمات التي تعصف بلبنان وذلك بسبب غياب الرقابة والمحاسبة حيث يصوَت المواطنون بغرائزية في الانتخابات مما أعطى قدرة لمجلس النواب على التمديد لنفسه وجعله يستهتر بحقوق اللبنانيين. كما وأعاد اللبنانيون إنتخاب ذات الطبقة السياسية دون أي رقابة أو محاسبة.

السابق
قضية الجمع بين وظيفتين موضع جدل ببلدية برج رحال
التالي
وزارة المالية تحذر: لا تضغطوا على هذا الرابط